الحدث:
أعلن رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر أن الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، فاز بفترة رئاسية ثالثة بنسبة 89.6% من الأصوات، ما يعني تمديد رئاسة "السيسي" التي بدأت عام 2014 حتى عام 2030.
الرأي:
كان من المسلم به أن "السيسي" يسعى للاحتفاظ بالحكم منذ التعديلات الدستورية التي أجريت عام 2019، ومكنّته من إطالة حكمه نظريًا حتى عام 2030 بدلًا من عام 2022. وتشير الطريقة التي أجريت بها الانتخابات، خصوصًا التحكم في هوية المرشحين المنافسين وعرقلة ترشح غيرهم، إلى أن الرئيس المصري مازال (لأسباب عديدة) يحظى بدعم قيادة الجيش والمؤسسة الأمنية الواسعة، وأن المعارضة لبقائه في السلطة داخل مؤسسات الدولة وبين نخب الحكم غير مؤثرة.
في هذا الإطار، يستهل "السيسي" ولايته الثالثة، والتي قد لا تكون الأخيرة، بتحديات أمنية كبيرة ستهيمن على نهجه في الحكم في السنوات القليلة القادمة، والتي تتمثل في حرب غزة وتداعياتها المستمرة، والأزمة الاقتصادية المحلية، وأخيرًا المعارضة السياسية لاستمرار حكمه.
ففيما يتعلق بحرب غزة، سيكون على السلطات الأمنية المصرية التعامل مع تداعيات مباشرة تشمل أمن الحدود وشمال سيناء، ومخططات الاحتلال "الإسرائيلي" لتهجير جزء من أهل غزة، وإعادة احتلال القطاع أو فرض السيطرة الأمنية "الإسرائيلية" عليه بعد الحرب، خصوصًا محور فيلاديلفيا (الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة والذي كان خاضعًا لسلطة حكومة حماس من الجانب الفلسطيني) وصولا إلى معبر رفح. إن هذه الملفات تحمل انعكاسات أمنية مباشرة على مصر، ومن المحتمل أن ينتج عنها توتر في العلاقات المصرية "الإسرائيلية" أو حتى خلافات طويلة. ومن المرجح أن تتمسك مصر برفض التهجير ورفض إعادة احتلال القطاع، وأن تتبنى مقاربة لما بعد الحرب لا تتوافق مع الأهداف الأمنية "الإسرائيلية"، خاصةً إصرار الاحتلال على القضاء على "حماس" والتي تتخوف مصر من أن تحول معه غزة إلى بيئة اضطراب أمني مزمنة تنعكس بالضرورة على أمن سيناء.
على صعيد الأزمة الاقتصادية، تتجه الحكومة لإجراءات سيكون لها تداعيات اجتماعية سلبية، مثل مزيد من خفض سعر الجنيه، والحد من الإنفاق الاجتماعي، وهو ما سينتج عنه تفاقم موجة الغلاء الحالية، وبالتالي مزيد من الاحتقان الاجتماعي الذي يهدد باحتجاجات وتزايد مشاعر الغضب الشعبي. يتقاطع هذا الأمر مع جهود المعارضة السياسية المتزايدة التي ستتواصل، لتحميل الرئيس المصري مسؤولية التدهور الاقتصادي والتأكيد على ضرورة إنهاء حكمه والبحث عن بديل، خصوصًا وأنها ستتحسب لاحتمالات إجراء تعديل دستوري يُبقي "السيسي" في السلطة.
إن هذه العوامل ستدفع السلطات المصرية نحو مزيد من التشديد الأمني الداخلي، بما يضمن سيادة أجواء الخوف اللازمة لردع أي تحركات شعبية عفوية أو جهود سياسية منظمة. ومن المتوقع أنها ستواصل عدم التسامح مع أي أصوات معارضة سواءً للموقف المصري من التطورات في غزة، أو للسياسات المحلية، أو حتى لاستمرار حكم "السيسي".
إضافةً للسياسات الأمنية، سيستند الرئيس المصري لحاجة الغرب للاستقرار في مصر في ظل الاضطراب الإقليمي للضغط على "إسرائيل" من جهة، ومن أجل تقديم الدعم للاقتصاد لتجنب مخاطر الانفجار الاجتماعي من جهة أخرى. كما إنه سيسعى للحصول على دعم أمني خارجي فيما يتعلق بضبط الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية، والتي ستتفاقم نتيجة الأوضاع الاقتصادية في مصر من جهة، ونتيجة الكارثة الإنسانية في قطاع غزة من جهة أخرى، والتي قد تدفع بعض السكان لاتخاذ قرار الهجرة غير الشرعية عبر سيناء أو عبر البحر المتوسط، وهذا أحد الهواجس التي تشغل دول الاتحاد الأوروبي بصورة خاصة.