الحدث:
وقّع وزير مالية الاحتلال "الإسرائيلي"، بتسلئيل سموتريتش، في الثامن من كانون الثاني/ يناير، أمرًا بمصادرة 139 مليون شيكل من عائدات الضرائب الفلسطينية "أموال المقاصة"، التي يجبيها الاحتلال نيابةً عن السلطة الفلسطينية، توازي قيمة الأموال التي تم تحويلها للأسرى الفلسطينيين وعائلات الشهداء خلال عام 2022، بحسب مزاعمه، وتحويلها بالمقابل لعائلات قتلى "إسرائيليين" في عمليات فلسطينية. وجاء القرار عقب الحكم الصادر عن المحكمة المركزية "الإسرائيلية"، الذي يدعي أن السلطة "تتحمل مسؤولية بعض العمليات الفدائية". وردًا على التخوفات من أن تؤدي مثل هذه الخطوات لانهيار السلطة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها، قال الوزير "الإسرائيلي" إنه "ليس لديه مصلحة في استمرار وجودها".
الرأي:
ليست المرة الأولى التي تصادر فيها سلطات الاحتلال مبلغًا من عائدات "أموال المقاصة"، لتقديمها كـ"تعويضات" لعائلات قتلى ومصابين "إسرائيليين" في عمليات فلسطينية، لكنها هذه المرة تتزامن مع فرض عقوبات على مسئولين في السلطة الفلسطينية بزعم الرد على توجهها لمحكمة العدل الدولية، ومنهم وزير الخارجية والسفير في الأمم المتحدة، معتبرةً ذلك خوض حرب سياسية وقضائية ضد "إسرائيل". كما ألغى وزير دفاع الاحتلال تصاريح دخول ثلاثة من مسؤولي السلطة لأراضي الـ48، عقب لقائهم بالأسير المحرر، كريم يونس، في بلدة عارة بمنطقة المثلث الشمالي، بجانب تجميد خطط بناء للفلسطينيين في مناطق "ج" بالضفة الغربية. هذا، فضلًا عن اتخاذ إجراءات ضد منظمات في الضفة الغربية المحتلة بزعم تشجيعها عمليات فدائية أو أي عمل معادٍ، ومنها عمليات سياسية قضائية ضد "إسرائيل" تحت غطاء أنشطة إنسانية. وهذا يعني أننا أمام سلسلة عقوبات متلاحقة استهلت بها حكومة "نتنياهو" عهدها، ما ينذر بتوتر سياسي وميداني في الأراضي الفلسطينية، كانت قد حذرت منه أوساط أمنية وعسكرية "إسرائيلية".
كما تشير هذه الخطوة إلى مسارات التصعيد المتعددة التي تنتهجها حكومة "نتنياهو"، والتي من المتوقع أن ينتج عنها ردود فعل فلسطينية غاضبة، سواءً على من قبل السلطة أو من على المستوى الشعبي الميداني. ورغم أن السلطة الفلسطينية تحافظ على تنسيقها الأمني مع الاحتلال، إلا أنها قد تلجأ للمساومة بهذا الملف باعتبار أن إضعاف قبضتها يحدّ من قدرة الأجهزة الأمنية على القيام بمهامها. لكن حديث الوزير "الإسرائيلي" عن عدم جدوى استمرار السلطة قد يعكس توجهًا عامًا لليمين المتطرف، يؤدي إلى مزيد من إضعاف السلطة الفلسطينية ومن ثم ستكون أدوارها الأمنية على المحك، خاصةً في ظل مظاهر تعكس قدرًا من التململ داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تواجه انتقادات واتهامات شعبية، وتتعرض في الوقت نفسه لضغوط وعدم اكتراث من قبل أجهزة أمن الاحتلال. من جهة أخرى، ليس من المؤكد أن الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" تتبنى نهج إضعاف السلطة؛ لأنه سيتطلب من هذه الأجهزة التوسع في مهامها الأمنية وملء أي فراغ تتركه السلطة مستقبلًا، سواءً عن عمد للضغط على حكومة الاحتلال، أو مضطرةً نتيجة ضعفها الداخلي.