الحدث:
أعلنت "جماعة أنصار الله" (الحوثيون) إطلاق صاروخ "باليستي فرط صوتي" جديد باسم "فلسطين 2"، استهدف عمق الأراضي "الإسرائيلية"، وتحديدًا بين "تل أبيب" والقدس. ووفقًا لتصريحات المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، فإن الصاروخ الجديد قطع مسافة 2040كلم في غضون 11 دقيقة ونصف، ليصل إلى هدفه بعد فشل منظومات الدفاع "الإسرائيلية" في اعتراضه. وتسبب الهجوم الذي وقع في منطقة غير مأهولة قرب مطار بن غوريون في أضرار مادية وأدى لإصابة تسعة أشخاص بجروح أثناء التدافع نحو الملاجئ. بالمقابل، توعد رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، جماعة الحوثي بدفع "ثمن باهظ" لأي هجوم على الأراضي "الإسرائيلية"، مؤكدًا أن "إسرائيل" تخوض معركة متعددة الجبهات ضد ما وصفه بـ"محور الشر الإيراني". في السياق ذاته، نفت إيران تورطها المباشر في هذا الهجوم، مشيرةً إلى أن الحوثيين طوروا الصاروخ بأنفسهم.
الرأي:
يمثل إطلاق هذا النوع من الصواريخ (الفرط صوتي) على تل أبيب تطورًا نوعيًا يؤكد التحول في قواعد الاشتباك بين الحوثيين والاحتلال؛ حيث أظهرت هذه العملية عدة جوانب استراتيجية، أهمها أن الجماعة أصبحت تمتلك قدرات عسكرية متقدمة تمكنها من استهداف العمق "الإسرائيلي" بشكل دقيق ومباشر. ورغم التهديدات "الإسرائيلية" بـ"الثمن الباهظ"، يبدو أن الحوثيين قد نجحوا في ترسيخ معادلة جديدة؛ فلم تعد ضرباتهم تقتصر على البحر الأحمر وبحر العرب، بل تجاوزتها إلى قلب الأراضي "الإسرائيلية".
كما يُبرز الهجوم تحولًا في توازن القوى الإقليمي؛ حيث يظهر أن الحوثيين أصبحوا أكثر ثقة في قدرتهم على مواجهة "إسرائيل"، وفرض حضورهم في معادلة الصراع الإقليمي. فلم تعد الجماعة تكتفي بالهجمات المتفرقة، بل صارت تسعى بشكل واضح إلى تغيير المعادلة الاستراتيجية من خلال استهداف نقاط حساسة في "إسرائيل"، وذلك ضمن إطار أوسع من التصعيد الذي يشارك فيه حلفاؤها في المنطقة.
من جهة أخرى، لا يمكن أن يُنظر إلى عملية إطلاق صاروخ فرط صوتي بمعزل عن المعادلة الإيرانية الأوسع؛ فرغم نفي إيران تورطها المباشر لكن هذه الأسلحة تحمل بصمة إيرانية لا يمكن تجاهلها؛ فربما تستهدف إيران تعزيز رسائل الردع الخاصة بالجبهة الشمالية التي تتزايد تهديدات العدو بالتصعيد فيها ضد "حزب الله".
من زاوية أخرى، يحمل هذا التطور أبعادًا سياسية داخلية بالنسبة للحوثيين؛ حيث يسعون من خلال هذه العمليات إلى تعزيز شرعيتهم المحلية والإقليمية. فالرسائل التي يوجهها الحوثيون عبر هذا التصعيد تتعدى حدود اليمن، لتصل إلى العالم الإسلامي، معلنين أنفسهم كقوة مقاومة قادرة على تحدي "إسرائيل" بشكل مباشر.
باختصار، ليست هذه العملية مجرد هجوم عسكري بل إعادة رسم لخريطة الصراع في المنطقة، كما إنها ترسل رسالة واضحة بأن قواعد الاشتباك لم تعد كما كانت، وأن الحوثيين أصبحوا لاعبًا لا يمكن تجاهله في معادلة الأمن الإقليمي والدولي.