الحدث:
في العاشر من كانون الثاني/ يناير الجاري، كشف الناطق باسم حركة "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، عن اجتماع أجراه وفد من الحركة بقيادة وزير الخارجية، أمير خان متقي، في طهران مع كل من القيادي المعارض، أحمد شاه مسعود (الابن)، وحاكم هيرات السابق والقائد البارز، إسماعيل خان، حيث دعتهما "طالبان" للعودة إلى أفغانستان دون تخوف من أي تضييق عليهما. وفي الـ14 من الشهر نفسه صرح "علي ميسم نظاري"، مسؤول العلاقات الخارجية في "الجبهة الوطنية للمقاومة" التي تضم "شاه مسعود" و"إسماعيل خان"، بأن وفد "طالبان" اجتمع مع الأخير فقط دون حضور "شاه مسعود"، وأن الحركة عرضت على "الجبهة" حصة في المناصب الوزارية بالحكومة، بينما طلب وفد "الجبهة" عدة مطالب منها تأسيس نظام سياسي ديموقراطي بالانتخاب، فضلًا عن الانسحاب من بعض المناطق التي يوجد للجبهة فيها نفوذ بأفغانستان، وهو ما رفضته "طالبان".
الرأي:
رعاية إيران للاجتماع بين "طالبان" وخصومها يأتي في ظل اهتمام طهران بتطورات الوضع في أفغانستان، وحرصها على أن تكون لاعبًا فاعلًا في الملف الأفغاني؛ حيث تجمع البلدين روابط تاريخية وعرقية إضافةً إلى الروابط المذهبية مع طائفة الهزارة. كما تتمتع طهران بعلاقة وثيقة مع الأقليات العرقية في أفغانستان، مثل الطاجيك والأوزبك الذين يشكلون الكتل الأكبر في الكيانات المعارضة لـ"طالبان". ويمثل وجود قادة معارضين للحركة في إيران نهجًا مكررًا للحكومة الإيرانية، التي تحرص على امتلاك أدوات قوة تضغط بها على الحكومة في أفغانستان، ويوفر لها ضمانات أمنية خاصةً في ظل خبرة إيران في العمل عبر وكلاء.
من جهة أخرى، فإن استقرار الوضع في أفغانستان يصب في مصلحة إيران الأمنية؛ حيث يقيم على أرضها نحو ثلاثة ملايين أفغاني منهم 800 ألف فقط مسجلون رسميًا، كما يساهم الاستقرار في تقويض خطر "تنظيم الدولة"، الذي يشن عمليات دموية ضد الهزارة الشيعة في أفغانستان، ويمثل تهديدًا على الأمن الداخلي الإيراني. ورغم تعبير إيران عن عدم ارتياحها عقب تشكيل حكومة "طالبان"، إلا أن طهران ما زالت لا تميل إلى خيار المواجهة معها.
وإضافةً للجانب الأمني، تمثل إيران بوابة اقتصادية لحكومة "طالبان" التي تعاني من عدم الاعتراف الدولي بها؛ حيث تستورد أفغانستان العديد من السلع من الخليج العربي، مثل الزيوت والمنتجات الغذائية عبر ميناء بندر عباس الإيراني مرورًا بمدينة هيرات غرب أفغانستان، بينما تمثل أفغانستان بالمقابل شريان حياة للمنتجات الإيرانية في ظل العقوبات الدولية المفروضة على طهران.