الحدث:
أصدر الرئيس التونسي، قيس سعيّد، مرسومًا جديدًا استحدث بموجبه مجلسًا أعلى مؤقتًا للقضاء، ليحلّ مكان المجلس الأعلى الذي حلّه قبل أيام. ويتيح المرسوم الجديد للرئيس صلاحية إعفاء أي قاضٍ يرى أنه أخل بواجبه المهني، فضلًا عن حق الاعتراض على ترشح الأسماء المقترحة، في حال اعتبر أنها غير لائقة. كما يحظر المرسوم الجديد "كلّ عمل جماعي مُنظّم من شأنه إدخال اضطراب أو تعطيل في سير العمل العادي بالمحاكم"، بهدف منع القضاة من الإضراب عن العمل. وكان "سعيّد" قد حلّ المجلس الأعلى للقضاء خلال خطابٍ من مقر وزارة الداخلية، جاء مُحمّلًا بالاتهامات للمجلس، أبرزها التهاون والتباطؤ في قضايا ترتبط بانتخابات 2019، واغتيال المعارض "شكري بلعيد"، فضلًا عن اتهام المجلس بوجود "اختراقات حزبية" داخله. وشجع الرئيس نزول متظاهرين لدعم حل المجلس، لكنّ الاستجابة جاءت ضعيفة واقتصرت على بضع مئات.
الرأي:
يواصل "سعيّد" سعيه الحثيث للاستحواذ على السلطة بشكل شمولي"، فيما يمثل الصدام الواسع مع القضاء خطوة بالغة الحساسية مقارنةً بإقالة الحكومة أو تجميد عمل البرلمان، باعتبار أن القضاء يمثل مؤسسة حكم وليس تجليًا لتمثيل القوى السياسية. وهذا يعني أن المواجهة باتت داخل جهاز الدولة، وهو ما سيكشف بصورة أوضح عن حقيقة تمتع الرئيس بدعم أجهزة الدولة الأخرى التي تمتلك قوة التنفيذ، أي الجيش والشرطة، في حال تمسك القضاة بموقفهم وإذا مضوا قدمًا في تحدي "سعيّد".
لذلك، يمثل اختيار الرئيس لمقر وزارة الداخلية محاولة تخويف أمنية للقضاة وللمعارضين، ملوحًا بتمتعه بدعم الجهاز الأمني. بالمقابل، جاء رد فعل الشارع كاشفًا بوضوح عن افتقاد إجراءات الرئيس الحالية للدعم الشعبي مقارنةً بقرار إقالة الحكومة. إضافةً إلى ذلك، فقد قوبل القرار برفض غربي واسع من قبل الولايات المتحدة ومجموعة السبع، لكن يبدو أن الرئيس معتمد أكثر على استمرار الدعم الإقليمي خاصةً من قبل السعودية ومصر.
بصورة عامة، تعزّز هذه التطورات من احتمالات أن تشهد البلاد موجة قمع أمني واسعة النطاق؛ حيث لا يمكن تمرير مشروع الهمينة على الحكم دون ضمان الإطاحة بجميع معارضيه داخل وخارج جهاز الدولة. وخلال الأسابيع القليلة القادمة، سيكون موقف الأجهزة الأمنية في الاستجابة للرئيس حاسمًا في تحديد وجهة مستقبل البلاد.