الحدث:
بعد اعتماد حكومته في الثالث من آذار/ مارس الجاري من قبل البرلمان الليبي، أعلن "فتحي باشاغا" أنه سيعود إلى العاصمة طرابلس خلال الأيام القادمة ليباشر عمله منها، وطالب رئيس الوزراء الحالي، عبد الحميد الدبيبة، بالتنحي عن موقعه وتجنيب العاصمة الاقتتال. وتبع هذا الإعلان إغلاق "الدبيبة" المجال الجوي أمام "باشاغا" وحكومته المتواجدة بالشرق الليبي، ما دفع الأخير إلى محاولة دخول طرابلس تحت حماية قوى عسكرية موالية له ليلة الخميس، العاشر من الشهر الجاري، إلا أن محاولته باءت بالفشل وتم طرد القوى العسكرية المرافقة له.
الرأي:
تأتي هذه الأحداث في سياق تحالف "باشاغا"، الذي سبق وأن شغل منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، مع القائد العسكري، خليفة حفتر، لإسقاط الحكومة الحالية بعد تعثر إجراء الانتخابات في موعدها المتفق عليه وفق اتفاق جنيف في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وقد أبدى "باشاغا" استعداده لإشعال نزاع عسكري ما لم يتنح "الدبيبه" عن الحكم لصالحه.
يشار إلى أن تحالف "باشاغا-حفتر" يحظى ضمنيًا بدعم حلفاء "حفتر" الخارجيين، خاصةً القاهرة وموسكو وربما باريس كذلك؛ حيث كانت موسكو أول من اعترف بالحكومة علنيًا، كما رعت القاهرة هذا التحالف منذ أيلول/ سبتمبر 2021 وأشرفت على ترتيب عدة لقاءات بين الطرفين، كما أبدت باريس دعمها لـ"باشاغا" في هذا المسار. لكنّ هذه الأطراف لم تتخذ خطوة متقدمة، مثل سحب اعترافها بحكومة "الدبيبة". على الجانب الآخر، اتخذت تركيا موقفًا محايدًا لحين موعد تشكيل الحكومة، لكنها أبدت امتعاضها مؤخرًا بعد منح "حفتر" عدة حقائب وزارية في حكومة "باشاغا" أهمها الدفاع والمالية، واتخذت أنقرة عقب ذلك موقفًا داعمًا لحكومة "الدبيبة". بالمقابل، وبصورة عامة مازالت حكومة "الدبيبة" تتمتع بالاعتراف الدولي، وهو الموقف الذي يبدو أنه لن يتغير قريبًا.
ميدانيًا، ترفض معظم التشكيلات المسلحة بالمنطقة الغربية حكومة "باشاغا" ومشروع تحالفه مع "حفتر"، حيث أعلن عدد منهم في بيان مشترك بداية آذار/ مارس الجاري أنهم سيتصدون لأي محاولة لفرض حكومة "باشاغا"، وأتبعوا هذا البيان بإغلاق المنافذ البرية للعاصمة، كما تعرضوا لموكب حكومة "باشاغا" قبيل توجهه إلى طبرق لنيل الثقة، واعتقلوا كلًا من وزير الخارجية ووزيرة الثقافة لفترة من الزمن.
في هذا الإطار، يبدو موقف "باشاغا" اليوم أضعف من السابق ميدانيًا وسياسيًا، ومن ثمّ فليس من المرجح أن يتجه لتصعيد ميداني ضد حكومة "الدبيبة"، خاصةً وأن المواقف الخارجية لا ترغب في إعادة الاقتتال الداخلي إلى البلاد، بينما تهمين أجواء الحرب الأوكرانية على العالم. ورغم دعم مصر الواضح لمشروع التحالف بين "حفتر" و"باشاغا"، إلا أن هذا الدعم لا يبدو مطلقًا إلى حد دعم عمليات عسكرية لإسقاط حكومة "الدبيبة"، كما إن "حفتر" نفسه بات أضعف من السابق، خاصةً بعد تراجع اهتمام الإمارات بتوفير الدعم المالي والعسكري لقواته كما جرى سابقًا.