الحدث:
سافر وفد أمريكي دبلوماسي وأمني رفيع إلى السعودية، في الـ13 من شباط/ فبراير الجاري، لإجراء محادثات مع دول الخليج الست بشأن إيران والتعاون الأمني في المنطقة؛ حيث بدأت اللقاءات في اليوم نفسه باجتماع "مجموعة العمل الخاصة بالدفاع الجوي والصاروخي المتكامل والأمن البحري". وبعد يومين عُقد اجتماع "مجموعة العمل الخاصة بإيران"، بقيادة المبعوث الخاص لإيران، روب مالي، الذي دعا طهران إلى "وقف استفزازاتها النووية". وأعلن الطرفان "التزامهما بتوسيع نطاق التعاون الدفاعي بين الجانبين، لتعزيز قدراتهما على تقييد قدرة إيران على القيام بأنشطة مزعزعة للاستقرار، وردعها عن القيام بأعمال عدوانية في المستقبل".
وفي اليوم التالي، عُقد اجتماع "مجموعة العمل الخاصة بمكافحة الإرهاب"، برئاسة القائم بأعمال منسق مكافحة الإرهاب، كريستوفر لاندبرج، في مقر مجلس التعاون الخليجي بالرياض، حيث جرى خلاله بحث منع "تهديدات إيران" بالمنطقة و"عودة خطر تنظيم داعش" إلى سوريا والعراق. وبحسب بيان ختامي أُعلن مساء الجمعة 17 شباط/ فبراير، أدان المشاركون في الاجتماع "السلوك المزعزع للاستقرار لإيران من خلال وكلاء مثل "حزب الله"، والأذرع الأخرى في العراق وسوريا واليمن". واتفق المجتمعون على أن "دعم إيران للميليشيات الإرهابية بالمنطقة واستخدامها لأنظمة الطائرات من دون طيار يشكل تهديدًا واضحًا للأمن والاستقرار الإقليمي"، لكنّ البيان شدد على أن "الدبلوماسية تظل الطريقة المثلى لمعالجة سياسات إيران".
الرأي:
كان من المخطط عقد هذه الاجتماعات في الرياض في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لكن إدارة "بايدن" ألغتها احتجاجًا على قرار "أوبك+" بخفض إنتاج النفط، ما دفعها للإعلان عن إعادة تقييم علاقاتها مع الرياض، لكن سرعان ما أعلنت تأكيدات لاحقة من الرياض وواشنطن على استراتيجية العلاقات الثنائية.
ويعد هذا أول وفد أمريكي رفيع المستوى يصل الرياض منذ إلغاء الاجتماع، وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية فقد ضم مسؤولين كبار من وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووكالات حكومية أخرى، وهي دلالة واضحة على أن إدارة "بايدن" قررت طي صفحة الخلاف مع ولي العهد السعودي، وباتت تعطي أولوية للتأكيد على التزاماتها الأمنية تجاه دول الخليج، كي لا تترك مجالًا لتوسيع علاقات هذه الدول الأمنية مع شركاء آخرين خاصةً الصين وروسيا.
ومن الواضح أن المحادثات ركزت على التهديدات الإقليمية من قبل إيران ووكلائها، ونقل الأسلحة الإيرانية إلى روسيا لاستخدامها في أوكرانيا، والتعاون العسكري الإيراني الروسي. كما ناقشت كيفية زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية والتحذيرات المبكرة ضد الصواريخ والتهديدات الجوية الأخرى، وكيفية استخدام نظام الدفاع الجوي لكل دولة لمواجهة هذه التهديدات معًا. وبحسب نائب قائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأمريكية، كلارك كوين، فقد ناقشت الاجتماعات أيضًا سبل مشاركة الدول الست صورها الجوية مع بعضها البعض، ومع الولايات المتحدة من أجل تحسين الإنذارات المبكرة للهجمات المحتملة.
وتشير هذه الموضوعات إلى أن الولايات المتحدة تمضي قدمًا في العمل على تعزيز البنية الأمنية المشتركة لدول مجلس التعاون، تلبيةً لمخاوف هذه الدول المتنوعة، والتي تشمل إيران وهجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية. وهي تهديدات لا تقتصر على السعودية، لكن تثير قلقًا أمنيًا متزايدًا لدى كل من الكويت والبحرين والإمارات كذلك، وبصورة أقل قطر وسلطنة عمان. ولا شك أن زيادة الانخراط الأمني الأمريكي في تطوير القدرات المشتركة لدول مجلس التعاون لمواجهة هذه التهديدات، ربما يعني أن مشروع المنظومة الإقليمية التي تضم "إسرائيل" تراجعت أولويتها حاليًا، في ظل فشل إدارة "بايدن" في تحقيق إجماع حول هذا المشروع خليجيًا حتى الآن.
من جهة أخرى، فإن تصعيد التنسيق الخليجي مع الولايات المتحدة يتزامن مع زيادة الضغوط على إيران دوليًا، من خلال العقوبات وجمود مسار المفاوضات النووية، وهو ما يزيد من احتمال التوتر الأمني في المنطقة خاصةً مع تواصل العمليات الأمنية المتبادلة بين إيران و"إسرائيل"، والتي تزيد من الشواغل الأمنية لدول الخليج عمومًا.