الحدث:
أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية في الـ18 من كانون الثاني/ يناير الجاري أن الجيش الباكستاني نفذ سلسلة ضربات، استهدفت مخابئ مسلحين في إقليم سيستان وبلوشستان داخل إيران دفاعًا عن أمن باكستان، كما تعهدت بمواصلة اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامة وأمن الشعب الباكستاني. بدوره، أكد المساعد الأمني لمحافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية حدوث انفجارات قرب مدينة سراوان ناجمة عن ضربة صاروخية باكستانية.
الرأي:
يشير الهجوم الباكستاني الصاروخي على أهداف لتنظيمات بلوشية بعمق يتراوح 40 – 50كلم داخل الأراضي الإيرانية، إلى رغبة إسلام أباد في ضبط العلاقة مع إيران والتأكيد على المعاملة بالمثل؛ حيث يأتي الهجوم بعد أيام معدودة من قصف الحرس الثوري الإيراني لما قال إنها قواعد لتنظيم "جيش العدل البلوشي" داخل باكستان، ما أسفر عن مقتل طفلين وإصابة ثلاثة آخرين بحسب وزارة الخارجية الباكستانية، ودفع القيادة الباكستانية لاستدعاء سفيرها من طهران وتعليق كافة اللقاءات الثنائية بين المسؤولين في البلدين.
وقد تجاوز الهجوم الإيراني داخل باكستان الأعراف التي تحكم العلاقة بين طهران وإسلام أباد، وجاء ضمن محاولة لحفظ ماء الوجه داخليًا، في ظل تصاعد هجمات "جيش العدل" في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، والتي بلغت ذروتها بعد تمكّن عناصره من اقتحام مقر شرطة مدينة راسك وقتل 12 شرطيًا إيرانيًا منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2023، في هجوم استمر خمس ساعات كاملة. وعقب الهجوم الأخير، أشارت الأجهزة الأمنية الإيرانية إلى دور القواعد الخلفية للمهاجمين داخل باكستان في التدريب والتخطيط للهجمات، فضلًا عن الانسحاب إليها عند مطاردتهم.
من جهة أخرى، يرى مركز "صدارة" أن التصعيد الإيراني الباكستاني يجافي العلاقات الوطيدة بين الجانبين وتنسيقهما المشترك في مواجهة الجماعات البلوشية المسلحة، التي تطالب بحقوق البلوش في كلا البلدين؛ فالبلوش الذين ينتمون إلى المذهب السني لديهم مظلومية ترتبط بتقسيم إقليم بلوشستان منذ عهد الاحتلال البريطاني للهند، بين ثلاثة دول هي إيران وباكستان وأفغانستان. وقد دشنوا تمردًا مسلحًا في إيران منذ عام 2002، لكنه أخذ زخما متصاعدًا منذ مقتل 93 متظاهرًا في احتجاجات أعقبت صلاة الجمعة في الـ30 من أيلول/ سبتمبر 2022، على خلفية اغتصاب فتاة بلوشية على يد شرطي إيراني، وعقب ذلك تصاعدت الهجمات المسلحة ضد عناصر الأمن الإيرانيين لتقع بشكل شبه أسبوعي.
رغم ذلك، وبحسب "صدارة" فإنه من المرجح احتواء التصعيد الإيراني الباكستاني الحالي، نظرًا لوجود خصم مشترك توجّه ضده الضربات يتمثل في الجماعات البلوشية المسلحة. لكن الرد الباكستاني يهدف لضبط الإيقاع ومنع طهران من تنفيذ هجمات أخرى داخل الأراضي الباكستانية، حتى في حال مطاردة عناصر بلوشية مسلحة؛ إذ إن التغاضي عن الهجوم الإيراني سيدفع لتكراره وانتهاك السيادة الباكستانية. لذلك، فقد بررت إسلام أباد هجومها داخل إيران بنفس المبررات التي ساقتها إيران لتبرير هجومها داخل باكستان، وهو ما يرجح أن تستوعبه القيادة الإيرانية التي ليس من مصلحتها صنع توتر جديد مع دولة جارة نووية.