الحدث:
أعلن الناطق باسم مجلس النواب، عبدالله بليحق، سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، بأغلبية 89 نائبًا، وذلك خلال الجلسة التي انطلقت برئاسة "عقيلة صالح" وبحضور 113 نائبًا. بالمقابل، أعلن الناطق باسم المجلس الأعلى للدولة، محمد بن عبدالناصر، رفضهم لإجراءات سحب الثقة من الحكومة، معتبرًا إياها باطلة، لمخالفتها للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي. ونفى "بليحق" أي تفكير الآن في إنشاء حكومة موازية، مؤكدًا أن الحكومة الحالية ستستمر في تصريف الأعمال حتى إجراء الانتخابات المقررة في كانون الأول/ ديسمبر القادم، مضيفًا أن قرار سحب الثقة تم وفقًا للمادة 194 من القانون رقم 4 المنظم لعمل مجلس النواب.
الرأي:
يأتي حجب الثقة عن الحكومة في سياق عدم رغبة مجلس النواب، ممثلًا في رئيسه، بالسماح لحكومة الوحدة الوطنية في تحقيق تقدم في إطار الخدمات العامة قد يزيد من حظوظها شعبيًا، في حين يرى بعض المراقبين والخبراء أن الخطوة غير دستورية، وربما تهدف بالأساس إلى عرقلة الانتخابات المقررة في الـ24 كانون الأول/ ديسمبر المقبل. من الناحية النظرية، ستقوم الحكومة بإدارة الملفات الخدمية خلال الأشهر القادمة دون أن تؤثر صفتها القانونية على مسألة الانتخابات، أي إن التخوّف من تأثير القرار على الانتخابات لا ينبع من كونه يعطل الانتخابات إجرائيًا، لكن من كونه يمثل تصعيدًا سياسيًا قد ينتج عنه تعذر التوافق اللازم لإتمام الانتخابات في موعدها. ويبدو أن القرار يستهدف بالأساس منع حكومة "الدبيبة" من توقيع اتفاقيات خارجية، والحد من نشاطها وزياراتها خارج البلاد وهو ما قد يكون ناتجًا عن تنسيق بين "عقيلة صالح" وجهات خارجية.
ومع هذا، فعلى الأرجح لن يؤثر القرار على الاعتراف الإقليمي والدولي بحكومة "الدبيبة"، وهو ما أكدت عليه على الفور الأمم المتحدة والولايات المتحدة، بل إن حكومة "السراج" السابقة لم تكن تحظى أصلًا باعتراف مجلس النواب ولم يمنعها هذا من توقيع اتفاقيات استراتيجية مع الجانب التركي على سبيل المثال. على العكس، سيخدم هذا القرار شعبية رئيس الوزراء الحالي "الدبيبة"، والذي أصبح باستطاعته تدشين حملته كمرشح رئاسي في المرحلة القادمة، مستفيدًا من التعاطف الشعبي وظهوره بمظهر ضحية الفساد وعرقلة وصول الخدمات لليبيين، وعلى رأسها صندوق دعم زواج الشباب الليبي الذي خُصص له مليار دينار ليبي.
بموازاة ذلك، تثير تداعيات القرار غير المخطط لها قدرًا كبيرًا من القلق حول إمكانية الحفاظ على التوازن الهش، الذي يحكم معادلة البلاد أمنيًا وسياسيًا منذ فشل حملة قوات "حفتر" على طرابلس. فمن الناحية السياسية، طالب المحتجون بمشاركة "الدبيبة" نفسه بإسقاط مجلس النواب، الذي لا يحافظ على مصلحة ليبيا. ورغم أن نجاح هذا المسعى بعيد الاحتمال، لكنّه يفتح الباب مجددًا لتجدد الانقسام السياسي بين الشرق والغرب بين سلطتين لا تعترفان ببعضهما البعض.
أما من الناحية الأمنية، فرغم عودة نشاط "حفتر" مؤخرًا واستقباله في القاهرة، إلا أن تطور هذا الصدام السياسي إلى مواجهة عسكرية واسعة يبدو غير مرجح، نظرًا لحالة التوازن القوى التي حققها التدخل التركي، والتي تعززت بالفعل خلال الأشهر السابقة من خلال مأسسة هذا التواجد، وتطوير أوجه التعاون الأمني التركي مع قوات غرب ليبيا. إضافةً إلى ذلك، فإن الجهات الخارجية مثل تركيا والإمارات ومصر لا تبدو متحمسة لحرب بالوكالة مجددًا في ليبيا، حيث تتبنى هذه الدول بالفعل نهجًا أكثر دبلوماسية في إدارة خلافاتها المباشرة.