الحدث:
أعلنت وزارة الدفاع التركية في الـ22 والـ23 من كانون الأول/ ديسمبر الجاري مقتل 12 جنديًا تركيا وإصابة 13 آخرين، في هجومين نفذهما "حزب العمال الكردستاني" شمال العراق. كما أشارت الوزارة إلى تنفيذ غارات جوية على معاقل الحزب في غارا وهاكورك وقنديل بكردستان العراق، ما أدى لتدمير 29 هدفًا ومقتل 30 من مقاتلي الحزب على الأقل، حسب البيانات التركية.
الرأي:
تعتبر هذه الحصيلة من الخسائر التركية الأكبر من نوعها خلال عام 2023، وتعد تطبيقًا عمليًا للتهديد الذي أطلقه "مراد كارايلان"، أحد كبار القادة العسكريين لـ"حزب العمال الكردستاني"، بأن الحزب سيغير عقيدته التكتيكية وسيعتمد على مجموعات صغيرة لشن غارات وهجمات مباغتة ومنسقة توقع عددًا كبيرًا من الضحايا، فضلًا عن الاعتماد على الأنفاق لتقليل فعالية القصف الجوي التركي.
كما تشير الهجمات الأخيرة، فضلًا عن الهجوم الذي شنه عنصران من الحزب على مبنى وزارة الداخلية بأنقرة مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، إلى أن الحزب قرر التصعيد ردًا على الغارات الجوية التركية التي استهدفت عددًا من قياداته في سوريا والعراق، إضافةً لقصف منشآت نفطية ومحطات كهرباء تديرها الإدارة الذاتية التابعة لقوات "قسد" شمال شرق سوريا، خصوصًا في ريف الحسكة والقامشلي.
وفي ظل الرفض الأمريكي لشن عمليات عسكرية تركية موسعة ضد قوات "قسد" في سوريا، والتي تعتبرها أنقرة امتدادًا لـ"حزب العمال الكردستاني"، ستواصل الاستخبارات التركية عمليات استهداف قيادات التنظيمين، والتي أسفرت خلال الشهور الماضية عن تصفية عدد من الكوادر الفاعلة مثل "باهوز عفرين"، مسؤول منطقة عين العرب في "قسد"، و"فخر الدين طولون"، مسؤول تزويدها بالأسلحة الثقيلة، و"معتصم أكيورك"، المسؤول عن التدريب العسكري في "وحدات حماية الشعب الكردية"، بحسب التوصيفات التركية لمناصبهم التنظيمية.
ويتوقع مركز "صدارة" أن يؤثر التصعيد الأخير سلبًا على علاقات تركيا مع "حزب الاتحاد الوطني الكردستاني" بقيادة "آل طالباني"، والذي تتهمه أنقرة بمساعدة عناصر "العمال الكردستاني" وفق ما كشفه حادث تحطم مروحية في دهوك في آذار/ مارس الماضي، إذ تبين أن ركاب المروحية كانوا عناصر من قوات مكافحة الإرهاب التابعة لـ"قسد" يتلقون تدريبات على يد "حزب الاتحاد الوطني" في السليمانية بموافقة أمريكية. لذلك، يُرجح المركز أن تستخدم تركيا لهجة أكثر صرامة تجاه "الاتحاد الوطني الكردستاني" لدفعه لوقف تقديم التدريب والمساعدة إلى "قسد" و"العمال الكردستاني".
وفي حين ستواصل أنقرة عملياتها ضد البنية التحتية للتنظيم ومصادر إيراداته وتصفية قياداته وكوادره، وتقييد قدرته على المناورة وقطع خطوط إمداده تجاه تركيا، ضمن عملية "المخلب والقفل" التي تشنها شمال العراق والغارات في سوريا، فإن "العمال الكردستاني" استفاد من مظلة الحماية الأمريكية لفرعه في سوريا "قسد" لبناء قواعد خلفية وتدريب وتسليح عناصره، فضلًا عن وجود حاضنة شعبية له في المناطق الكردية، وهو ما يشدد على أن وقف هجمات الحزب يتطلب جهودًا سياسية بجوار الجهود الأمنية والعسكرية، إضافةً لتفاهمات مع الولايات المتحدة ودول الجوار التي ينشط الحزب على أراضيها.