الحدث
أعلنت وزارة الداخلية التركية إقالة رؤساء بلديات ولايتي ماردين الكبرى وباطمان وهاليفتي، على خلفية ارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب ووجود علاقات مع حزب العمال الكردستاني، وتعيين أوصياء لإدارة البلديات الثلاثة.
الرأي
تضاف إقالة رؤساء البلديات الثلاثة المنتمين إلى حزب "الديمقراطية ومساواة الشعوب" الكردي، إلى إقالة رئيس بلدية إسنيورت أحمد أوزر المنتمي لنفس الحزب من الناحية الفعلية وإن كان فاز كمرشح لحزب "الشعب الجمهوري"، والقبض عليه بذات التهم، وذلك ضمن إجراءات أمنية عقابية تواكب حملة اعتقالات بحق المشتبه بتأييدهم لحزب العمال الكردستاني عقب تبني الحزب للهجوم على مقر شركة صناعات الطيران والفضاء "توساش" في أنقرة، والذي أسفر عن مقتل خمسة أشخاص.
تناقض هذه الإقالات بحق عدد من رؤساء البلديات الأكراد، إعلان حليف أردوغان ورئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي لمبادرة تشمل السماح لعبد الله أوجلان القائد التاريخي لحزب العمال الكردستاني بالتحدث أمام البرلمان ضمن توجه حكومي لتبني نهج جديد تجاه الملف الكردي، حيث يمكن أن يفسر هذا التناقض بأحد الاحتمالات التالية:
أولا، وجود خلافات داخل مؤسسات الدولة بخصوص توجّه المصالحة، بين من يدفع باتجاه المضي فيها، وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان نفسه وحليفه بهتشلي، وبين من يعمل على عرقلتها من ذوي التوجهات القومية المتشددة داخل المؤسسات الأمنية باستخدام مظلة القانون وسيف التحقيقات. لكن يقلل من احتمالية هذا التفسير صعوبة اتخاذ إجراءات بحق أشخاص بوزن أحمد أوزر رئيس بلدية إسنيورت الأكبر في تركيا من حيث عدد السكان، أو رئيس بلدية ماردين أحمد ترك الذي حضر قبل أيام قليلة من عزله حفلا مع جودت يلماظ نائب الرئيس التركي للصلح وإنهاء ثأر بين عشيرتين، دون ضوء أخضر من القيادة السياسية. كما أنه لا توجد مؤشرات على إمكانية تحدي الأجهزة الأمنية لسياسات أردوغان في الملفات الرئيسية، خصوصا بعد التغيرات الجذرية التي أجريت في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة.
لذلك؛ فإن الاحتمال الثاني الذي يبدو مرجحاً يشير إلى أن الحكومة تتريث في المضي في مبادرتها بعد الهجوم على توساش في أنقرة، والذي يعكس تبايناً داخل القيادة الكردية السياسية والعسكرية تجاه الاستجابة للتوجه الحكومي، ومن ثم تلجأ الحكومة إلى إجراءات للتشديد على أن مبادرة بهتشلي لم تأت من موطن ضعف، وأن لديها خيارات أخرى. أي أن إقالة رؤساء البلديات لا تعني موت مبادرة المصالحة، وبالأخص في ظل وجود استحقاقات مثل صياغة دستور جديد يمكن أن يكفل للأكراد حقوقهم مقابل إلقاء السلاح، وإنما تمثل خطوة للضغط والتفاوض من موطن قوة. ويعني هذا أيضا أن مسار المصالحة مازال يواجه تحديات وأن احتمالات تعثره تظل قائمة في ظل قدرة القادة الأكراد العسكريين خارج تركيا على إفشال تلك المساعي، حتى لو غلب على القادة السياسيين الأكراد الميل لاتخاذ موقف إيجابي.
في المقابل، تعمل أحزاب المعارضة على توظيف إقالة رؤساء البلديات المنتخبين وتعيين أوصياء بدلا منهم، في اتهام الحكومة بالديكتاتورية. ولكن في ذات الوقت يلاحظ وجود خلافات داخل حزب الشعب الجمهوري تجاه ما يحدث بين الجناح القومي بالحزب وبقية المكونات، حيث صرح رئيس بلدية أنقرة، لطفي ساواش المنتمي لحزب الشعب الجمهوري، لكنه من خلفية قومية، بأنه "يجب على الأحزاب أن تترك سياسة ترشيح أشخاص مشبوهين في تحدٍّ للحكومة ومؤسسات الدولة".