دراسة أمريكية حول استراتيجية أمريكا وإسرائيل لتقويض إيران وأذرعها في المنطقة

الساعة : 18:00
12 أبريل 2025
دراسة أمريكية حول استراتيجية أمريكا وإسرائيل لتقويض إيران وأذرعها في المنطقة

المصدر: فورين أفّيرز

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الملخص التنفيذي

تشير الدراسة المنشورة في مجلة "فورين أفّيرز" إلى أن الشرق الأوسط يشهد اليوم لحظة استراتيجية نادرة قد تُحدث تحولًا عميقًا في موازين القوى الإقليمية، حيث تواجه إيران تراجعًا كبيرًا في نفوذها، هو الأكبر منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وتوضح الدراسة أن سلسلة من الضربات العسكرية "الإسرائيلية" المركزة، بدعم ضمني من الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية، قد أدت إلى إضعاف حلفاء إيران الأساسيين في المنطقة، بما في ذلك حماس في غزة، حزب الله في لبنان، والوجود الإيراني في سوريا.

أحد أبرز التحولات المفصلية تمثل في انهيار النظام السوري المدعوم من طهران، بعد فرار بشار الأسد من دمشق في ديسمبر 2024، وهو ما فسح المجال أمام قيادة جديدة مناوئة للنفوذ الإيراني، بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع. كذلك، أضعف الرد الإيراني المحدود على الهجمات الإسرائيلية صورة طهران كرأس حربة لمحور المقاومة، وأدى إلى انكشاف محدودية قدراتها العسكرية والردعية أمام خصومها.

ترى الدراسة أن الفرصة متاحة الآن لإعادة تشكيل النظام الإقليمي على أسس أكثر استقرارًا ومرونة، وأن هناك توافقًا غير مسبوق بين الولايات المتحدة، "إسرائيل"، وعدد من الدول العربية على ضرورة تحجيم النفوذ الإيراني واحتواء تداعياته. ومع ذلك، فإن هذه الفرصة لا يمكن أن تُترجم إلى واقع دون اتباع استراتيجية شاملة تجمع بين الأدوات العسكرية والدبلوماسية والسياسية، خاصة في ظل هشاشة الأوضاع في دول مثل لبنان وسوريا واليمن.

في لبنان، تدعم الولايات المتحدة وحلفاؤها حكومة انتقالية جديدة بقيادة قائد الجيش جوزيف عون، وهي حكومة تحاول فرض سيطرتها على الدولة ومؤسساتها، لكنها تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في بقاء حزب الله مسلحًا ومتمسكًا بولائه لطهران. أما في سوريا، فإن الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع تسعى للانفكاك من الهيمنة الإيرانية وإعادة بناء الدولة، لكنها لا تستطيع المضي قدمًا دون تخفيف العقوبات الغربية وتوفير مساعدات اقتصادية عاجلة، وهو ما لم يتحقق بعد.

في المقابل، لا تزال إيران تحتفظ بقدرة تأثير كبيرة في اليمن والعراق عبر ميليشيات تابعة لها، وتستخدم هذه الأوراق لتعويض خسائرها في الساحات الأخرى، وهو ما يعقد مشهد المواجهة الإقليمية ويُبقي على عنصر التهديد مستمرًا.

تختم الدراسة بالتأكيد على أن ما تحقق حتى الآن، رغم أهميته، لا يُمثل نصرًا نهائيًا على إيران، بل هو مكسب عسكري مؤقت يجب أن يتبعه جهد سياسي ودبلوماسي منسق لإعادة بناء أنظمة الحكم في الدول المنهارة، وملء الفراغ الذي خلفه تراجع إيران. وتنتقد الدراسة توجه إدارة الرئيس ترامب التي تركز بشكل شبه حصري على العقوبات والضربات العسكرية دون أن توفر الدعم السياسي والاقتصادي الضروري للدول الخارجة من قبضة إيران. فإذا لم يُستثمر هذا الزخم الحالي في بناء نظام إقليمي مستقر وشامل، فإن إيران ستجد حتمًا الفرصة لإعادة تنظيم صفوفها واستعادة نفوذها في المنطقة.

فرصة سانحة لتشكيل نظام إقليمي يمكنه احتواء إيران

يبدو النظام الإيراني الآن في موقف دفاعي، ويعيش مرحلة هي الأكثر ضعفًا داخليًا وانكشافًا في الخارج من أي وقت مضى منذ الثورة الإسلامية عام 1979. فقبل هجوم "حماس" على "إسرائيل" في السابع من أكتوبر 2023، ودخول "إسرائيل" حربًا متعددة الجوانب ضد المصالح الإيرانية، كانت استثمارات إيران الضخمة في ترسانتها الصاروخية وبرنامجها للأسلحة النووية وشبكتها الإقليمية بالوكالة قد قيّدت بشدة استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط. وظل الخبراء السياسيون في واشنطن الذين يركزون على إيران منقسمين حول مزيج الأدوات التي يمكن أن تردع إيران بشكل فعّال، لكنهم اتفقوا عمومًا على أنه إذا تم الضغط على طهران بشدة، فإنها ستحتفظ بقائمة من الخيارات الانتقامية التي تخاطر بحرب شاملة.

وقد استقر أربعة رؤساء أمريكيين متعاقبين، جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب في ولايته الأولى وجو بايدن، على استخدام الدبلوماسية والعقوبات معًا للردع، ولم يأذنوا أبدًا بضربات عسكرية داخل الأراضي الإيرانية. لكن نجاح العمليات "الإسرائيلية" الأخيرة حطّم تلك التصورات المسبقة، وفتح نافذة مثلّت فرصة سانحة لاستكمال تفكيك شبكة التهديد الإقليمي الإيرانية وبناء شرق أوسط أكثر أمانًا واستقرارًا. فقد قُتل قادة رئيسيون في "محور المقاومة" الإيراني، وسُحب عشرات الآلاف من المقاتلين المدعومين من إيران من ساحة المعركة، ودُمرت ترسانات المحور، وقوّضت "إسرائيل" المجمع الصناعي العسكري الإيراني الذي كان يُغذيها في السابق. وبفرار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من دمشق في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، خسر قادة طهران حليفًا أساسيًا ساعدهم في تحويل سوريا إلى مركز عبور، استخدموه لإعادة إمداد ميليشياتهم بالوكالة بالأسلحة والأموال والمقاتلين.

بالمقابل، كان هجوم إيران على "إسرائيل" بالصواريخ الباليستية عام 2024 محاولة فاشلة، زادت من تراجع قوة ردعها ومعنويات الجماعات التابعة لها، ما أثار تساؤلات حول قيمة طهران كراعٍ لتلك الجماعات. وبالتالي، فقد أصبح الطريق مُهيئًا لإطار سياسي جديد قادر على إصلاح وتعزيز البيروقراطيات الفاسدة والضعيفة التي استغلتها إيران، واستبدال القادة المُعرّضين للتأثر بالنفوذ الإيراني.

لكن لا يُمكن ترك مهمة منع إيران من استعادة قوتها التدميرية في الشرق الأوسط لـ"إسرائيل" وحدها؛ حيث تفتقر إلى الموارد وهيكل التحالفات وعقود من الخبرة في مرحلة ما بعد الصراع لضمان نظام إقليمي جديد أكثر سلمية. كما إن القوة العسكرية وحدها لا تستطيع منع التمدّد الإيراني؛ فالعملية السياسية وحدها هي القادرة على تحقيق ذلك، والولايات المتحدة هي الأقدر على قيادة هذا الطريق. لكن الخطوات التي اتخذها "ترامب" في الأشهر الأولى من ولايته الثانية ستُصعّب على واشنطن اغتنام هذه الفرصة السانحة؛ فقد يعتقد أن تقليص عدد السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية وموظفي المساعدات الخارجية، وتجنب التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، وفرض عقوبات جديدة على إيران، وتصعيد الضربات العسكرية ضد وكلائها في اليمن، كل هذا يساعد في تركيز الاستراتيجية الأمريكية والعودة إلى حملة "الضغط الأقصى" التي استخدمها ضد إيران في ولايته الأولى. لكن هذا النهج الذي يعتمد على أداة واحدة فقط من أدوات السياسة الخارجية (العمل العسكري) لن يسمح للولايات المتحدة بالاستفادة من ضعف إيران.

فبدلًا من ذلك، يجب على "ترامب" الجمع بين الإجراءات الصارمة والدبلوماسية الإبداعية، التي تتجاوز مجرد الاتصال برؤساء الدول والسعي لصفقات واضحة ومفيدة. فلدى الولايات المتحدة و"إسرائيل" والعديد من الدول العربية الآن هدف مشترك لتحرير الشرق الأوسط من نفوذ إيران، وهو إجماع نادر الحدوث. وبالتالي، ينبغي على واشنطن أن تعمل على جمع أصحاب المصلحة هؤلاء لوضع مخطط واقعي لحكم غزة وأمنها وإعادة إعمارها، وأن توضح الاستثمارات طويلة الأجل التي ستقدمها في أمن الشرق الأوسط. وبدلًا من تجميد المساعدات، يجب عليها وضع استراتيجية واضحة لتحقيق الاستقرار في المنطقة والاستجابة لاحتياجات شعوبها، وهذا سيتيح مزيدًا، وليس أقل، من الموارد لمواجهة الجماعات التي حافظت على نفوذ إيران لفترة طويلة.

ودون هذه الاستراتيجية، لن يتمكن الشرق الأوسط من تعزيز المكاسب العسكرية الهائلة التي حققتها "إسرائيل" ضد إيران؛ حيث يتحرك قادة طهران بالفعل لاستعادة نفوذهم المفقود. فقد أشارت بعض التحليلات إلى أن الجمهورية الإسلامية ساهمت في تأجيج العنف الطائفي الذي اندلع في سوريا في آذار/ مارس الماضي، ورغم نفي طهران القاطع، لكنها على كل حال مستفيدة من ضعف الحكومة في دمشق. ومن هنا، برزت فرصة حقيقية لوضع الشرق الأوسط على مسار مختلف، لكن إذا أضاعت الولايات المتحدة تلك الفرصة فقد لا تتكرر لأجيال قادمة.

ضربة قاضية ضد إيران غيرت معادلة الردع

في غضون عام ونصف، أخضعت "إسرائيل" العديد من حلفاء إيران؛ حيث فقدت أذرعها الفاعلة في الشرق الأوسط قدرتها على مواصلة العمل العسكري الجاد، والهيمنة حتى على حكومات الشرق الأوسط الضعيفة. فبحلول آب/ أغسطس 2024 أعلن الجيش "الإسرائيلي" أنه "فكك" 22 كتيبة من أصل 24 كتيبة تابعة لحركة "حماس"، وقتل أكثر من نصف قادتها العسكريين، وقضى على أكثر من 17000 مقاتل من الرتب المختلفة، كما قام بتحييد معظم البنية التحتية للأنفاق في غزة والمنشآت التي استخدمتها الحركة لتصنيع الطائرات بدون طيار والصواريخ وغيرها من الذخائر. ويعكس استعداد "حماس" للموافقة على وقف إطلاق النار على مراحل في كانون الثاني/ يناير الماضي تدهور قدراتها؛ إذ يدرك قادتها أن بقاء الحركة مرهون بإنهاء العمليات العسكرية "الإسرائيلية".

في الوقت ذاته، تم القضاء على قيادة "حزب الله" في لبنان، ودمرت الغارات الجوية "الإسرائيلية" أكثر من 70% من الصواريخ بأنواعها التي يمتلكها الحزب. وفي اعترافٍ بضعف الحزب، وجهت طهران قادته الباقين على قيد الحياة للموافقة على وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بشروطٍ تصب في مصلحة "إسرائيل". واضطر "حزب الله" إلى فصل حملته ضد "إسرائيل" عن حرب غزة، ما مثّل ضربةً قويةً لجهود إيران لتطويق "إسرائيل" في حلقةٍ من النار. وفي شباط/ فبراير الماضي شكّل لبنان حكومةً جديدةً همّشت، لأول مرة منذ عقود، السياسيين الموالين لـ"حزب الله".

في السياق نفسه، فشلت إيران في حماية "الأسد"، رئيس الدولة الوحيد في الشرق الأوسط الذي يُمكن لإيران اعتباره شريكًا استراتيجيًا. فبعد اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، استثمرت إيران من 30 - 50 مليار دولار في دعم نظام "الأسد"، ونشر ضباطٍ إيرانيين، وتوجيه جنود مشاة أجانب إلى سوريا، وتقديم دعمٍ لوجستيّ وعملياتيّ واسع النطاق. بالمقابل، سمح "الأسد" لإيران باستخدام بلاده لبناء شبكتها الإقليمية، مانحًا إياها السيطرة على المستودعات والمطارات، وسمح لها أيضًا بنقل الأموال والمواد المتجهة إلى وكلائها عبر أراضي سوريا ومجالها الجوي. لكن هذا التحالف الذي مثّل منفعة متبادلة بين طهران ودمشق انهار فجأة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بعد أن شنّ تحالف مناهض لـ"الأسد" بقيادة "هيئة تحرير الشام" هجومًا خاطفًا على دمشق، واستولى على العاصمة دون مواجهة مقاومة جادة.

وأخيرًا، فشلت استراتيجية طهران المتمثلة في إبراز قوتها في الخارج لحماية نفسها في الداخل، في ردع "إسرائيل" عن ضرب أراضيها مرتين عام 2024؛ فبعد تدمير "إسرائيل" دفاعات إيران الجوية وضرباتها على منشآتها الصناعية الدفاعية أصبح البرنامج النووي مكشوفًا، وأضعف ذلك قدرتها على تصنيع الأسلحة التقليدية، والأهم من ذلك أن عمليات "إسرائيل" خففت حاجز الخوف من توجيه ضربات داخل الأراضي الإيرانية. وفي نيسان/ أبريل 2024، ردت إيران على مقتل اثنين من كبار جنرالاتها في دمشق بهجوم صاروخي وطائرات مسيرة على "إسرائيل"، لكن دفاعًا متعدد الأطراف ومنسقًا بقيادة الولايات المتحدة، ضم قدرات عسكرية "إسرائيلية" وعربية وأوروبية، اعترض تقريبًا جميع صواريخ كروز وطائرات إيران المسيرة قبل أن تصل إلى المجال الجوي "الإسرائيلي". وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، دافعت "إسرائيل"، بمساعدة الولايات المتحدة، عن نفسها بفعالية ضد وابل إيراني أكثر تنسيقًا بأكثر من 180 صاروخًا باليستيًا. وقد أثبتت هذه الأحداث أنه يمكن دحر الهجمات التقليدية الإيرانية، وأنه يمكن إقناع الدول المجاورة بالانضمام إلى دفاع منسق ضد العدوان الإيراني.

الشرق الأوسط جاهز لمرحلة من الاستقرار

لقد أضعفت "إسرائيل" قوة إيران بشكل كبير، لكن مرحلة الحرب التي تعقب العمليات القتالية، والتي تُسميها العقيدة العسكرية الأمريكية "الاستقرار"، لا تقل أهمية؛ فمن أجل منع مزيد من دورات العنف وحرمان الجهات الفاعلة من فرصة الاستفادة من ارتباك ما بعد الصراع، ينبغي أن يتضمن "الاستقرار" إعادة إرساء الأمن الأساسي الذي يمكن للسكان الثقة به، وتوفير الخدمات الحيوية ووقف التدهور الاقتصادي بعد الحرب، ومساعدة الحكومات الجديدة على إعادة بناء مجتمعاتها. ولا يمكن شن هذه المرحلة من الحرب، وهي مرحلة سياسية بطبيعتها، بالقوات النظامية وحدها؛ إذ يجب أن ينضم إليها دبلوماسيون وخبراء فنيون لما بعد الصراع وقادة محليون وفاعلون في المجتمع المدني، حتى لو استمرت بعض الإجراءات الحركية، وبالتالي فإن الشرق الأوسط جاهز للاستقرار الاستراتيجي. ومن جهتهم، قد يعمل القادة الجدد في كل من بيروت ودمشق بالفعل على انتزاع بلديهما من نفوذ إيران على أمنهما وسياساتهما؛ ففي تحدٍ مباشر لـ"حزب الله"، دعا رئيس لبنان الجديد، جوزيف عون، علنًا إلى نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة التي تعمل خارج سلطة الدولة، ومنح الجيش اللبناني تفويضًا بالانتشار جنوب البلاد واستكمال نزع سلاح "حزب الله". وطالما دعت الأمم المتحدة إلى نزع هذا السلاح منذ عام 2006، لكن الآن فقط، نظرًا لتدهور وضع الحزب والإرادة السياسية الجديدة لبيروت والإشراف العسكري الأمريكي المباشر، فالفرصة مُتاحة الآن لتحقيق ذلك.

وفي سوريا، يواجه رئيسها الجديد، أحمد الشرع، شبكات تجارة الأسلحة والمخدرات غير المشروعة التابعة لإيران على الحدود اللبنانية، وقد اتهم إيران بجرأة بتأجيج عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة. وعقدت حكومته المؤقتة حوارًا وطنيًا لرسم مستقبل سوريا، ووقعت اتفاقيات تكامل مع جماعات مسلحة أخرى، واتخذت إجراءات بناءً على معلومات استخباراتية قدمتها الولايات المتحدة لإحباط مؤامرات تنظيم "داعش". ورغم قلق المسؤولين الأمريكيين بشأن الروابط السابقة بين "هيئة تحرير الشام" و"تنظيم القاعدة"، فإن هذه الجهود المبكرة التي بذلها "الشرع" تعكس ميلًا نحو الشمولية السياسية والتعاون الأمني الذي، إذا تم دعمه، يمكن أن يشكل حصنًا ضد التدخل الإيراني، الذي يتغذى على الانقسامات الطائفية والبؤس الاقتصادي.

وقد بدأ الشعبان اللبناني والسوري، اللذان يدركان أن قبضة إيران الخانقة قد تراخت، في التطلع إلى حكومتيهما بدلًا من الجماعات غير الحكومية للمساعدة في إعادة بناء حياتهما. لكن دون مساعدة ومشاركة أجنبية، وفي غياب أي رؤية للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الشامل، ستضطر المجتمعات المعذبة في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى الاعتماد على شبكات تعمل خارج جهاز الدولة من أجل بقائها اليومي، بما في ذلك الشبكات غير المشروعة، وهذا بدوره سيضعف حكوماتهم. وقد لاحظ القادة الإيرانيون الموجة الجديدة من القادة القوميين غير الراغبين في اتباع اتجاههم، وهم يعلمون أن قطاعات كثيرة من شعوب المنطقة تتوق إلى التحرر من قبضة المحور. لكن إيران عازمة تمامًا على استعادة نفوذها الإقليمي؛ ففي خطاب ألقاه في كانون الأول/ ديسمبر، كشف الجنرال الأعلى رتبة في النظام، بهروز أسباني، عن خطط طهران لتجنيد متمردين جدد في سوريا، وأعلن أن بلاده ستنجح في إعادة تنشيط "الطبقات الاجتماعية" العميقة من النفوذ تدريجيًا، التي طورتها أثناء وجود "الأسد" في السلطة.

إن إزاحة "الأسد" تُمثل فرصةً نادرة لوضع سوريا على مسارٍ مستقر؛ مسارٍ لا تعود فيه قاعدةً لإيران لبسط نفوذها، لكن مهما رغب "الشرع" في إنهاء عقدٍ من النفوذ الإيراني، فلن يتمكن من ذلك ما لم يتم تخفيف العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة. ودون دعمٍ خارجيٍّ كبيرٍ مشروطٍ بتحقيق معايير حكمٍ واقعية، لن يتمكن من كبح جماح الأزمة الإنسانية والاقتصادية في سوريا، والتي تمثل حالة من عدم الاستقرار تخدم مصالح إيران التي ما زال لها موطئ قدم كبير في أماكن أخرى أيضًا.

أما بالنسبة لحركة "حماس"، فرغم تدهور حالتها لم تُبدِ أيَّ إشارةٍ على قبولها بالهزيمة، ولا يتفاوض قادتها على مستقبلٍ يتخلون فيه عن حكم غزة، وتعمل على ترسيخ وجودها في ظلِّ فراغ الحكم في القطاع. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، تشير التقديرات إلى أن الحركة جندت أكثر من عشرة آلاف عنصر جديد، ويعرف ممولوها كيفية التهرب من الثغرات في نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة، وإدارة محفظة استثمارية عالمية تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات. وقد قاوم قادة "إسرائيل" أي رؤية لحكم فلسطيني غير "حماس" في غزة، بينما لم يطالب الاقتراح الذي طورته الدول العربية في قمة آذار/ مارس بالقاهرة بحل "حماس".

على الساحة اللبنانية، أدت الضربات "الإسرائيلية" على "حزب الله" إلى إضعافه للغاية، لكن قادة بيروت الجدد ورثوا دولة ضعيفة ومفرغة، ولتفكيك الحزب بالكامل فإنهم بحاجة إلى المساعدة. رغم ذلك، وبعد وقت قصير من تنصيب "عون" رئيسًا في كانون الثاني/ يناير الماضي، جمدت إدارة "ترامب" عشرات الملايين من الدولارات من المساعدات الأمنية للجيش اللبناني. حتى قبل هجوم السابع من أكتوبر لم تُقدّم الولايات المتحدة والعديد من الجهات الدولية الأخرى أي دعم للبنان، سوى المساعدات الإنسانية المباشرة على المستوى المحلي، نظرًا لاستيلاء "حزب الله" على مؤسسات الدولة، ورغم التغيير الجذري الذي طرأ على بيروت لم تُعدّل واشنطن نهجها تجاه المساعدات.

وقد أشار زعيم "حزب الله" الجديد، نعيم قاسم، بالفعل إلى توقعه بفشل جهود الإصلاح في بيروت، ورفض دعوة "عون" لنزع سلاح الحزب. وإذا لم تتمكن الحكومة اللبنانية من تقديم الإغاثة الاقتصادية ومساعدات إعادة الإعمار بسرعة، فقد يُعيد الحزب السيطرة على الدولة من خلال الفوز بمقاعد تشريعية في الانتخابات البرلمانية التي ستُعقد العام القادم؛ حيث يعمل بالفعل على إعادة التسليح وإعادة التمويل وتعزيز قاعدته الشعبية، من خلال تقديم آلاف الدولارات كتعويضات للبنانيين الذين دُمرت منازلهم خلال الحملة "الإسرائيلية".

"ترامب" يتّبع سياسة "راعي البقر الوحيد"

لاستعادة نفوذها، ستعمل إيران أيضًا على تعزيز مأسسة نفوذها في العراق واليمن؛ فما زالت السياسة في كل من بغداد وصنعاء خاضعة لتأثير طهران، وتستخدم الجماعات المسلحة غير الحكومية التابعة لإيران كلا البلدين لاستعراض قوتها. ومع تراجع نفوذ "حزب الله"، تدخّل الحوثيون كسياسة تأمين جديدة لإيران، وربطوا استفزازاتهم بحرب "إسرائيل" على غزة. ومنذ السابع من أكتوبر، حسّنوا تكتيكاتهم وقدراتهم الصاروخية، وطوّروا حضورًا ذكيًا في العلاقات العامة؛ حيث يواصلون حكم صنعاء ويطبعون النقود ويجمعون الضرائب ويحوّلون المساعدات الإنسانية لأغراضهم الخاصة، بل حصلوا على 500 مليون دولار من السعودية في كانون الأول/ديسمبر لدعم الميزانية.

بالمقابل، لم تتمكن الضربات متعددة الأطراف التي تقودها الولايات المتحدة على أهداف عسكرية حوثية، ولا الهجمات "الإسرائيلية" على الموانئ والبنية التحتية للطاقة، من وقف هجمات الحوثيين على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر حتى تطبيق وقف إطلاق النار في غزة في كانون الثاني/يناير الماضي. وفشلت الهجمات بشدة في خلق فرصة لقيادة يمنية جديدة أو في قطع الأسلحة والتدريب والدعم الفني الذي ترسله إيران إلى اليمن.

من جانبه، أعاد "ترامب" تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، لكن ذلك لن يضر قادة الحوثيين الذين لا يسافرون إلى الخارج ولا يحتفظون بحسابات مصرفية دولية، بل سيزيد من إضعاف الاقتصاد اليمني المدمر، ويضر بالمدنيين الذين يعانون بالفعل من آثار أكثر من عقد من الحرب الأهلية، ما يتيح لإيران فرصًا لتوسيع نفوذها.

أما في العراق، فقد اقتصرت الجهود الأمريكية و"الإسرائيلية" على محاولة كبح نفوذ إيران، بسبب دور العراق في استضافة القوات الأمريكية لمحاربة "داعش". وتوقعًا للضغوط الأمريكية و"الإسرائيلية"، تعمل الميليشيات المدعومة من إيران على ترسيخ مصالحها في بغداد، وترسيخ وجودها في النظام السياسي العراقي، واستقطاب مؤسسات الدولة لضمان بقاء شبكة التهديد الإيرانية. وقد تبنى رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، سياسات غير مواتية لطهران؛ حيث منع المقاتلين المدعومين من إيران من السفر إلى سوريا، وعبّر عن استعداده لمواصلة استضافة القوات الأمريكية. لكن واشنطن لم تبذل أي محاولة لمكافأة هذه الجهود، بل جمّدت المساعدات للمجتمعات التي أرهبها "داعش"، وعلّقت البرامج التي تدعم التنمية الاقتصادية للعراق. ففي آذار/مارس الماضي، أنهت إدارة "ترامب" إعفاءً من العقوبات كان يسمح للعراق بشراء الكهرباء من إيران، وهو ما سيُرهق شبكة الكهرباء العراقية الهشة أصلًا قبل أشهر الصيف الحارة، ويجعل "السوداني" أكثر عرضة للخطر.

من جهتهم، ينطلق معظم المسؤولين الأمريكيين من قناعة جديدة مفادها أنه نظرًا لأن النظام الإيراني في ذروة ضعفه، فقد حان الوقت لاتخاذ موقف أكثر صرامة؛ فبعد تولي "ترامب" منصبه بفترة وجيزة أصدر أمرًا تنفيذيًا يعيد فرض حملة "الضغط الأقصى" لإنهاء التهديد النووي للنظام، و"تقليص برنامجه للصواريخ الباليستية، ووقف دعمه للجماعات الإرهابية". وأعلن "ترامب" عن حزمة جديدة من العقوبات الأمريكية، منها ما تستهدف برنامج طهران للطائرات بدون طيار، وصادراتها النفطية، والشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية التي تُضخّم نطاق الإرهاب الذي ترعاه إيران. كما استعارت إدارته صفحة من الدليل "الإسرائيلي" لإضعاف استعراض القوة الإيرانية، من خلال شن حملة عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، وتوسيع نطاق الضربات الأمريكية السابقة المحدودة لاستهداف الأفراد والبنية التحتية العسكرية والمباني الحكومية.

قد تكون العقوبات والضربات العسكرية عناصر من استراتيجية ناجحة، لكن في هذه اللحظة السانحة لا يمكنها أن تصمد بمفردها؛ إذ تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة مشاركة متعددة الأطراف لتقديم رؤية إيجابية لشرق أوسط خالٍ من النفوذ الإيراني. ويتجلى غياب المشاركة من جانب واشنطن بشكل أوضح في سوريا؛ حيث أعربت حكومة "الشرع" مرارًا وتكرارًا وبشكل علني عن رغبتها في مواجهة النفوذ الإيراني، ومحاربة الإرهاب العابر للحدود، والحفاظ على حدود سلمية مع "إسرائيل". وإدراكًا لهذه الفرصة، التقى رؤساء كل من الأردن وقطر والسعودية وتركيا، إضافةً إلى وفود أوروبية رفيعة المستوى، بقادة دمشق الجدد، لكن الولايات المتحدة لا تزال على الهامش الدبلوماسي. وقد تكون بعض المخاوف منطقية؛ فما زال "الشرع" غير مُختبر، لكنه يحتاج لدعم دولي أقوى بكثير حتى لا يُواجه حكمه تحديًا من قِبل المُفسدين. ويجب أن تُمنح له مجموعة واقعية من معايير الأداء لتحفيز جهوده لتحقيق الاستقرار في البلاد وتخفيف العقوبات الأمريكية، حتى يتمكن الاقتصاد من إعادة بناء نفسه.

من خلال ما تقدم، يبدو أن النهج الأحادي الذي تتبعه إدارة "ترامب" في كل ما تنخرط فيه يُخاطر بتقويض النتائج المستدامة؛ فارتجالها الفوضوي بشأن غزة يمثل تحولًا حادًا عن العام ونصف الماضيين من الدبلوماسية الأمريكية، عندما أعطى المسؤولون الأمريكيون الأولوية لإيجاد نتيجة مستدامة لغزة تعزز أمن "إسرائيل" وتلبي احتياجات المدنيين الفلسطينيين وتتشاور مع الجيران العرب. وقد أسفر هذا النهج في النهاية عن وقف إطلاق نار لعدة أسابيع سمح بعودة بعض الأسرى "الإسرائيليين" ووصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة. على النقيض من ذلك، من المرجح أن يؤدي النهج الحالي إلى شلل سياسي وسط موجة من المقترحات غير المنسقة وغير الواقعية، ما سيخلق أرضًا خصبة لـ"حماس" وإيران لإعادة تنظيم أنفسهم.

"ترامب" يتبع سياسة خاطئة بفرض العقوبات

عند التعامل مع إيران نفسها، رفض "ترامب" بناء الدعم الدولي قبل الاتصال بالمرشد الأعلى، علي خامنئي، لبدء المفاوضات؛ وبرفضه الحاجة إلى التشاور مع الحلفاء والشركاء الإقليميين، فإنه يكرر الخطأ الذي ارتكبته واشنطن عندما رتبت الاتفاق النووي الإيراني عام 2015. ففي ذلك الوقت، أدى عدم التشاور مع "إسرائيل" والعواصم العربية إلى توتر كبير عندما اتجه "ترامب" للانسحاب منه عام 2019.

ويبدو أن استراتيجية واشنطن الحالية تجاه إيران تقوم على الاعتقاد بأن استراتيجية الضغط، التي يتم تنسيقها فقط مع "إسرائيل"، يمكن أن تجبر النظام في طهران على إنهاء الأنشطة التي يراها ضرورية لبقائه. لكن الولايات المتحدة لا يمكنها تقويض الاقتصاد الإيراني أو حتى تنفيذ ضربات عسكرية دون دعم أوسع؛ فهي بحاجة إلى تعاون من الصين، أكبر مستورد للنفط الإيراني، ومن دول الشرق الأوسط التي تستضيف قواعد وقوات أمريكية، كما إنها بحاجة إلى دعم العواصم الأوروبية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ودون توافق دولي أوسع نطاقًا حول أنجع السبل لعزل طهران، سيستغل النظام علاقاته مع بكين وموسكو لمقاومة أي جهود أمريكية لانتزاع تنازلات جادة.

بالتالي، ينبغي على واشنطن أن توضح بدقة كيفية تخفيف العقوبات عن الجهات الفاعلة التي توقف أنشطتها الخاضعة للعقوبات. لذلك، فإن إعادة النظر في العقوبات المفروضة على سوريا ما بعد "الأسد" هي الأكثر إلحاحًا، لكن ينبغي على الحكومة الأمريكية أيضًا صياغة مسار لتخفيف العقوبات الاقتصادية عن إيران نفسها، إذا اتخذت طهران الخطوات اللازمة لتقليص برنامجها النووي وجهودها لزعزعة استقرار الدول الأخرى. كما يجب على الولايات المتحدة أن تضع الموارد والخبرة المدنية وراء استراتيجيتها الإقليمية، حال تشجيعها للآخرين على المشاركة في تقاسم الأعباء؛ فالمساعدة والخبرة الفنية التي يقدمها المدنيون عنصر أساسي في عمليات تحقيق الاستقرار. وقد استثمرت الولايات المتحدة عقودًا من الزمن ومئات الملايين من الدولارات لبناء هياكل بيروقراطية، وهيئات من الممارسين، وخبرة في إنشاء أنواع من مبادرات التمويل المشترك وبرامج المساعدة الذكية التي تُمكّن الدول من الانتقال بنجاح من الصراع.

وستكون هذه الأدوات والمهارات حاسمة لتعزيز المكاسب ضد إيران؛ فالمجتمعات التي دمرها العنف تريد إعادة البناء، لكن قادتها الجدد يفتقرون إلى الخبرة اللازمة في الحوكمة والتكنوقراط والاقتصاد لمواجهة التحديات الفريدة التي تواجهها مجتمعات ما بعد الصراع. والجيوش النظامية في الشرق الأوسط غير مستعدة لتسريح وإعادة دمج الجماعات المدعومة من إيران، لكن ثروة الولايات المتحدة من الخبرة في مجال الاستقرار تُهدَر الآن في ظل قيام واشنطن بشكل منهجي بخفض تمويل وتفكيك قوتها العاملة التي تركز على المساعدات. وبالنظر إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "USAID" على سبيل المثال، والتي يبدو أن "ترامب" عازم على تدميرها، فقد استضافت مكتب مبادرات الانتقال، وهو هيئة مصممة لسد الفجوات في التنمية والمساعدات الإنسانية. أما مكتب عمليات الصراع والاستقرار التابع لوزارة الخارجية، والذي يُموَّل من ميزانية المساعدات التي يحاول "ترامب" تجميدها، فهو متخصص في مساعدة الدول على التعافي من الأضرار التي تسببت فيها الجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية، ويوظف "مستشارين متخصصين في الاستقرار" جاهزين للانتشار في مناطق الصراع. كما تخطط إدارة "ترامب" لتقليص السلك الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية بشكل كبير، في الوقت الذي يجب أن يتولى فيه الدبلوماسيون مزيدًا من المسؤوليات عقب التطورات العسكرية الجسيمة التي حدثت عام 2024.

وقد قامت إدارة "ترامب" بتجميد مساعدات الاستقرار للعراق وسوريا واليمن تحديدًا بينما كان من الممكن أن تحقق أكبر قدر من الفائدة، كما أوقفت مؤقتًا المساعدة العسكرية للقوات المسلحة اللبنانية في الوقت الذي التزمت فيه حكومة لبنان بنزع سلاح "حزب الله"، وعلّقت التمويل الأمني لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي حافظت على تعاونها الأمني مع "إسرائيل" في الضفة الغربية لتحدي سلطة "حماس" هناك. إذا كانت الولايات المتحدة تأمل في تفكيك شبكة نفوذ إيران الإقليمية بالكامل، فيجب عليها تقديم مساعدة غير عسكرية مع الضغط على الآخرين لتقاسم الأعباء، وإذا لم توسع استراتيجيتها فستتخلى عن أفضل الأدوات التي لديها لدعم ظهور لاعبين جدد.

أخيرًا، يتعين على الولايات المتحدة أن تُقدّم لشركائها الإقليميين ضمانات أوضح بشأن التزاماتها الأمنية، حتى عندما تطلب منهم مواصلة التعاون الأمني الذي أثبت نجاحه الكبير في مواجهة هجمات صواريخ إيران الباليستية. وقد عزّزت الولايات المتحدة حضورها العسكري في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ بعد السابع من أكتوبر؛ وقد ساعد هذا الدعم الاستخباراتي والأسلحة والمشاركة الفعّالة في دفاع "إسرائيل" على التركيز على استهداف شبكة التهديد الإيرانية، ما غيّر المشهد الاستراتيجي في المنطقة بشكل جذري، وسيحتاج هذا الدعم العسكري إلى البقاء قائمًا مع تحوّل تركيز المنطقة نحو الاستقرار.

ولتعزيز الضغط على الحوثيين، ينبغي على الولايات المتحدة تصميم حزمة مساعدات ملموسة لتقديمها للشعب اليمني في حال تخلّى الحوثيون عن السيطرة. وينبغي عليها أيضًا إشراك الشركاء بفعالية في حملتها العسكرية لاستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر، وتوضيح استعدادها لدعم الدول المهددة من قبل الحوثيين، مثل السعودية والإمارات. فالتعهد بالحفاظ على وجود عسكري قوي على المدى المتوسط سيُظهر أيضًا عزم الولايات المتحدة على مواجهة طهران، ويُطمئن القادة الإقليميين الآخرين على خطوط المواجهة في الحرب ضدها. وفي العراق وسوريا، ينبغي على واشنطن حاليًا إبقاء قواتها على الأرض والتأكد من أنها تُعرب عن دعمها لمواطني البلدين. وفي لبنان ينبغي الحفاظ على الدور الرقابي النشط للجيش الأمريكي في جهود نزع سلاح "حزب الله"، وتقديم الدعم المباشر لقادة بيروت الجدد إذا اتخذوا مزيدًا من الخطوات نحو الإصلاح.

إن الحفاظ على الوجود العسكري استثمار يجب على الولايات المتحدة القيام به في ظل التحولات في الشرق الأوسط، وحشد القادة الجدد للدعم الشعبي، وظهور ترتيبات أمنية جديدة. كما يجب عليها تخفيف العقوبات مع تحقيق قادة سوريا الجدد لأهداف الحكم الرشيد، وزيادة المساعدات والمساعدة التقنية للمجتمعات الضعيفة، وتكثيف الجهود لجمع الشركاء المحليين والدوليين لوضع رؤية ملموسة وواقعية لنظام إقليمي خالٍ من الهيمنة الإيرانية. فمن المعلوم أن جهود طهران السابقة في زعزعة استقرار حكومات المنطقة وإخضاع شعوبها وتحدي المصالح الأمريكية ونشر الإرهاب، لم تنجح إلا لأنها استهدفت دولًا فاسدة ضعيفة الحكم وضعيفة سياسيًا. ومن هنا، فيجب أن يكون الهدف الرئيسي لاستراتيجية الاستقرار دعم ظهور حكومات أكثر استجابة وشفافية، تحتفظ باحتكارها لاستخدام القوة، وقدرتها على تحقيق الرخاء لشعوبها، واستعدادها لمواجهة النفوذ الإيراني. فعلى عكس عقود من التفكير التقليدي، اتضح أن حملة عسكرية استثنائية قد تُضعف مكانة إيران الإقليمية بشكل كبير، والآن يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بدورها لقيادة جهد مدني استثنائي مماثل لجعل هذا التغيير دائمًا.