الحدث:
أجرى رئيس الأركان المصري، الفريق أسامة عسكر، زيارة نادرة إلى العاصمة أنقرة الإثنين الماضي حيث كان في استقباله وزير الدفاع التركي، يشار غولر، في لقاء حضره رئيس هيئة الأركان التركية، متين جوراك، الذي استقبل الضيف المصري بمراسم رسمية في هيئة الأركان العامة التركية.
الرأي:
تستبق زيارة رئيس الأركان المصري زيارة الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" المرتقبة إلى تركيا، كما تأتي بعد أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية المصري إلى إسطنبول ولقائه بنظيره التركي، هاكان فيدان، ثم الرئيس "أردوغان"، حيث ترسل هذه الزيارات مؤشرات إيجابية حول مسار تقدم العلاقات بين البلدين، رغم أن هذا التقدم مازال في مرحلة بناء الثقة، لكنه بلا شك سيلقى دفعة جديدة عقب اللقاء المرتقب بين الرئيسين.
وبحسب قراءة مركز "صدارة" لهذه الزيارات، وبنظرة أدق، فإن زيارة رئيس الأركان تزيد من التوقعات حول قرب التوصل لتفاهمات واتفاقيات أمنية وعسكرية، مثل مسألة حصول مصر على طائرات مسيرة تركية، لكنّ الأهم في هذه التفاهمات هو ما يتعلق بالملفين الليبي والسوداني؛ حيث يمثل البلدان أهمية استراتيجية في عقيدة الأمن القومي المصري. وفي ظل وجود النفوذ التركي في ليبيا والذي أصبح أمرًا واقعًا، فإن مصر تسعى لاستكشاف الحدود الممكنة للتعايش معه وتقليل مخاطره، بينما ستظل فرص التعاون في السودان قائمة في ظل حاجة مصر لتعزيز موقفها في مواجهة الدعم الإماراتي الواسع لقوات الدعم السريع، فضلًا عن احتمالات دخول إيران كحليف للجيش السوداني، وهو أمر ستحرص مصر على مواجهته.
من جهة أخرى، يرى المركز أن ثمة مصلحة للبلدين في التنسيق ضد الأنشطة الإيرانية في المنطقة، لكن مازال مبكرًا توقع أن يعمل البلدان معًا على المستوى الإقليمي في هذا الصدد؛ ليس فقط لأن العلاقة مازالت في مرحلة بناء الثقة، لكن لأن الموقف المصري المضاد للنفوذ الإيراني في العراق وسوريا على سبيل المثال يعارض في نفس الوقت التواجد التركي في البلدين، ومازالت القاهرة تلعب دورًا أساسيًا في تنديد الجامعة العربية المتكرر بالتدخل التركي في الدولتين العربيتين.
على صعيد إقليمي آخر، وبغض النظر عن مجالات التعاون المحتملة أو مستوى تطور التفاهمات، فمن المرجح أن تطور العلاقات المصرية التركية لن يؤثر على شراكة مصر الأمنية والعسكرية مع اليونان وقبرص، ولن يُخرج مصر من مجال التحالفات الفرنسية في المتوسط، التي تستهدف احتواء النفوذ التركي. ومن المرجح كذلك أن تظل مصر حريصة على إبعاد تركيا عن الملف الفلسطيني بصورة عامة، وملف حرب غزة بصورة خاصة، وهو ما سيدفعها للضغط على "حماس" وقطر لعرقلة محاولات إدخال تركيا على خط المفاوضات بين "حماس" والاحتلال.