الحدث:
دخل رئيس الوزراء المكلف من البرلمان الليبي، فتحي باشاغا، طرابلس سرًا في ساعات متأخرة من ليلة الـ17 من أيار/مايو الجاري، عبر المدخل الشرقي للمدينة، وأعلن في كلمة مصورة أنه سيباشر أعمال حكومته من طرابلس. لكنه خرج من العاصمة بالقوة بعد ساعات معدودة من بيانه على خلفية ملاحقته من قبل قوات موالية لحكومة، عبد الحميد الدبيبة، ووقوع اشتباكات محدودة أدت إلى مقتل اثنين من مرافقي "باشاغا" ووقوع أضرار مادية في ممتلكات المواطنين.
الرأي:
تأتي محاولة باشاغا الثانية لدخول العاصمة بعد إعلانه لمباشرة حكومته أعمالها من سرت، وهو تصريح سبقه إعلان حكومته مباشرة أعمالها من سبها، ما يبين مدى التخبط والقلق الذي يعيشه "باشاغا" وحكومته. ويعكس دخول "باشاغا" طرابلس متسللًا تحت حماية عدوه السابق وأحد أبرز قيادات كتيبة النواصي، مصطفى قدور، ودون وجود ترتيبات وثيقة مع الأطراف الفاعلة على الأرض، أن حكومة "الدبيبة" مازالت تتمتع بدعم ملموس من مجموعات مؤثرة ميدانية في طرابلس.
بالمقابل، ورغم فشل محاولات "باشاغا" في فرض نفسه، إلا أن هذه الخطوة تكشف قدرًا من تشظي مكونات المنطقة الغربية السياسية والعسكرية بشكل كبير. ومع كل محاولة يظهر الانقسام والتوتر الأمني، وهو ما دفع رئيس الوزراء "الدبيبة" لاتخاذ إجراءات أكثر حدة؛ حيث أقال كلًا من مدير إدارة الاستخبارات العسكرية، أسامة الجويلي، ونائب رئيس جهاز المخابرات، مصطفى قدور، على خلفية تعاونهم مع "باشاغا"، كما أصدر أوامر بتسيير طيران مسير لمراقبة التحركات العسكرية المشبوهة في محيط العاصمة. إضافة لذلك، فقد جرت مداهمة مقر المخابرات بمنطقة السبعة واعتقال عدد من أفراد كتيبة النواصي الموالين لـ"باشاغا".
ورغم قيام بعض القوى الموالية لـ"باشاغا" بحشد قواتها في محيط العاصمة، إلا أنها لا تبدو مصدرًا لتهديد عسكري بعد، ويظل الخطر الأكبر المحدق بحكومة "الدبيبة" هو الانشقاقات الداخلية وتغير مواقف التشكيلات المسلحة، وهو ما يبدو غير مرجح حاليًا.
من جهة أخرى، وإضافةً لانحياز محافظ المصرف المركزي إلى صف حكومة الوحدة الوطنية بقيادة "الدبيبة" في الصراع الجاري، فإن الموقف الخارجي يمثل أحد أهم نقاط ضعف "باشاغا"؛ حيث يقتصر القبول بحكومته على مصر وفرنسا، بينما تصر الأطراف الدولية الأخرى على إحداث تغيرات جوهرية في حكومته، خاصةً وزارتي الداخلية والدفاع، كي تكون مقبولة من القوى الفاعلة في الغرب ولتجنب احتمالات تجدد المواجهات المسلحة. وهذا أمر إن تم، فقد يقوّض التحالف القائم بين "باشاغا" و"حفتر"، والذي يتمسك فيه الأخير باختيار موالين له في كلا الوزارتين.