الحدث:
أقدمت امرأة تونسية على سكب البنزين على نفسها وأطفالها أمام مقر الولاية بالعاصمة تونس، مهددةً بحرق نفسها بسبب الأوضاع المعيشية، وذلك تزامنًا مع استمرار الاحتجاجات الشعبية اعتراضًا على تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية. وتوسعت دائرة الغضب الشعبي لتشمل موظفي القطاعات الحكومية، بسبب التأخر في صرف رواتب أكثر من 670 ألف موظف، واعتراضًا على زيادة الأسعار وعدم توفر المواد الأساسية بالأسواق. كما سجلت البلاد ارتفاعًا جديدًا في معدلات التضخم وصل إلى أكثر من 9.2%، وارتفاعًا بمؤشر أسعار المواد الغذائية بنسبة 0.8%، وسط استمرار تذبذب وفرة السلع الأساسية.
الرأي:
لم تكن محاولة الانتحار هذه الأولى في تونس احتجاجًا على الأوضاع المعيشية؛ حيث تأتي كنتيجة متوقعة لتدهور أوضاع البلاد الاقتصادية والمالية والسياسية. فمنذ حادثة "محمد البوعزيزي"، مرورًا بالصحفي "عبد الرزاق الزرقي" الذي أضرم النار في نفسه عام 2018، وإقدام أكثر من 45 شخصًا على الانتحار حرقًا، تضاعف عدد حالات الانتحار ثلاث مراتٍ في تونس، ما يشير إلى أنّ ظاهرة الانتحار حرقًا أمام العامة أصبحت أمرًا معتادًا للتعبير عن الغضب والاحتجاج.
ورغم توصل الحكومة التونسية لاتفاق مع صندوق النقد الدولي في الـ15 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بشأن قرض قيمته حولي 1.9 مليار يورو لمدة أربع سنوات، وإعلان الاتحاد الأوروبي عن خطط للإفراج عن 25 مليون يورو لمساعدة تونس لتقليل اعتمادها على واردات الحبوب، وتخصيص صندوق بقيمة 44.4 مليون يورو لـ"AICS"، لتعزيز انتقال قطاعات الزراعة نحو "أنظمة إنتاج مستدامة"، إلّا أنّ هذه التسهيلات من غير المرجح أن تُساعد كثيرًا في تخطي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة، كون البرامج المقترحة من صندوق النقد لا تعطي أولوية للبطالة التي وصلت مؤخرًا إلى 15.3%، إنما لبعض الاصلاحات التي تشمل توسيع القاعدة الضريبية واحتواء النفقات.
وأمام هذا الواقع، فإن خطط الحكومة برفع الضريبة وتنفيذ توصيات الصندوق، ستواجَه بسخط اجتماعي وشعبي متزايد، وهذا من شأنه أن يُبقي مستوى عدم الرضا الاجتماعي عاليًا، ويتيح فرصًا لأحزاب المعارضة التي ترفض الإصلاحات وخفض الدعم وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، لاستغلال الأوضاع من خلال تعبئة الشارع، ومن ثم فإن احتمال عودة الاحتجاجات والتدهور الأمني المجتمعي لا يبدو مستبعدًا.