الحدث
استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع وفدًا تركيًا ضم وزير الخارجية ووزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات، وذلك عقب زيارتين منفصلتين لقائد القوات البرية ورئيس الأركان العامة التركية، شملت لقاءات مع وزير الدفاع السوري ورئيس الأركان، وتفقد مركز العمليات المشتركة السوري التركي.
الرأي
تندرج هذه اللقاءات ضمن مسار بحث حزمة من الملفات الاستراتيجية، يتقدمها ملف متابعة تنفيذ اتفاق 10 مارس/ آذار بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مع اقتراب المهلة الزمنية المحددة لإنفاذه بنهاية عام 2025. كما تشمل المباحثات تقييم التهديدات المتصاعدة في جنوب سوريا على خلفية الاعتداءات "الإسرائيلية"، وتعزيز آليات التنسيق لمنع إعادة تشكّل تنظيم داعش، فضلًا عن دعم جهود إعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة السورية.
في هذا السياق، تتمسك أنقرة بمقاربة صارمة تقوم على تفكيك قسد، وترفض أي صيغ دمج تُبقي على وحدات متماسكة أو تشكيلات مستقلة داخل بنية الجيش السوري. في المقابل، تُقرّ دمشق بضرورة معالجة ملف قسد وإنهائه، لكنها تدرك في الوقت ذاته أن فرض حل قسري قد يفضي إلى انفجار واسع يصعب احتواؤه. ومن هنا، تدرس القيادة السورية مقاربة أكثر مرونة، تقوم على دمج قسد ضمن ثلاث فرق عسكرية نظامية، مع تقليص صلاحيات قيادتها وإخضاعها لإشراف مباشر من وزارة الدفاع.
وتكشف الاشتباكات المتكررة في مدينة حلب بين القوات الحكومية السورية وقسد عن عمق المأزق القائم، إذ تعكس مستوىً مرتفعًا من انعدام الثقة بين الأطراف، وتُنذر بإمكانية انزلاق المشهد نحو سيناريوهات أكثر خطورة في حال تعثر مسار الدمج. وفي هذا الإطار، يبدو التلويح بالخيار العسكري كأداة ضغط تهدف إلى دفع المفاوضات نحو صيغة تُفضي إلى تفكيك البنية التنظيمية لقسد. وعليه، تتزامن الزيارات التركية مع مؤشرات ميدانية توحي باستعدادات لعملية عسكرية محتملة في شمال شرق سوريا، في ظل اتهام أنقرة لقسد بالمماطلة وعدم إبداء الجدية الكافية في تنفيذ بنود الاتفاق.
في المحصلة، يبقى نجاح المسار التفاوضي مرهونًا بالقدرة على بلورة صيغة واقعية لدمج قسد ضمن الجيش السوري دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، وبمدى قدرة دمشق على بسط سلطتها بشكل تدريجي. أما في حال فشل هذا المسار، فإن الخيار العسكري سيغدو الاحتمال الأرجح، رغم ما ينطوي عليه من مخاطر قد تتجاوز الساحة السورية، لتطال معادلات الأمن والاستقرار على المستوى الإقليمي.