تكتيك اضطر إليه الاحتلال

سحب ألوية من غزة يشير لتحول نمط العملية البرية دون التخلي عن أهداف الحرب

الساعة : 16:00
3 يناير 2024
سحب ألوية من غزة يشير لتحول نمط العملية البرية دون التخلي عن أهداف الحرب

الحدث:

أعلنت إذاعة جيش الاحتلال "الإسرائيلي" أن الجيش قرر سحب خمسة ألوية قتالة من قطاع غزة، كما نقلت صحيفة  "تايمز أوف إسرائيل" عن مصادر بالجيش أنه بدأ سحب خمسة ألوية من المعارك الدائرة، وذلك مع سيطرة قواته بشكل متزايد على الأرض وفقًا للصحيفة. وأوردت وكالة "أسوشيتد برس" أن تلك الألوية  التي سيتم سحبها تتضمن آلاف الجنود، فيما أشار المتحدث باسم الجيش، دنيال هاغاري، إلى أن بعض جنود الاحتياط سيعودون إلى عائلاتهم ووظائفهم. وأفادت مصادر أمنية "إسرائيلية" بأنه من المتوقع سحب مزيد من القوات في الأسابيع القادمة، بناءً على التقديرات الأمنية والتطورات على الأرض.

الرأي:

يعتبر سحب الأولوية القتالية من المعارك الدائرة في قطاع غزة التعديل الميداني الأبرز منذ بدء العملية البرية في القطاع؛ فقد سبق أن سحب الجيش "الكتيبة 13" من لواء النخبة "جولاني" جراء تكبدها خسائر فادحة ومقتل قائدها، مبررًا ذلك بما سماه "إنعاش الجنود" وإعادة ترتيب صفوفهم. لكنّ هذا القرار الجديد يعد مؤشرًا واضحًا على أن العملية البرية تتجه أكثر إلى التحول من نمط الغزو البري الشامل، إلى نمط عمليات يشبه "مكافحة التمرد". ويعتبر هذا بمثابة تحول لا يتعارض مع نوايا حكومة الحرب "الإسرائيلية" الاحتفاظ بسيطرة أمنية على القطاع في الأجل القصير، لأن سحب القوات لا يعني توقف عمليات الطيران الحربي ولا التخلي عن فرض مناطق عازلة شمال القطاع وعلى طول حدوده مع الأراضي المحتلة، والتي ستكتمل بإعادة احتلال محور صلاح الدين جنوب القطاع. كما إن سحب الألوية يتزامن مع ضغوط أمريكية لتغيير شكل إدارة الحرب، والانتقال لمرحلة مركزة ودقيقة والتخفيف من القصف العشوائي.

من جهة أخرى، يثير هذا القرار تساؤلات حول مدى تحقق أهداف الاحتلال من العملية البرية؛ فبينما يكرر متحدثو الجيش وحكومة الاحتلال الحديث حول النجاح في القضاء على معاقل "حماس" وقتل الآلاف من مقاتليها، فإن الإخفاق في الوصول للأسرى وتحريرهم، وغياب مؤشرات تدعم مزاعم القضاء على معاقل المقاومة، في ظل استمرار عمليات المقاومة بما في ذلك شمال غزة، كلها أمور تجعل تصرحيات قادة الاحتلال محل شك كبير، خصوصًا بعد أن تكبد الجيش خسائر فادحة منذ بدء العملية البرية، شملت  مقتل أكثر من 170 جنديًا  على الأقل بينهم عدد من ضباط النخبة وآخرين في مستويات القيادية، ناهيك عن الإصابات التي قُدرت بالآلالف وحالات البتر للأطراف. والمؤكد أن ما تحقق من هدف الاحتلال هو مسألة تدمير البنية التحتية المدنية في قطاع غزة، وجعل مناطق واسعة من القطاع غير مؤهلة للحياة دون عملية إعادة بناء مكثفة وواسعة. ويخدم هذا الأمر دوافع الانتقام من عموم السكان بما يرضي الرأي العام "الإسرائيلي"، فضلًا عن أنه يخدم مخطط التهجير الذي مازال مفعلًا ولم يتم التخلي عنه "إسرائيليًا".

إلى جانب ذلك، فإن التكلفة الاقتصادية الكبيرة لاستدعاء أكثر من 300 ألف جندي من قوات الاحتياط والزج بكل ألوية الجيش في الحرب الدائرة، تشكل أحد العوامل الضاغطة على الحكومة للقيام بمثل هذه الخطوة، لا سيما وأن تعطيل قطاع التكنولوجيا بوجه خاص لا يمكن استمراره لفترة طويلة، لما له من تداعيات أوسع تتعلق بالمنافسة وتراجع قدرته على استقطاب الاستثمارات الدولية.