الحدث:
قُتل الشابان "هيثم ومالك طوق" من بلدة "بشري" (بلدة مسيحية) في منطقة "القِرنَة السوداء"، وهي منطقة متنازع عليها عقاريًا بين بلدتي "بشري" و"بقاعصفرين" (بلدة مسلمة) في الضنية شمال لبنان، وذلك في حادثة إطلاق نار لم تُكشف ملابساتها حتى الآن. وإثر الحادث، سُجل ظهور لمسلحين من "آل طوق" في محيط منطقة بشري، في حين نفّذ الجيش انتشارًا عسكريًا في المنطقة واستقدم تعزيزات عسكرية. كما نفّذت طوّافات الجيش جولات استطلاعية فوق المنطقة بحثًا عن المتورطين، وأوقفت نحو 30 شخصًا وصادرت أسلحة حربية وكمية من الذخائر ضمن حملات دهم في البلدتين.
الرأي:
ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها منطقة "القرنة السوداء" حوادث إطلاق نار؛ فهناك تاريخ من الإشكالات الدمويّة بين المنطقتين يمتدّ إلى أكثر من 30 عامًا، إلا أن الحادث هذه المرة لاقى ردود فعل واسعة خشية أن ينزلق الوضع في ظل الظروف السياسية الحالية في البلاد باتجاه تدهور أمني وفتنة طائفية، تغذيها الخلافات القديمة على تنازع الملكية ومياه الري.
وكان من اللافت مروحة الاتصالات على أعلى المستويات بدءًا بالبطريرك الماروني، بشارة الراعي، الذي دعا إلى ترسيم الحدود في المنطقة وتسليم المتورطين بالحادث، ومفتي الجمهورية، الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي ركز على تهدئة الأجواء ونبذ الفتنة، وصولًا لعقد "مجلس الأمن الفرعي في الشمال" اجتماعًا طارئًا، اقترح خلاله إعداد قانون حول تحويل المنطقة إلى محمية طبيعية واعتبارها ومحيطها "منطقة تدريب عسكرية".
بالتوازي مع ذلك، تمكن الجيش من تدارك "فتنة طائفية" ذات أبعاد أمنية وسياسية، وقام بضبط الأوضاع في المنطقة التي كان قد أعلنها في وقت سابق من الشهر الماضي منطقة "تدريب عسكري"، منعًا لاحتكاك أبناء المنطقتين، وهو ما يسلط الضوء على مدى توسع مهام الجيش ودوره المحوري في حفظ الأمن والاستقرار.
على جانب آخر، تعيد الحادثة إلى الأذهان ملف الصراعات والخلافات الجغرافية على الأراضي والمشاعات، لا سيما تلك التي تتخذ منحىً طائفيًا أو مذهبيًا، وعلى رأسها الوضع بين بلدتي "بشري" وبقاعصفرين"، وبلدتي "لاسا" (شيعية) و"العاقورة" (مسيحية)، وبين بلدتي اليمونة (شيعية) و"العاقورة" (مسيحية)، حيث سيستمر خطر وقوع حوادث مماثلة قائمًا في ظل تلكؤ الدولة والقضاء في حل تلك النزاعات بشكل نهائي وعادل.