الحدث:
أعلنت وزارة الدفاع الايرانية في الـ29 من كانون الثاني/ يناير الجاري تصديها، خلال الليلة السابقة، لهجوم شنته ثلاث طائرات مسيرة صغيرة على مجمع للورش تابع للوزارة في مدينة أصفهان، أسفر عن حدوث أضرار طفيفة في سقف المنشأة دون تعطل عملها وقوع خسائر بشرية، كما أعلنت إسقاط إحدى الطائرات وتدمير الطائرتين المتبقيتين لنفسيهما إثر تعرضهما لكمين من قوات الدفاع الجوي. وأفاد مسؤولون أمريكيون لصحيفة "وول ستريت جورنال" بأن "إسرائيل" تقف خلف الهجوم، فيما أفادت مصادر "إسرائيلية" لموقع "أكسيوس" الأمريكي بأن الغارة استهدفت منشأة تطوّر فيها إيران صواريخ فوق صوتية بمساعدة من روسيا، وأنها أصابت أهدافها بدقة.
الرأي:
يعدّ هذا الهجوم الأول من نوعه داخل إيران في عهد حكومة "نتنياهو" الجديدة، ما يشير لاستمرار "إسرائيل" في نهج "الحرب بين الحروب"، في ظل وضع الملف الإيراني على رأس أولويات "نتنياهو" الذي يعاني من مشاكل داخلية وانقسامات حول توجهات حكومته، وبالتالي يمثل تنفيذ عمليات هجومية داخل إيران نهجًا يعزّز به موقفه الداخلي.
كما يأتي الهجوم عقب زيارة قام بها رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "CIA"، ويليام بيرنز، إلى "إسرائيل" لمدة يومين لبحث سبل التعاطي مع الملف النووي الإيراني، وكيفية مواجهة التعاون العسكري بين إيران وروسيا. وجاء الهجوم أيضًا بعد أسبوع من انتهاء تدريب عسكري أمريكي "إسرائيلي" مشترك، شارك فيه 7500 عسكري من كلا الجانبين وتضمن مهاجمة إيران. وعليه، تشير تلك المعطيات إلى وجود ضوء أخضر أمريكي لمواصلة تنفيذ هذه النوعية من الهجمات، بهدف دفع إيران لوقف دعمها لروسيا في حرب أوكرانيا، فضلًا عن الإضرار بقدراتها العسكرية.
من ناحية أخر، يتزامن الهجوم مع يوم اجتماع المجلس الوزاري الأمني "الإسرائيلي" المصغر "الكابينت"، لمناقشة الرد على هجوم القدس الذي أسفر عن مقتل ثمانية مستوطنين، وعقب انتهاء الاجتماع أشار "نتنياهو" إلى أن الرد "الإسرائيلي" سيكون ثقيلًا. وقد يندرج استهداف منشأة أصفهان ضمن الرد المقصود، باعتبار الدعم الإيراني لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطينيتين، وتمويل بعض الأنشطة المقاومة في الضفة الغربية، أو أن حكومة الاحتلال ستعمل على توظيفه في هذا السياق لاعتبارات تتعلق بالرأي العام الداخلي.
من جهتها، سعت السلطات الإيرانية لنفي صحة رواية حدوث دمار واسع بالمنشأة، ونشرت عبر وكالة "إيرنا" للأنباء صورًا تظهر أضرارًا طفيفة بسطح المنشأة المزودة بشبكة حديدية لحمايتها بعد تعرضها لمحاولة استهداف سابقة، كما تُظهر الفيديوهات المنشورة للهجوم حدوث انفجارات صغيرة، ما يعزز حديث طهران عن محدودية الأضرار الناجمة عن الغارة.
تعتبر الكرة الآن في ملعب طهران للرد على الهجوم "الإسرائيلي" الذي يمثل أولى الهجمات، التي ينوي "نتنياهو" شنها ضمن نهج استراتيجي يقوم على تعطيل شبكات وخطوط نقل وإمداد الأسلحة الإيرانية بالمنطقة، واستهداف منشآت تصنيع الأسلحة الإيرانية، وتصفية كوادر فاعلة من الحرس الثوري، للضغط على النظام الإيراني واستثارة انتقادات داخلية له، خاصةً وأن تقديرات أولية ترجّح، استنادًا إلى نوعية الطائرات، أن الطائرات الثلاث انطلقت من داخل إيران، وهو ما يعني استمرار قدرة "إسرائيل" على اختراق البيئة الداخلية الإيرانية.