الحدث:
نفذ جيش الاحتلال "الإسرائيلي" هجومًا بالطائرات الحربية على أهداف حيوية في ميناء الحديدة غربي اليمن في الـ20 من تموز/ يوليو الجاري؛ حيث استهدف خزانات وقود ومنشآت أخرى في الميناء، وذلك ردًا على الهجوم على تلّ أبيب الذي تبنته جماعة الحوثي وأدى إلى مقتل شخص وإصابة 11 آخرين بجروح طفيفة. وكانت الجماعة قد أعلنت أنها نفذت عملية نوعية ناجحة في "تل أبيب" باستخدام طائرة مسيّرة جديدة تحمل اسم "يافا"، قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية للعدو ولا تستطيع الرادارات اكتشافها.
الرأي:
شكّل وصول مسيّرة الحوثيين "يافا" إلى هدفها في شارع "بن يهودا"، الذي يقع بالقرب من منطقة السفارات وتتواجد فيه السفارة الأمريكية، مفاجأة غير متوقعة للأجهزة الأمنية والاستخباراتية "الإسرائيلية". وقد مثّل الحدث فشلًا لمنظومات الدفاع الجوي "الإسرائيلية"، ظهر جليًا من خلال حالة من الصدمة التي بدت في ردود بعض السياسيين وأعضاء "الكنيست". كما تضع الحادثة علامات استفهام حول الإخفاق الأمريكي في ظل وجود عملية أمنية في البحر الأحمر، كان من المفترض أن ترصد انطلاق المسيّرة فضلًا عن التصدي لها قبل وصولها للمجال الجوي للاحتلال.
على المستوى الإقليمي، يمثل الحدث تصعيدًا نوعيًا في أدوات الصراع؛ حيث يُظهر الهجوم قدرة الحوثيين المتزايدة على تنفيذ ضربات بعيدة المدى تتجاوز الحدود التقليدية للصراع اليمني، ما يمثل تغيرًا في حدود الاشتباك؛ إذ إن استهداف تل أبيب يعني أن "إسرائيل" وحلفاءها، بما في ذلك الولايات المتحدة، سيكونون أكثر استعدادًا في حال تكررت مثل هذه الهجمات، لاستهداف قلب الجغرافيا الخاضعة لحكم الحوثيين بما فيها صنعاء.
وتعد هذه المرة الأولى التي تصل فيها طائرة مسيرة إلى عمق "إسرائيل" دون كشفها، وهو ما يكشف صورة الردع "الإسرائيلي" المتداعية منذ السابع من أكتوبر. لذلك؛ فقد اختار جيش الاحتلال الرد عبر الطيران العسكري وليس المسيّرات، لإرسال رسالة واضحة حول تفوقه العسكري الإقليمي فيما يتعلق بالقدرات الهجومية الجوية، وهو ما عبر عنه قادة الاحتلال بالتأكيد على أن الهجوم على الحديدة رسالة لدول المنطقة عمومًا، في إشارة واضحة لإيران و"حزب الله".
بالمقابل، ورغم أن نوعية الأهداف التي قصفت في الحديدة قد تهدف لزيادة الضغط الاقتصادي والتجاري على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، في ظل محاولة محاصرتهم اقتصاديًا، فإن اختيار أهداف مدنية وعدم استهداف بنية تحتية معتبرة للجماعة يشير لرغبة الاحتلال في تجنب تصعيد المواجهة حاليًا خارج غزة كونه تجنب استفزاز الحوثيين، وهي في المقابل رسالة لا تخدم مساعي الردع التي تريدها تل أبيب، كما إنها تثير غضب السكان أكثر تجاه "إسرائيل" وليس إلى الحوثيين؛ إذ إن قدرتهم على استهداف "إسرائيل" ستعزز من التعاطف الشعبي معهم في اليمن والمنطقة عمومًا.
ورغم الرد "الإسرائيلي" الذي صاحبه طابع استعراضي يتمثل في التركيز على إظهار حجم الدمار، فإن هذه الحادثة تزيد من الشكوك حول قدرة "إسرائيل" على حماية نفسها بصورة كافية في حال ذهبت لمواجهة واسعة في المنطقة، لا سيما على الجبهة الشمالية مع "حزب الله" الذي أظهر قدرات متقدمة في سلاح المسيّرات وأساليب وتكتيكات استخدامها في مهاجمة أهداف حساسة شمال "إسرائيل"، فضلًا عن استخدامها في تصوير مواقع مهمة وحساسة في عمق الكيان "الإسرائيلي" وعودتها دون كشفها.
من جهة أخرى، سيعزز الهجوم الحوثي جهود "إسرائيل" والولايات المتحدة لزيادة تعاون الاحتلال الأمني والاستخباري مع دول المنطقة، خصوصًا الإمارات والسعودية ومصر والأردن، وذلك لمواجهة هجمات جماعات محور المقاومة. وبالتالي، فإن الحادث يشكل مرحلة جديدة من قواعد الاشتباك في المنطقة ما يشير إلى أن الحرب آخذة بالتحول إلى حرب متعددة الجبهات، في ظل انخراط "إسرائيل" بنفسها في استهداف الأراضي اليمنية.