الجزائر: محاصرة العمل النقابي

الجزائر تحاصر العمل النقابي قانونيًا لكن الصدام قريبًا غير مرجح

الساعة : 14:15
3 يناير 2023
الجزائر تحاصر العمل النقابي قانونيًا لكن الصدام قريبًا غير مرجح

الحدث:

أحالت الحكومة الجزائرية، قبل أيام، مسودة قانونين جديدين لإقرارهما من قبل البرلمان؛ يتعلق الأول بتنظيم ممارسة الإضراب، متضمنًا تدابير تمنع أي إضراب مهما كانت أسبابه في المؤسسات النظامية، كالجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات الحيوية والسيادية، أو أي إضرابات عمالية ذات مطالب سياسية. ويجرم مشروع القانون الإضراب الذي تتم ممارسته دون احترام للإجراءات القانونية المحدده من قبل وزارة العمل، أو إذا تبعته أعمال عنف، وتحريض العمال الأجراء غير المضربين على الانضمام، كما يجب أن يُتخذ قرار الإضراب بالأغلبية المطلقة للعمال الحاضرين في جمعية عامة تضم ثلثي العمال. أما القانون الأخر فيخص إنشاء النقابات العمالية، حيث يشدد على فصل النقابات عن أي نشاط سياسي أو ارتباطات حزبية، ويمنع دعم النقابات للمرشحين السياسيين في الانتخابات، ويحظر ممارسة النشطاء النقابيين للعمل السياسي، كما يسمح للحكومة بحل النقابات عبر أحكام قضائية.

الرأي:

تتجه الحكومة الجزائرية لفرض مزيد من الضوابط والخطوط الحمراء حول العمل النقابي والعمل المدني بصورة عامة، لكبح الحركات العمالية الاحتجاجية التي تتزايد احتمالات تصاعدها مع تواصل غلاء المعيشة وارتفاع مستويات البطالة، ونسبة التضخم التي بلغت 9.7%، وفقد الدينار قرابة 37% من قيمته أمام الدولار والعملة الأوروبية الموحدة. تقوم الحكومة بذلك لتفادي تكرار سيناريو "احتجاجات 2017" التي رافقت تعديل نظام التقاعد، وأدت إلى ميلاد تكتل نقابي مستقل عن الاتحاد العام للعمال الجزائريين الموالي للحكومة. كما تغلق الحكومة بصورة نهائية إمكانية أن تشهد الأجهزة الأمنية تحركات ذات مطالب فئوية، على غرار اعتصام أفراد الشرطة عام 2014 للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية وتأسيس نقابة مهنية لهم.

بصورة عامة، يفرض القانون تقييدًا واسعًا على تحركات العمال وإمكانية تصاعدها إلى تنظيم إضرابات، لأنه يفرض قيودا تعجيزية، كما يسمح للدولة بفرض العمل الإجباري على موظفي بعض القطاعات تحت دعوى المحافظة على للصالح العام، مثل عمال المطارات والموانئ والصناعات الحيوية. كما يشترط القانون أولًا استنفاد وسائل الحوار قبل اللجوء إلى الإضراب، وهو شرط فضفاض يسهل للحكومة وصف أي احتجاج بأنه مخالف ومن ثم تجريمه ومعاقبة منفذيه او الداعين له.

بالمقابل، تعمل الحكومة على تهدئة ارتدادات الوضع الاقتصادي مع استمرار تقيم إعانة البطالة، والإعلان عن رفع الأجور في موازنة 2023 لتخفيف حدة غضب العمال من تدهور معيشتهم، إلا أن النقابات المستقلة والموالية للحكومة أجمعت على أن الزيادات التي ستشهدها أجور العمال في القطاع العام، وإن كانت معتبرة، إلا أنها تبقى دون آمال الطبقة العمالية. وتراهن الحكومة في المدى القصير على أن عوائد الطاقة ستمكنها من مواصلة إجراءات الإنفاق الاجتماعي الواسعة، ما يساعد على تخطي موجة التضخم الحالية، ومن ثم تبعد شبح تجدد الاحتجاجات، وهو احتمال يبدو مرجحًا. لكنها بالمقابل تواصل الإجراءات القانونية طويلة الأجل التي تقيد فرص عمل المجتمع المدني وقدرته على ممارسة التعبئة ضد الحكومة، وهي رسالة بأن الحلول الأمنية لن تكون مستبعدة في المستقبل.