الحدث:
انتهت قصة اختفاء إمام وخطيب مسجد "الرفاعي" في بلدة "القرقف" بمحافظة عكار شمال لبنان، الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، نهاية مأساوية بعدما اعترف أفراد من "آل الرفاعي" على رأسهم رئيس بلدية "القرقف"، يحيى الرفاعي، وابناه وابن شقيقه، باختطاف الأول في مدينة طرابلس، عبر كمين محكم وبمساعدة مسلحين آخرين وتعذيبه وقتله، ورميه في حفرة بعمق ثلاثة أمتار في منطقة تستخدم تجميع نفايات. وبعد ستة أيام، تحوّلت خلالها قصة اختفاء "الرفاعي" لقضية رأي عام بلبنان لعدة أيام، وتحركت في أعقابها مؤسسات الدولة من رئاسة الحكومة إلى وزارة الداخلية ومختلف الأجهزة الأمنية، ثم تمكّنت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي من توقيف المتورطين بالجريمة، بالتنسيق مع الجيش الذي استقدم بدوره تعزيزات مؤلّلة كبيرة إلى البلدة ونفّذ انتشارًا في كلّ أحيائها تحسبًا لأيّ ردّات فعل محتملة.
الرأي:
تعكس جريمة مقتل "الشيخ الرفاعي" تطورًا نوعيًا في المدى الذي وصلت إليه أنماط ومستويات الجرائم المجتمعية في لبنان، خصوصًا العائلية والمناطقية منها؛ فلم تكن عملية الاختطاف والقتل عادية، بل أراد لها الفاعلون، وفق اعترافاتهم، أن تظهر كعملية أمنية "بوليسية"، سواءً في آلية التنفيذ من خلال مسلحين ملثمين أو في مكان التنفيذ في شارع فرعي بعيد عن أعين كاميرات المراقبة. ويضاف هذا كله إلى أن العملية برمتها تجسّدُ نتيجة عملّية لسيطرة منطق "الميليشياوية" المستند إلى انتشار السلاح المتفلت؛ إذ لم يكن مستبعدًا ضبط مخابرات الجيش مستودعين للأسلحة والمتفجرات والذخائر أحدهما في منزل رئيس البلدية، يحيى الرفاعي، والثاني في الطابق السفلي لمدرسة خاصة يمتلكها.
بالمقابل، ورغم تمكّن شعبة المعلومات من كشف ملابسات الجريمة الشنيعة، إلا أن ما تم الكشف عنه من مستودعات كبيرة للأسلحة، ووجود سوابق "جرمية" من قبل الفاعلين بحق الشيخ "أحمد شعيب" وعائلته (إحراق سيارة الشيخ وإطلاق النار على إخوته)، وصلت إلى حد تهديده بالقتل قبل أيام من الحادثة، يدلّل بوضوح على تقاعس أو ربما "انكفاء" الأجهزة الأمنية عن تحمل مسؤولياتها والقيام بدورها المطلوب في تعزيز "الأمن الاستباقي"، وحماية "الرفاعي" من "التصرفات الميليشياوية" التي كانت ظاهرة للعيان في البلدة.
في المحصلة، وفي ظل تزايد واتساع رقعة انتشار السلاح المتفلت تحت عناوين حزبية أو مناطقية، أو على قاعدة "الأمن الذاتي" وتراخي وتراجع دور الأجهزة الأمنية بشكل عام، بسبب الواقع الاقتصادي القاسي واكتظاظ السجون وتعطيل مؤسسات القضاء، فضلًا عن الأزمة السياسية التي تعيشيها البلاد، ومع تصاعد الاشتباكات العائلية المسلحة التي توقع قتلى وجرحى، ومسلسل الاختطاف والقتل بدوافع متعددة، فمن المرجح بشكل كبير أن تتزايد مثل هذه الحوادث خلال الفترة القادمة، ما يرفع من احتمال تدحرجها إلى فتن مناطقية أو حتى طائفية ومذهبية.