انقلاب "سعيد الناعم على الديمقراطية

انقلاب "سعيد" الناعم على الديمقراطية

الساعة : 12:30
28 يوليو 2021
انقلاب

حدث

في مشهد مثير للجدل، خرج الرئيس التونسي، قيس سعيد، مُحاطًا بمجموعة من القيادات الأمنية والعسكرية في "قصر قرطاج"، ليُعلن في 25 يوليو "انقلابًا ناعمًا" تضمّن تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإقالة رئيس الحكومة، هشام المشيشي، على أن يتولى الرئيس نفسه السلطة التشريعية والتنفيذية بالتعاون مع رئيس حكومة يُعينه. كما أعلن عن إقالة كلًا من وزيري الدفاع والعدل، فضلًا عن إعلان ترؤسه للنيابة العمومية بدعوى "متابعة ملفات تمس أمن البلاد، ملوّحًا باستخدام القوة العسكرية للجيش والقوات الأمنية ضد خصومه.

تزامن ذلك مع خروج تظاهرات طالبت بإسقاط الحكومة والبرلمان احتجاجًا على الجمود السياسي واتهام الحكومة بسوء إدارة أزمة "كوفيد 19"، تضمنت هجمات على مقرات "حركة النهضة" دون أي مقاومة تذكر من طرف الأجهزة الأمنية التي باتت فعليًّا تحت إشراف رئيس الجمهورية بعدما أعلن توليه رئاسة قوات الأمن الداخلي والقائد الأعلى للقوات المسلحة بمناسبة الذكرى الـ65 لتأسيسها، في إشارة تعزز مصداقية "وثيقة مسربة" عن مكتب الديوان الرئاسي تم الكشف عنها مؤخرًا تحدثت عن تدبير "انقلاب" على حكومة "المشيشي"، وتفعيل المادة (80) من دستور 2014 التي تسمح للرئيس باتخاذ (تدابير استثنائية في حال وجود خطر داهم). وأوضحت الوثيقة أنه من تلك التدابير تكليف مدير الأمن الرئاسي، خالد اليحياوي، بالإشراف على وزارة الداخلية بالنيابة، علاوةً على مهامه كمدير عام للإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية.

بدوره، أعلن "المشيشي" أنه غير متمسك بمنصبه، متعهدًا بتسليم المسؤولية لمن يختاره "سعيد" رئيسًا للحكومة لتجنيب البلاد مزيدًا من الإحتقان. بالمقابل رفض رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، قرارات "سعيد"، ووصفها بأنها انقلاب على الثورة والدستور، داعيًا الشعب إلى التظاهر لحماية المؤسسات المنتجة. فيما طالب الاتحاد العام للشغل بـ"وجود مرافقة التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس بجملة من الضمانات الدستورية". وتوالى انقسام الكتل والأحزاب بين مؤيد ومعارض، حيث انضم حزب "قلب تونس" وائتلاف "الكرامة" لـ"حركة النهضة" في رفضهم التام ودعوة انصارهم لحماية الثورة، بينما رحب حزب "الدستوري الحر" و"التيار الديمقراطي" بقرارات "سعيد" ووصفها بالتاريخية.

رأي

يستغل "سعيد" المناخ العام في تونس الساخط على الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد، والتأييد الضمني لإجراءاته في إقصاء الإسلاميين عن الحكم من قبل دول إقليمية (مصر والإمارات والسعودية) ودولية (فرنسا). ومن المرجّح أن يسعى "سعيد" لاستغلال الظرف لتعزيز صلاحياته وتوسيعها في السياسة الداخلية، إضافة للخارجية التي يحفظها له الدستور، ويبدو أن قوى الأمن الداخلي وسلطة النيابة العمومية ستكونان أداة رئيس الجمهورية القوية في وجه خصومه السياسيين، في حين لم تبرز حت الآن مؤشرات عن تغير جذري في دور الجيش التونسي المهني والمحايد تاريخيَّا.

ستكون الأحزاب المعارضة، وبخاصة "حركة النهضة" في دائرة الاستهداف في الأسابيع القادمة، بما في ذلك التلويح بتحقيقات قانونية حول "ملفات فساد" واتهامات بالقيام بأنشطة "مزعزعة" للاستقرار، وسيشهد الشارع التونسي مزيدًا من الاحتجاجات من قبل أنصار الطرفين وربما بعض مظاهر العنف. لكن المسار العام لتونس والأطول أجلًا سيبقى معتمدًا على تحركات "سعيد" المقبلة، وبخاصة فيما يتعلق بشخص رئيس الحكومة المُكلف إن كان تكنوقراطًا أو ذو خلفية أمنية وعسكرية، وفي استعداده لفتح حوار سياسي مع القوى الفاعلة الرئيسية لإعادة تقاسم السلطة التنفيذية، فيما سيكون للقوى الدولية والإقليمية (التي اختارت غالبيتها التريث حتى الآن)، دور أوسع وأكثر تأثيرًا في حال طالت الأزمة.