الحدث:
نظم صحفيون، مساء الثلاثاء الماضي، إفطارًا رمضانيًا بالماء والملح والخبز أمام نقابة الصحفيين بالقاهرة، كنوع من التضامن الرمزي مع معاناة أهل غزة. كما نظم المشاركون وقفة على سلم مدخل النقابة للمطالبة بالوقف الفوري للعدوان على القطاع وإدخال المساعدات الإغاثية دون شروط. وفي سياق متصل، قرّرت نيابة أمن الدولة العليا، الأربعاء، تجديد حبس 177 شابًا من 20 محافظة لمدة 15 يومًا على ذمة 27 قضية منفصلة تم إعدادها على خلفية التظاهرات التي اندلعت الجمعة 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لنصرة غزة، وصدرت قرارات تجديد الحبس بشكل إجرائي للمرة السابعة على التوالي دون تحقيقات.
جاء هذا بعد أقل من أسبوعين من اعتقال العشرات بسبب تظاهرهم رفضًا للغلاء في منطقة الدخيلة غرب الإسكندرية، حاملين لافتات كُتب عليها: "جوعتنا يا سيسي"، و"ارحل يا عواد" (في إشارة لبيع أصول الدولة). وفي السياق أيضًا، قررت نيابة أمن الدولة العليا، في الـ24 من آذار/ مارس الجاري، تجديد حبس عامليْ شركة غزل المحلة، وائل محمد أبو زويد ومحمد محمود طلبة، 15 يومًا على ذمة التحقيقات بتهمة "الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة". وقد أُلقي القبض عليهما مع عدد من العمال الذين أطلق سراحهم لاحقًا، على خلفية اشتراكهم في إضراب استمر لمدة أسبوع للمطالبة بحد أدنى للأجور ستة آلاف جنيه.
الرأي:
تشير هذه التحركات الشعبية المحدودة، والتي تكررت مؤخرًا، إلى حالة القلق التي تكتنف الشارع المصري لأسباب متداخلة؛ حيث حفزت حرب غزة والضغوط الاقتصادية تحركات شعبية خلال الأسابيع الماضية، وهو الأمر الذي يضع الأجهزة الأمنية في حالة استنفار ويدفعها للتمسك بنهجها المتشدد حتى في حالات التعبير الفردي عن التضامن مع غزة؛ إذ تخشى تلك الأجهزة من أن التسامح مع أي تحركات تضامنية أو احتجاجية قد يؤدي إلى توسع الظاهرة.
في المدى القصير من المرجح أن تتفاقم الضغوط الاقتصادية؛ حيث سيؤدي خفض سعر الجنيه ورفع أسعار الوقود وبعض الخدمات إلى إطالة أمد موجة الغلاء، رغم توقع انحسار أزمة الدولار. لذلك، من المتوقع أن تظل الأجهزة الأمنية في حالة استنفار لملاحقة أي مظاهر احتجاجية أو منشورات على شبكات التواصل تحرض على الاحتجاج أو تندد بالغلاء. في الوقت نفسه، وفي ظل تواصل حرب غزة والكارثة الإنسانية بها، التي من المتوقع أن تتفاقم إذا شنت قوات الاحتلال هجومها المرتقب على رفح، سيعتبر ذلك سببًا إضافيًا قد يؤدي لمزيد من المظاهر الاحتجاجية في الشارع المصري، بينما تعمل الأجهزة الأمنية على إرسال رسالة ردع استباقية من خلال استمرار حبس متظاهري غزة.
ورغم تكرر مظاهر الاحتجاج مؤخرًا، فليس من المرجح أن تمثل تحديًا أمنيًا للنظام المصري، الذي مازال يحكم قبضته الأمنية على البلاد ويتحكم في كافة أوجه النشاط المدني السياسي والاجتماعي. وفي ظل غياب المعارضة السياسية المنظمة التي يمكنها الحشد والتعبئة، ستظل التحركات الشعبية في مجملها عفوية ومحدودة، ومن ثم سيسهل على الأجهزة الأمنية احتواؤها وقمعها.