الحدث:
في خطوة لافتة، سمحت المملكة الأردنية لقيادة حركة "حماس" الفلسطينية، رئيس الحركة، إسماعيل هنية، ورئيس إقليم الخارج بالحركة، خالد مشعل، بالقيام بزيارة إلى الأردن، لحضور مراسم دفن وعزاء القيادي الراحل في الحركة، إبراهيم غوشة، الذي توفي بعمّان مؤخرًا. وحملت الزيارة بعدًا إنسانيًا تمثل في مراسم الدفن والعزاء، إلا أنها كانت أشبه بمهرجان استقبال شعبي ونخبوي أردني للحركة وقيادتها، رغم غياب الجانب الرسمي عن ذلك كله.
في هذا الإطار، تعالت هتافات التغزل بالجناح العسكري للحركة وقياداتها، بينما لم تصل رسائل من الجانب الأردني إلى "هنية" أو "مشعل" بضرورة عدم التصريح السياسي، بل تُركت قيادات "حماس" على سجيتها بالإدلاء بالخطابات وسط تجمعات الأردنيين، ما اعتُبر مؤشرًا إيجابيًا. ومن ثم، أثارت الزيارة أسئلة حول مغزى ومآلات الموقف الأردني الرسمي، وإذا كانت ستؤسس لمقاربة سياسية تؤدي إلى نوع من التقارب في هذه المرحلة، أم ستقف عند حدود المواقف "الإنسانية".
الرأي:
رغم الموافقة على الزيارة سريعًا بعيدًا عن البيروقراطية الحكومية، والترحيب الشعبي والبرلماني الذي أكد أهمية فتح خطوط العلاقة مع "حماس" على قاعدة المصالح الوطنية، إلا أن اعتبارات صانع القرار الأردني مازالت غير متجانسة مع الحالة الشعبية. فمن جانبهم، يري الإسلاميون، وغيرهم بالأردن، أن إعادة تدشين خطوط الاتصال الرسمي بين المقاومة وما باتت تمثله من ثقل في المعادلة الفلسطينية شعبيًا واستراتيجيًا، وبين الحكومة الأردنية، تمثل إعادة تقييم للمكاسب والمخاسر الاستراتيجية لصالح الأردن في معادلة الملف الفلسطيني، خصوصًا بعد رسائل المجاملة أطلقها "هنية" و"مشعل" تجاه السلطات، على أساس التصدي لمشروع التوطين وتهويد القدس.
بالمقابل، يبدو أن محددات صانع القرار الأردني الإقليمية والدولية تجاه هذه العلاقة مختلفة عن دوافع النظرة الشعبية؛ وتتمثل هذه المحددات في عودة الدفء إلى العلاقة مع تل أبيب بعد رحيل "نتنياهو"، والعلاقة القوية مع السلطة الفلسطينية وخياراتها، والخطوط المفتوحة بصورة لافتة مع القاهرة، إلى جانب مخرجات الزيارة التي قام بها الملك إلى واشنطن. وعليه يحرص الأردن على عدم إزعاج السلطة الفلسطينية المنسجمة مع توجه الدولة وخياراتها فيما يخص حل الدولتين، ولن يغامر بانفتاح من شأنه إزعاج القاهرة المحتكرة للملف الفلسطيني عربيًا، أو تعكير صفو العلاقة مع حكام تل أبيب الجدد، أملًا في إنضاج ظروف أفضل معهم لتحريك ملف التسوية المتعثر. لذلك، من المرجح ألا تتغير قواعد العلاقة الأردنية مع الحركة رغم الضغوط الشعبية، وأن تبقي الدولة على خيوط العلاقة والتواصل الضعيفة كما هي.