الحدث:
أعلنت الشرطة "الإسرائيلية" مقتل ثمانية أشخاص وإصابة ستة آخرين على الأقل في عملية إطلاق نار قام بها الشاب الفلسطيني، خيري علقم، في الحي الاستيطاني "النبي يعقوب" قرب بلدة حنينا شمال القدس. وعقب عملية "علقم" بوقت قصير جدًا فوجئت الحكومة "الإسرائيلية" بعملية نوعية ثانية، في شارع وادي حلوة المكتظ بالبؤر الاستيطانية في ضاحية سلون في قلب المدينة، والتي أدت لإصابة مستوطنين وُصفت جراحهما بالخطيرة. وكانت المفاجأة الأكبر أن منفذ العملية هو الفتى "محمد عليوات" من بلدة سلوان ويبلغ من العمر 13 عامًا فقط. في السياق ذاته، أعلنت شرطة الاحتلال، صباح الـ29 من كانون الثاني/ يناير، أن لديها 41 إنذارًا حول عزم فلسطينيين تنفيذ عمليات، فيما أعلنت قوات الاحتلال عن رفع حالة التأهب، في أعقاب عملية إطلاق النار في مستوطنة "النبي يعقوب"؛ حيث نشرت عناصرها بشكل مكثف في مراكز المدن والمستوطنات، خصوصًا في المناطق التي يقطنها الحريديون، لإحباط أحداث مسلحة ومنح شعور بالأمن للمستوطنين، وسط تقدير الأمن "الإسرائيلي" برصد مؤشرات، كالتي رصدها قبل سنة، وعشية العدوان على غزة خلال أيار/ مايو 2021، ما يدلّ على تصاعد في خطورة العمليات.
الرأي:
من الواضح أن عمليتي القدس جاءتا كرد عاجل وواضح على سياسات الحكومة اليمينية المتطرفة منذ توليها مهامها، والتي أدت لاستشهاد حوالي 30 مواطنًا فلسطينيًا في أقل من ثلاثة أسابيع وبلغت ذروتها بعد مجزرة مخيم جنين، التي استشهد خلالها تسعة فلسطينيين أثناء اقتحام القوات الخاصة والجيش للمخيم. ثم تأتي هاتان العمليتان بشكل سريع وغير متوقع للأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" التي فرضت إجراءات أمنية وميدانية مشددة، منذ عملية القدس المزدوجة في محطة للحافلات في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لا سيما في مدينة القدس وشمال الضفة الغربية.
من جانب آخر، تحاول حكومة "نتنياهو" فرض سيطرتها الأمنية وسطوتها على كامل الأراضي الفلسطينية، من خلال محاولة كسر إرادة الشعب الفلسطيني عبر علميات القتل والعقاب الجماعي، بل إن وزراء هذه الحكومة ذهبوا للتباهي بعمليات القتل وقدرتهم على تنفيذها في المناطق الفلسطينية. فكانت هذه العمليات النوعية المفاجأ والتي يصعب توقعها لتميزها بالفردية وعدم ارتباطها بأي فصائل، لتمثل "صفعة مؤلمة"، على حد تعبير رئيس وزراء الاحتلال، على وجه الائتلاف اليميني المتطرف والمنظومة الأمنية للاحتلال التي تحاول استرضاء المستوطنيين والمتطرفين، من خلال سياساتها العدوانية تجاه المناطق الفلسطينية وتصدير معركتها الداخلية مع المعارضة "الإسرائيلية"، عبر التصعيد غير المسبوق في الأراضي الفلسطينية.
في السياق ذاته، كان للعمليتين الأخيرتين في القدس وقع شديد على تصاعد الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ حيث تتجه الحكومة "الإسرائيلية" لتعزيز قواتها بعدة كتائب جديدة في الضفة، إلى جانب فرض المزيد من الإجراءات الأمنية القاسية ومحاولة تقطيع أواصر المدن والقرى الفلسطينية لعزلها عن بعضها. أما في القدس، فيسعى الاحتلال لعقاب عوائل المنفذين وهدم بيوتهم ومحاولة تهجيرهم إلى الضفة وسحب البطاقات الشخصية الخاصة بأهل القدس.
من ناحية أخرى، تكشف معطيات شرطة الاحتلال المعلوماتية أنه يواجه فترة حساسة وقابلة للاشتعال، وسط مخاوف من انفجار الميدان؛ إذ يتخوف جهاز الأمن من عمليات ينفذها فلسطينيون يقومون بتقليد عملية بيت حنينا. لكن التحدّي الأكبر حاليًا أمام أجهزة الأم ن"الإسرائيلي" هو منع تدحرج الأوضاع إلى انتفاضة ثالثة، وستحاول تنفيذ ذلك بتواجد متزايد للقوات ميدانيًا، تأهبًا لاحتمال ضرورة توفير رد فعل فوري وخلق ردع ومنع الاحتكاكات، ونشر قوات أخرى في منطقة خط التماس لمنع دخول فلسطينيين لا يحملون تصاريح دخول إلى "إسرائيل" ومنفذي عمليات محتملين. بدوره، يسعى وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، لتغذية التصعيد الأمني بمطالبته قائد شرطة القدس، دورون تورجمان، بالقول: "أغمض عينيك، وافعل كل ما حلمت بفعله شرق القدس".
أخيرًا، لم يعد هناك شك أن الأوضاع الفلسطينية و"الإسرائيلية" أمام موجة متصاعدة من الفعل ورد الفعل، ومن المرجّح أن تتصاعد عمليات المقاومة الفردية لتبقى التهديد الأكبر في وجهة المنظومة الأمنية "الإسرائيلية"، لا سيما مع تصاعد إجراءات حكومة "نتنياهو". كما إن العمليات الفردية لم تعد تأتي في سياق عابر، بل أصبحت نموذجًا ونمطًا قد يخلق تحولات أوسع في حالة المقاومة الفلسطينية بشكل مستمر ومتراكم، مع وجود فرضية مفادها دخول الفصائل المسلحة على الخط، ولو بشكل خفي، من خلال دعم وإسناد المحاولات الفردية لتنفيذ المزيد من الهجمات، التي تعيد لـ"الإسرائيليين" أيامًا دامية من انتفاضة الأقصى التي شهدت ذروة العمليات الاستشهادية.