الحدث:
أفاد مسؤولون مصريون كبار بتعثر مفاوضات تجريها تل أبيب مع القاهرة بشأن تشديد الرقابة على الحدود بين مصر وقطاع غزة، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في السابع من كانون الثاني/ يناير الجاري. فقد طلبت "إسرائيل" من مصر تركيب أجهزة استشعار (مجسات) على طول محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، لتنبيه سلطات الاحتلال في حال حاولت "حماس" إعادة بناء الأنفاق وشبكة التهريب بعد الحرب. وقال المسؤولون إن "إسرائيل"، التي كانت تسيطر على المحور قبل 2005، طلبت أن تزودها مصر بإخطارات مباشرة حين يتم تشغيل أجهزة الاستشعار، وأن يكون لتل أبيب الحق في إرسال طائرات استطلاع بدون طيار إلى المنطقة"، وأضافوا أن مصر قالت إنها ستدرس إضافة أجهزة الاستشعار، لكن تزويد "إسرائيل" بإخطارات مباشرة أو الموافقة على أن ترسل طائرات بدون طيار سيكون "انتهاكًا للسيادة المصرية". كما أكد المسؤولون أن المفاوضات التي تبلورت خلال الأسبوعين الماضيين عالقة حاليًا بشأن هذه القضية.
الرأي:
من المرجح أن تتمسك سلطات الاحتلال باستعادة سيطرتها على محور صلاح الدين، باعتبار أن ذلك يخدم أهدافًا أمنية وأخرى دعائية؛ فبالنسبة للأهداف الأمنية طويلة الأجل، فإنها تتمثل في ضمان مراقبة جيش الاحتلال لكامل الحدود ووقف أي عمليات تهريب أسلحة محتملة، لما يفترض أن يكون ضروريًا لحركة "حماس" كي تعيد بناء قوتها العسكرية بعد الحرب. أما الهدف الدعائي فهو تقديم "إنجاز ميداني" للحرب الراهنة التي تبدو منجزاتها الميدانية غامضة وغير مقنعة للجمهور "الإسرائيلي"، باستثناء الدمار الواسع وتهجير سكان القطاع من منازلهم.
وكما أشار مركز "صدارة" في تقدير سابق، فإن مصر لن تعارض بصورة جوهرية مساعي الاحتلال لاستعادة السيطرة على محور صلاح الدين، لكنّ المخاوف المصرية تتعلق باحتمال ارتباط ذلك بخطط التهجير، كما إن المطالب "الإسرائيلية" المشار إليها ليس من المتوقع أن تستجيب لها مصر بصورة كاملة، وإن كان من المرجح أن يتوصل الجانبان لاحقًا لترتيبات مشتركة.
من جهته، يتصرف الجانب المصري باعتباره غير قادر على منع خطط الاحتلال دون الدخول في مواجهة مباشرة، ومن ثم فإنه ينطلق دائمًا من موقع رد الفعل والسعي للتكيف مع "الواقع" الذي يفرضه الاحتلال ومحاولة الحد من الخسائر، وذلك مقابل اندفاع وإصرار "إسرائيلي" لاستعادة الردع الأمني المنهار. لذلك، لن يكون من المفاجئ أن ينتزع الاحتلال تنازلات مصرية لا يمكن تقديرها الآن بدقة، لكنّه على الأرجح سيتمتع بقدر من الامتيازات الأمنية في المنطقة الحدودية.
في هذا السياق أيضًا، تجدر الإشارة إلى أن مصر تفتقر للقدرات التكنولوجية اللازمة لتأمين الحدود بالمعايير التي يطلبها الاحتلال، وهو ما يعني أن هذه التجهيزات ستكون في الأساس "إسرائيلية"، ما سيعطي الاحتلال ميزة إضافية لإحكام سيطرته على الحدود.
في الوقت نفسه، ليس من المتوقع حتى الآن أن تكون عملية إعادة سيطرة الاحتلال على محور صلاح الدين سهلة أو خالية من المقاومة الفلسطينية، وهو ما يفتح المجال لمزيد من الأعباء الأمنية التي تتحسب لها القاهرة، والتي ستجعل من المنطقة الحدودية مسرح مواجهات مستمرة بين الاحتلال والمقاومة.