الحدث:
أعلنت وزارة الصحة اللبنانية في حصيلة غير نهائية عن وفاة 20 شخصًا وإصابة أكثر من 3000 آخرين، بينهم 300 في حالة حرجة، في انفجارات متزامنة من حيث التوقيت على مدى يومين في البقاع والجنوب وبيروت، استهدفت أجهزة "البيجر" (النداء الآلي) و"ووكي توكي" اللاسلكية، التي يستخدمها عناصر "حزب الله" كشبكة اتصالات آمنة بديلة عن أجهزة الهاتف المحمول، فيما أعلنت مصادر صحية عن إصابة عدد من عناصر الحزب في مناطق متفرقة من سوريا.
الرأي:
تمثل عملية استهداف أجهزة اللاسلكي اختراقًا أمنيًا غير مسبوق على مستوى المتابعة الاستخبارية "الإسرائيلية" لإجراءات الحزب الأمنية، ومعرفة تفاصيل الشحنة اللاسلكية. كما يعد خرقًا هو الأكبر لشبكة اتصالات "حزب الله" التي تعد حجر الأساس في منظومة التحكم والسيطرة بين قياداته وعناصره على امتداد الصراع مع العدو، وهو ما سيترك أثرًا نفسيًا سلبيًا يتعلق بثقة قيادة الحزب وعناصره في مدى أمن شبكة اتصالاتهم ومستوى الاختراق الذي حققه العدو.
وقد لجأ "حزب الله" إلى منظومة الأجهزة اللاسلكية بعد ما تخلّى عن استخدام وسائل الاتصال الخاصة بالهاتف الجوال أو شبكة الإنترنت، لتقليص عمليات الاغتيال التي طالت كوادره وقادته، والذي نجح فيه إلى حد كبير، حيث تشير المعطيات والتقارير الصحفية إلى أن الحزب قد وزع ما يربو على 4000 آلاف جهاز لاسلكي حديثًا على عناصره وقيادته.
ويُعد هذا الاستهداف نقلة جديدة في المواجهة بين "الحزب" و"إسرائيل" وجولة من جولات الحرب الأمنية، وهو بلا شك ضربة نوعية استباقية من العدو متعددة الأهداف؛ تبدأ في سعيه الدائم لاستعادة صورة "الردع"، ومواصلة سياسة الحرب النفسية ضد "الحزب" وبيئته التي تأثرت بشكل كبير من هذه التفجيرات، كونها تمت في مناطق مدنية وأسفرت عن شهداء من المدنيين. كما ترسل "إسرائيل" رسالة "حازمة" ومن "تحت الحزام" للضغط على "الحزب" للإنكفاء عن جبهة "الإسناد" وتنفيذ المطالب "الإسرائيلية" بسحب قواته إلى شمال الليطاني.
ويكمن أهم الأهداف في أن تؤدي التفجيرات إلى خلق حالة من الإرباك وإحداث فجوة داخل الهيكلية الأمنية والعسكرية وحتى المدنية في "الحزب"، ما يشكل فرصة سانحة للعدو للبدء في عملية قد تكون واسعة ومركزة لاستهداف العديد من الأهداف لتقويض قدرات الحزب، لا سيما وأن التفجيرات أتت على وقع التهديدات "الإسرائيلية" بالقيام بعمليات موسعة جنوب لبنان قد تشمل دخولًا بريًا، وإعلان الجيش "الإسرائيلي" أن هناك خططًا باتتجاهزة لمهاجمة لبنان.
من جهة أخرى، وردت تقارير صحفية غربية أن قرار شن الهجوم اتخذ على عجل بعد أن ارتاب عنصران من حزب الله على الأقل في سلامة جهازي "بيجر"، مما دفع قيادة الاحتلال للتسريع بشن الهجوم قبل كشف الحزب لطبيعة الاختراق واتخاذه الاحتياطات اللازمة. وإذا صحت هذه الرواية، فهذا يعني أن توقيت الهجوم لا يرتبط مباشرة بقرار بدء عملية برية ضد لبنان، ولا يمهد لخطوات عسكرية أوسع طالما أن رد حزب الله على الهجوم سيكون محتملا.
وهكذا، تضع طبيعة العملية ونتائجها "حزب الله"، ومن خلفه إيران، أمام تحديات صعبة؛ تتمثل في آلية وكيفية ترميم وتجاوز هذا الخرق الكبير، وطبيعة ونوعية الرد، في ظل عدم رغبة "الحزب" أو إيران في الانجرار إلى الحرب، إذ إن رد "الحزب" سيحكم مسار تصعيد الأمور على جبهة جنوب لبنان.