الحدث
استقبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، في العاصمة أنقرة، فيما تعد أول زيارة رفيعة بين البلدين منذ عدة سنوات اتسمت بتوتر حاد بدء بالموقف من "الربيع العربي" ثم تحول إلى صدام في ملفات إقليمية أبرزها حصار قطر وليبيا وشرق المتوسط. أكد أردوغان أن "تقلب العلاقة" بين الدول أمر طبيعي، وبشّر باستثمارات إماراتية قادمة للسوق التركي، كما أبدى استعداد للقاء ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد زايد. في المقابل، وصف مستشار الرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، الزيارة بأنها "تاريخية وإيجابية"، معلنا أن التعاون والشراكة الاقتصادية كانت المحور الرئيسي للاجتماع. خلال الفترة الماضية أقدم الجانبان على خطوات إيجابية مثل تخفيف الإمارات القيود على رجال الأعمال الاتراك واستئناف الرحلات الجوية بين البلدين ووقف التصعيد الإعلامي الرسمي.
الرأي
لا تمثّل تهدئة التوترات الخارجية بالعموم موقفًا جديدًا للحكومة التركية. حيث بدأت منذ نهاية العام الماضي، اتصالات جادة لاحتواء التوتر مع السعودية ومصر والإمارات، وكذلك مع الشركاء في الاتحاد الأوروبي واليونان و"إسرائيل". فيما تتركز العوامل التي دفعت تركيا لتبني سياسة الانفتاح في أولاً: عوامل داخلية تتعلق بضرورة تحسين الوضع الاقتصادي قبيل انتخابات 2023، بما يتطلب خفض التوتر السياسي وجذب استثمارات أوروبية وخليجية. حيث تتصدر الإمارات الدول العربية من حيث قيمة الميزان التجاري مع تركيا والاستثمارات الخارجية في تركيا. ثانيًا: عوامل خارجية تتمثل في سعي أنقرة لإحباط جهود مكثفة لعزلها في شرق المتوسط، توافقت عليها ليس فقط مصر واليونان وقبرص ودولة الاحتلال، ولكن أيضا السعودية والإمارات. ومن ثم تسعى أنقرة لاختراق هذا المحور باحتواء التوتر مع دوله كل على حدة.
يستند الموقف الإماراتي إلى تغير ميزان القوى الإقليمي مع اتجاه إدارة "بايدن" للتفاوض مع إيران والانسحاب من العراق نهاية العام الجاري. وهو ما يعني أن دول الخليج ستكون في مواجهة غير متكافئة مع النفوذ الإيراني. إعادة التموضع الإماراتي لا يشمل فقط تهدئة التوتر مع تركيا، ولكن سبقه تهدئة مع إيران نفسها بالانسحاب من الموجهة المباشرة مع "الحوثي" اليمن؛ وتدشين شراكة استراتيجية مع "إسرائيل". كذلك، هيأت المصالحة الخليجية الأجواء لمثل هذه الخطوة تجاه تركيا.
لا شك أن استقبال الرئيس التركي بنفسه للضيف الإماراتي، يشير إلى استنتاجين. الأول، أن المحادثات المستمرة منذ مطلع العام حققت تفاهمات محددة تتطلب المصادقة عليها سياسيًا بمثل هذه الزيارة. ثانيًا، أن الرئيس التركي أراد إراسال رسالة لاتقبل الشك بجدية حكومته في الحفاظ على هذا التقدم وأنها راغبة في تعزيزه. في المقابل يشير إرسال أبوظبي لمسؤولها القوي "طحنون" رسالة واضحة أن موضوع الاجتماع لا يقتصر على ملفات الاقتصاد والاستثمار. لكن في ذات الوقت، من غير المرجّح أن ينتج عن هذه التفاهمات تغيرًا استراتيجيًا في أجندة البلدين إقليميًا، لأن هدف التفاهمات تهدئة حدة التنافس وتجنب الصدام وليس تنازل أي من الطرفين عن مصالحه الاستراتيجية. لذا، لن ينتج مثلا عن هذه الخطوة ضررا للعلاقات التركية القطرية، أو تراجع الإمارات عن تحالفها مع الاحتلال. لكنها ستحد من نشاط الإسلاميين المعارضين المقيمين في الأراضي التركية، إعلاميًا وسياسيًا، واكتفاء أنقرة بالتزامها الإنساني فقط تجاههم.