الحدث:
أعلنت السعودية وإيران في العاشر من آذار/ مارس الجاري عن اتفاق، وقّعه كل من الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، ومستشار الأمن الوطني السعودي، مساعد بن محمد العيبان، في بكين، ينص على تبادل السفراء بين البلدين في غضون شهرين، وعقد لقاء على مستوى وزيري الخارجية لبحث إجراءات عودة العلاقات بينهما.
الرأي:
يمثل الاتفاق من الزاوية الأمنية مكسبًا لطهران التي تعاني من عقوبات غربية متزايدة على خلفية دعمها لموسكو بطائرات مسيرة في حرب أوكرانيا، فضلًا عن أزمات داخلية في مقدمتها تراجع سعر صرف العملة المحلية للمرة الأولى في نهاية شباط/ فبراير الماضي إلى 60 ألف تومان للدولار الواحد، وهو ما ألقى بظلال قاتمة على الأوضاع المعيشية للمواطنين، وهدد باحتمال اندلاع احتجاجات مجددًا، إضافةً لتزايد وتيرة الهجمات المسلحة داخل إيران، خصوصًا في محافظة بلوشستان. وبالفعل، انعكس توقيع الاتفاق على تحسن سعر صرف العملة الإيرانية، والتي ارتفعت قليلًا بعد زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى طهران خلال الشهر الجاري، ثم وصلت بعد الاتفاق إلى 44 ألف تومان مقابل الدولار، ما ساهم في استقرار سوق الصرف وكبح موجة تضخم الأسعار.
وبحسب المعلومات المتاحة نقلًا عن مصادر سعودية وإيرانية، فقد تضمن الاتفاق تعهدًا من الرياض بتخفيف حدة التغطية التلفزيونية التي تقوم بها قناة "إيران الدولية" الممولة سعوديًا للشأن الإيراني، التي تصنفها إيران ككيان إرهابي بسبب تغطيتها الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الشابة "مهسا أميني" العام الماضي، والتي اعتبرتها طهران تحريضية. كما تعهدت الرياض بالحد من الدعم لبعض الجماعات المسلحة الناشطة داخل إيران مثل "جيش العدل"، بينما تعهدت طهران من طرفها بتشجيع الحوثيين على وقف شن هجمات على السعودية من اليمن. من جهة أخري، قد يفتح توقيع الاتفاق الباب أمام تفاهمات بين البلدين في ملفات لبنان وسوريا واليمن، لكنه يظل معرضًا لانتكاسات في ظل وجود خلافات عميقة بينهما، وإمكانية تدخل أطراف خارجية مثل واشنطن وتل أبيب لإفشاله.
على صعيد آخر، يمثل الاتفاق أيضًا تحديًا للمساعي الأمريكية الهادفة لتدشين تحالف إقليمي بين دول الخليج و"إسرائيل" ضد إيران؛ حيث يفتح الباب أمام المزيد من تحسن العلاقات الخليجية الإيرانية، ويعزز من موقف حكومة الرئيس "إبراهيم رئيسي"، التي تراهن على سياسة "التوجه شرقًا" نحو الصين وروسيا في مواجهة الحصار الأمريكي والغربي، لكن ليس من المتوقع أن نرى تراجعًا خليجيًا عن نهج تطوير العلاقات الأمنية مع "إسرائيل".
أخيرًا، يعزز الاتفاق من رصيد الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، وقدرته على إدارة ملف العلاقات الخارجية من زاوية أمنية، وذلك بعد أن سرت أقاويل خلال الشهور الماضية حول احتمال إقالته، عقب ورود اسمه في قضية تجسس مساعد وزير الدفاع الأسبق، محمد علي أكبري، وهو ما استدعى من "وكالة نور للأنباء" المقربة من مجلس الأمن القومي نشر خبر ينفي نية "شمخاني" الاستقالة.