الحدث:
أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستين، عن إطلاق مهمة بحرية أمنية دولية تحت اسم "حارس الازدهار"، بهدف تأمين جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وضمان حرية الملاحة الدولية. وبحسب الإعلان، فإن المهمة البحرية ستعمل تحت مظلة القوات البحرية المشتركة (المكونة من 39 عضوًا ومقرها البحرين) وقيادة "قوة المهام المشتركة 153". وتتكون المهمة من عشر دول هي: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، إيطاليا، كندا، هولندا إسبانيا، النرويج، البحرين وسيشل.
الرأي:
يأتي هذا الإعلان في ظل تصاعد هجمات جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) ضد السفن "الإسرائيلية" أو المتجهة نحو "إسرائيل"، والتي بلغت عشر هجمات على الأقل منذ التاسع من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وأدت إلى إعلان كبرى شركات الشحن العالمية تعليق المرور من البحر الأحمر مؤقتًا، مثل شركة "ميرسك" الدنماركية، وشركة "CMA CGM" الفرنسية، وشركة "Hapang Lloyd" الألمانية، وشركة "MSC" السويسرية، والتي تشكل معًا أكثر من 50% من قدرة شحن الحاويات في العالم. كما أعلن عملاق النفط البريطاني "بي بي" وقف جميع الشحنات عبر البحر الأحمر، وهو ما يلقى بظلال كئيبة حول احتمالات تباطؤ سلاسل التوريد العالمية إذا طال أمد الوضع الراهن.
إن الإعلان الأمريكي يحمل دلالات لافتة؛ حيث غابت عن المهمة دول عربية رئيسية معنية بالملاحة في البحر الأحمر، مثل مصر والسعودية، كما غابت الإمارات التي لها مصالح جيوسياسية في المنطقة. ويحمل الغياب المصري والسعودي رسالة واضحة حول تمسك الدولتين بتجنب تصعيد العداء مع الحوثيين؛ فمن جهتها حثت الرياض واشنطن على تبني مقاربة هادئة لتجنب انهيار اتفاق السلام في اليمن الذي باتت مسودته شبه جاهزة، ولم تدعم اقتراح إعادة تصنيفهم الحوثيين كمنظمة إرهابية. أما مصر، فقد فضّلت بدورها أن تعمل مع الحوثيين عبر قناة أمنية مباشرة تحت إدارة جهاز المخابرات العامة وتجنب تفاقم التوتر معهم.
في هذا السياق، من المحتمل أيضًا أن تكون بعض الدول العربية وجدت من غير المناسب شعبيًا الانضمام لقوة بحرية مهمتها منع الحوثيين من استهداف السفن "الإسرائيلية"، وهو أمر سيثير انتقادات شعبية واسعة. حتى الإمارات التي مارست ضغوطًا على واشنطن لاتخاذ إجرءات ضد هجمات الحوثيين، فإنها فيما يبدو أحجمت عن الظهور الصريح في التحالف لتجنب أن تتعرض هي لاستهداف مباشر من قبلهم.
لذلك، فقد جاء الإعلان بهذه الصيغة التي أشارت إلى عمل المهمة مع قيادة "قوة المهام المشتركة 153"، وهي مهمة أمنية سبق أن أطلقتها واشنطن في نيسان/ أبريل 2022 لتأمين البحر الأحمر، عقب استيلاء الحوثيين على سفينة ترفع علم الإمارات في كانون الأول/ يناير 2022. وتضم هذه القوة 34 دولة، بينها مصر ودول خليجية بما فيها السعودية والإمارات والبحرين. وتثير هذه التعقيدات قدرًا من عدم اليقين حول هيكلة ونطاق عمل عملية "حارس الازدهار"، والتي قد تقتصر بصورة أساسية على الولايات المتحدة والدول الغربية، التي أرسلت بعضها بالفعل مؤخرًا قطعًا بحرية عسكرية لتأمين الملاحة.
ورغم الإعلان عن تشكيل المهمة البحرية، سيواصل الحوثيون أنشطتهم، وإن كانت الاستجابة المضادة ستكون أسرع وأكثر نجاعة في الحد من قدرتهم على احتجاز سفن مجددًا. لكنّ هذا لا يعني أن تقييم مخاطر الملاحة سوف يتراجع سريعًا لأن استمرار الهجمات في حد ذاته سيُبقي على مخاوف شركات الشحن، خصوصًا وأن الحوثيين لا يستهدفون بصورة أساسية اختطاف السفن لكن الإبقاء على حالة تهديد الملاحة المرتبط بـ"إسرائيل". كما إنهم يستخدمون تكتيكات متعددة تجعل من الإحباط الكامل لهجماتهم أقل احتمالًا ما لم تلجأ المهمة البحرية لاستهداف أوسع للحوثيين، وهو أمر ما زال غير مرجح في المرحلة الحالية التي تحرص فيها جميع الأطراف على احتواء التوتر وليس توسيع رقعته.