الحدث:
بدأ، صباح الثاني من أيلول/ سبتمبر الجاري، سريان الإضراب الشامل في "إسرائيل"، استجابةً لدعوة رئيس اتحاد النقابات العمالية "الهستدروت"، أرنون بار ديفيد، للضغط على الحكومة لإبرام صفقة لإعادة الأسرى. من جهته، قال "ديفيد": "توصلت إلى استنتاج مفاده أن تدخلنا فقط هو الذي يمكن أن يُحرك أولئك الذي يحتاجون لذلك"، كما انضم العاملون في مطار "بن غوريون" للإضراب ما أدى لتوقف كافة الرحلات الجوية.
الرأي:
جاء تحرك "الهستدروت" عقب تفجر الغضب الشعبي في "إسرائيل" ضد حكومة "نتنياهو"، إثر إعلان جيش الاحتلال استعادة جثث ستة من الأسرى في قطاع غزة، ما شكّل صدمة لعائلات الأسرى والمتظاهرين معهم في الشوارع. ومن ثمّ طالبت "هئية عائلات المخنطفين" رئيس "الهستدروت" بالتدخل وشل الحركة في كافة مناحي الحياة للضغط على "نتنياهو"، وذلك سعيًا لدفع الحكومة لإبرام الصفقة واستعادة الأسرى.
ولا شك أن تدخل "الهستدروت" سيوسع من نطاق وتأثير الاحتجاجات، لا سيما المظاهرات الكبرى في "تل أبيب"؛ فقد أشارت التقديرات لمشاركة أكثر من مائة ألف متظاهر ضد الحكومة مساء الأحد. وسينتج عن ذلك إعادة ملف صفقة استعادة الأسرى إلى الصدارة، ويزيد من الضغط على "نتنياهو". كما تزامنت تلك الضغوط الشعبية مع المواجهة الحادة داخل معسكر الحكومة، خصوصًا بين "نتنياهو" ووزير الدفاع، يوآف غالانت، الذي عارض تعنت "نتنياهو" وحلفائه في تعطيل التوصل لاتفاق لتبادل الأسرى. إلى جانب ذلك، زاد قادة المعارضة من هجومهم على حكومة "نتنياهو" بسبب فشلها في استعادة الأسرى، وهو ما دفع رئيس معسكر الدولة، بيني غانتس، لدعوة الجهمور للخروج إلى الشوارع لاستبدال "حكومة الفشل المطلق التي يسيطر عليها المتطرفون"، وهو الأمر الذي شاركه فيه زعيم المعارضة، يائير لابيد.
في السياق ذاته، سيعمق الإضراب الشامل في حال طالت مدته من أزمة الاقتصاد "الإسرائيلي"، نتيجةً للتكاليف الباهظة للحرب وتعطيل الحياة الاقتصادية في مستوطنات غلاف غزة وشمال "إسرائيل". إضافةً لذلك، فقد جاء الإضراب بعد بدء الوكالات الدولية خفض التصنيف الائتماني للاقتصاد "الإسرائيلي" وإعطائه نظرة مستقبلية سلبية. كما إن إحباط القطاعات الاقتصادية المهمة، مثل قطاع التكنولوجيا "هاي تك"، يزيد من الانقسامات داخل المجتمع "الإسرائيلي" ويوسع قاعدة الجهات المعارضة للحكومة، لا سيما وأن هناك حديثًا عن نية أصحاب هذه الشركات التفكير في خوض المعترك السياسي، إما من خلال تشكيل حزب جديد أو دعم أحد الأحزاب في المنظومة القائمة من أجل "إنقاذ إسرائيل من أزمة اقتصادية عميقة".
وبالتالي، فإن دخول "الهستدروت" على خط المظاهرات والإضرابات يعتبر تصعيدًا خطيرًا، سيعطي زخمًا كبيرًا للاحتجاجات في الشارع بعد تراجعها في الآونة الأخيرة، وسيعيد أهداف الحرب للواجهة والتي من ضمنها استعادة الأسرى. كما إنه سيعكس الانقسام العميق في الشارع "الإسرائيلي"، سواء داخل معسكر "نتنياهو" نفسه أو مع المعسكر المناوئ له، خصوصًا مع اتجاه وزير المالية "سموتريش" لخصم أجر يوم لكل مشارك في الإضراب من القطاع العام وتوجهه للمحكمة بطلب لمنع الإضراب. بالمقابل، قد يتجه "نتنياهو" إلى الهروب من الضغوط الداخلية بالقفز إلى الأمام، عبر القيام بحدث غير مألوف في إحدى الجبهات أو التصعيد على المستوى الإقليمي أو عمليات اغتيال لشخصيات بارزة.