تنوّع في علاقات مصر الخارجية وتقييم لسياستها الإقليمية تزامنا مع إدارة "بايدن"
اعتمد "السيسي" في علاقاته الخارجية خلال السنوات السابقة على علاقات اقتصادية قوية مع الصين، وعلاقات أمنية وعسكرية مع روسيا ودول أوروبية خاصة ألمانيا وفرنسا، وهو النهج الذي سيعتمد عليه في مواجهة أي ضغوط محتملة من إدارة "بايدن"، خاصة وأنها ستظل ضغوطاً لا تمس جوهر الشراكة المصرية الأمريكية. وفي ليبيا، سيظل "حفتر" هو حليف مصر الأساسي، ولن يحد من دعم القاهرة له سعيها لترميم العلاقات مع حكومة الوفاق في طرابلس. إلا أن الهاجس الإقليمي الأساسي لمصر سيظل هو الحد من نفوذ تركيا المتصاعد؛ عن طريق تعزيز التحالفات المضادة وتنويع الشراكات الإقليمية مثل دول الخليج والعراق واليونان والسودان ودولة الاحتلال. أما مؤشرات التهدئة التي ظهرت مؤخرا بين البلدين فإنها لا تعكس أي اتجاه لإنهاء التنافس الإقليمي، ولكنها فقط تعكس رغبة الطرفين في تجنب الصدام المباشر. وفيما يتعلق بملف المصالحة الخليجية، ستكون مصر مضطرة للاستجابة للموقف السعودي، لكن هذا لن ينعكس سريعاً على طبيعة العلاقات المصرية القطرية، وستكون القاهرة مضطرة بين الحين والآخر للتعبير عن عدم رضاها عن التزام قطر بمتطلبات بناء الثقة. وبشكل براغماتي، قد تربط تطور موقفها بامتيازات استثمارية تقدمها قطر.
في ملف سد النهضة، ستحرص مصر على الدفع بتبني إدارة "بايدن" من اللحظة الأولى نفس موقف الإدارة السابقة، ومن المحتمل أن تضطر القاهرة إلى التنازل عن بعض حقوقها المطلقة في مياه النيل، مقابل قبول إثيوبيا ببعض التدابير بما يوفر جزئيًا لمصر الأمن المائي خصوصًا في سنوات الجفاف. من جهة أخرى، ستواصل مصر تعزيز العلاقات التجارية والدفاعية مع السودان من أجل تعزيز موقفها التفاوضي، إذ ليس من المستبعد أن تسعى مصر للاستفادة من التوترات العسكرية الحدودية بين إثيوبيا والسودان، إضافةً للتوترات الداخلية التي تواجه أديس أبابا، كي تزيد الضغط على حكومة "آبي أحمد" بما يعطل قدرتها على المضي قدما في المشروع، إلا أن احتمالات نجاح مثل هذه الجهود محدودة، فضلًا عن كونها مؤقتة.
استمرار التراجع الاقتصادي واحتجاجات محدودة دون تهاون حكومي مع المعارضة
من المحتمل أن تعاني البلاد من موجة تفشي فيروس "كورونا" خلال الشتاء، خاصة وأن جهود التطعيم من المرجّح ألا تحقق تقدمًا حتى منتصف العام على الأقل. وفي ظل استمرار معاناة الاقتصادات الكبرى والقيود المفروضة على غالبية دول أوروبا والخليج، لا يُتوقع أن تشهد حركة السياحة في مصر أي تقدم خلال الربع الأول، ما يعني مزيداً من الضغوط على مصادر الدخل الأجنبي وارتفاعاً في معدلات البطالة، وذلك لأن قطاع السياحة يُسهم بـ 5% من الناتج المحلي و10% من سوق العمل. من جهة أخرى، سوف تستمر خلال الأشهر القادمة خسارة آلاف العمّال المصريين في دول الخليج لوظائفهم مع تشديد إجراءات التوطين، وبالتالي من المتوقع حصول احتجاجات متفرقة، خاصة لأسباب اقتصادية، لكن سيتم احتواؤها بسرعة من خلال الإجراءات الأمنية القاسية. وليس من المتوقع أن تبدي الحكومة أي تهاون مع تحركات المعارضة أو أي أنشطة مناوئة حتى بعد استلام "جو بايدن" الرئاسة الأمريكية. أما هجمات تنظيم ولاية سيناء الآخذة في التصاعد، فمن المرجح أن تستمر وربما تزداد وتيرتها لكن دون تغيير في استراتيجية التنظيم الرئيسية القائمة على هجمات محدودة، وليس عمليات اشتباك واسعة.
ستواصل الحكومة التركيز على مشروعات البنية التحتية، وبالتالي ستظل معتمدة على التوسع في عملية الاقتراض، خصوصاً مع التزاماتها الكبيرة بالسداد خلال 2021. ومع تنوّع هيكل الاقتراض الحالي، يرجح أن تكون الحكومة قادرة على إدارة ديونها بشكل جيد في الأشهر القليلة القادمة. لكن الانكماش الاقتصادي المطوّل قد يحد من قدرة مواصلة الاستفادة من هذه المصادر في 2021. وعليه، قد تشهد الأشهر القادمة تقلباً في سعر الصرف.