احتواء منقوص للخلاف الخليجي يقابله تعزيز للشراكات الأمنية والاقتصادية مع الاحتلال
سيُخيّم على الأشهر القادمة خطوات تطبيع العلاقات السعودية القطرية، خاصة وأن الرياض كانت حاسمة في التأكيد على طي الخلاف، حيث ستكون هناك خطوات تدريجية تدعوا للتفاؤل لكنها غير كافية لتبديد المسائل الخلافية الأعمق لدول الحصار. إذ ليس من المتوقع أن نشهد حماسة من الإمارات ومصر بنفس المستوى، وستكون أولويتهما منصبّة على استئناف حركة النقل والتجارة على المدى القريب، دون تحدٍ صريح لموقف السعودية، في حين أن الانعكاس الأهم للمصالحة على الصعيد الإقليمي قد يكون احتواء التوترات السعودية التركية. لكن، وحتى مع الأخذ في الاعتبار تغيّر الإدارة الأمريكية، فإنه ليس من المتوقع أن تتغيّر بشكل جوهري نظرة السعودية والإمارات تجاه النفوذ التركي، وستظل السعودية والإمارات، جنبًا إلى جنب مع مصر ودولة الاحتلال، يتبنون أجندة إقليمية تستهدف الحد من هذا النفوذ. كذلك، سيهيمن على الأشهر القليلة القادمة سعي دول الخليج لاختبار نوايا الإدارة الأمريكية الجديدة، خاصة في ملفات إيران وحرب اليمن، بينما ستنشط تحركات مجموعات الضغط الموالي للإمارات والسعودية وقطر لضمان الوقوف مبكراً على سياسات إدارة "بايدن"، والسعي لتجنب أي مفاجآت.
التوقعات الخليجية من التحالف مع "إسرائيل" تبدو مرتفعة للغاية، لدرجة أن "إسرائيل" لن تكون قادرة على الوفاء بها، إلا أنه سيبقى تحالفًا فضفاضًا يهدف، من وجهة نظر السعودية والإمارات والبحرين، إلى عرقلة إيران وموازنة الدور التركي. وسيعزز قرار انضمام "إسرائيل" لقيادة المنطقة الأمريكية الوسطى سبل التعاون العسكري في هذا السياق، إلى جانب ما تحتاجه الدول الثلاث من خبرات الاحتلال الأمنية عالية التقنية للحفاظ على استقرارها الداخلي ضد المعارضة. وستعمل الإمارات بشكل خاص على تسريع الوصول إلى مجالات التكنولوجيا المتقدمة التي تتميز بها "إسرائيل"، خاصة في الأمن السيبراني ومجال الزراعة وتكنولوجيا المياه، ومن ثم سيستمر خلال الأشهر القادمة تأسيس الشراكة الاستراتيجية بين الحكومتين من خلال اتفاقيات التعاون والتنسيق في مجالات أمنية واقتصادية وتجارية.
هيمنة جهود احتواء تفشي كورونا وتداعياته الاقتصادية على المشهد الداخلي الخليجي
ستكون الإمارات وقطر والكويت الأسرع في احتواء الفيروس، وربما مع نهاية الأشهر الثلاثة القادمة، بينما ستحتاج السعودية فترة أطول، وهو ما يجعل الأشهر القادمة عمومًا امتداداً لفترات الإغلاق المتقطع وتدابير التباعد الاجتماعي التي تقيّد أنشطة الاقتصاد خاصة السفر والسياحة. ومن غير المرجح أن يخترق النفط مستوى 60 دولارًا للبرميل، في أكثر التقديرات تفاؤلاً، ما يمثل انتعاشًا جزئيًا لن يؤثر بشكل ملموس على تحسين السيولة بالعملات الأجنبية لدى غالبية دول الخليج.
ونتيجة للعجز المالي الكبير خلال عام 2020، خصوصًا في الكويت وسلطنة عُمان ثم السعودية، ستعطي دول مجلس التعاون الأولوية لضبط الأوضاع المالية العامة من أجل تحفيز النمو الاقتصادي، وستفرض مزيداً من القيود والضرائب الإضافية. ومع ذلك، ليس من المتوقع أن يؤدي الضبط المالي إلى اندلاع اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق في أي من دول مجلس التعاون، لكن قد يؤدي، في بعض الحالات، إلى تأجيج السخط الاجتماعي وأعمال احتجاجية محدودة متفرقة. من جهة أخرى، ستتواصل بشكل حاسم جهود حكومات الخليج لتوطين القوى العاملة، وبينما تُظهر دولة الإمارات على وجه الخصوص مرونة فيما يتعلق بسياسات "التوطين" لجذب العمالة الوافدة الأثرياء وذوي المهارات العالية، سيظل تطبيق السعودية والكويت لنظام حصص العمالة أكثر صرامة بشكل ملحوظ.