معهد مسجاف يطلق مشروع إسرائيل 2.0 لتقييم الوضع بعد الحرب وصياغة رؤية مستقبلية كبرى للكيان

الساعة : 13:00
30 ديسيمبر 2024
معهد مسجاف يطلق مشروع إسرائيل 2.0 لتقييم الوضع بعد الحرب وصياغة رؤية مستقبلية كبرى للكيان

المصدر: مسجاف إنستيتيوت

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

شرح فكرة وأهداف المشروع:

أطلقت "مؤسسة مسجاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية" مشروع "إسرائيل 2.0"، الذي يهدف لوضع رؤية وأسس مفاهيمية محدثة لدولة "إسرائيل" خلال العقود القادمة. وتكمن أهمية المشروع في الأثر الكبير لغزو السابع من أكتوبر 2023 (شباط توراة)، والذي يمثل كارثة ستظل محفورة في الوعي الجمعي الوطني "الإسرائيلي" للأجيال القادمة؛ فـ"إسرائيل" ما بعد السابع من أكتوبر ليست كما كانت قبله، ولن تكون قادرة على العودة لما كانت عليه، فقد قلب هذا الغزو قائمة طويلة من الافتراضات الأساسية والنماذج التاريخية التي كانت جوهرًا للأمن القومي "الإسرائيلي".

فالعديد من هذه النماذج لم تعد تناسب الواقع الجديد الذي تواجهه "إسرائيل" الآن؛ حيث  لم تعد تتيح فرصة لتطوير الأدوات والأفكار اللازمة لضمان وجود وأمن وازدهار دولة "إسرائيل"، في ظل الظروف الجديدة التي تشكلت. فالحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر ليست مجرد حرب بين "حماس" و"إسرائيل"؛ إنها حرب إقليمية تُخاض على ست جبهات نشطة بمستويات مختلفة من الشدة؛ قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق واليمن.

وقد يكون أحد أسباب الهجوم هو محاولة وقف أو عكس عملية بناء هيكلية إقليمية قائمة على تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية في المنطقة، خصوصًا السعودية. ونظرًا لأن واشنطن ترى في هذا النظام الإقليمي الجديد مصلحة استراتيجية أمريكية ذات تأثير إيجابي على مكانتها الدولية، فإن الحرب تؤثر أيضًا على المشهد الدولي. فروسيا والصين، اللتان تنافسان الهيمنة الأمريكية العالمية، اختارتا دعم محور المقاومة الذي هاجم "إسرائيل"، في محاولة لإضعاف الولايات المتحدة وزعزعة مصالحها الحيوية وإضعاف مكانتها العالمية، وخلق نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يمكنهما فيه ممارسة نفوذهما كقوتين عالميتين.

قضايا تحتاج إلى دراسة وإعادة نظر:

يمكن طرح عدد من الافتراضات الأساسية حول مستقبل "إسرائيل" والتي تتطلب إعادة تقييم، وهي مجرد أمثلة على قضايا تحتاج إلى دراسة وتحليل عميقين:

·      يجب النظر فيما إذا كان الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني ذا طبيعة إقليمية وقابل للحل عن طريق تقسيم البلاد، أم إنه صراع "وجودي-هوياتي" لا يمكن حله في الوقت الراهن، وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يجب فعله في ضوء هذا الفهم؟

·      تجب أيضًا دراسة إذا ما كانت "إسرائيل" قادرة حقًا على ردع أعدائها الذين يتسلحون لتدميرها، أم إنها غير قادرة على الصمود في مواجهة محور المقاومة. في هذا السياق، من الضروري إعادة التحقق من مفهوم "الجدار الحديدي" وتكييفه مع الظروف المتغيرة وخصائص التهديدات الوجودية.

·      إن تشكيل رؤية محدثة لـ"إسرائيل" يتطلب أيضًا فحص الجيش "الإسرائيلي"، في ضوء الإخفاقات التي ظهرت بوضوح يوم السبت الرهيب (السابع من أكتوبر)، وسيكون من الضروري هنا فحص حجم وهيكلة الجيش، بما في ذلك حجم وتجهيز وتدريب قوات الاحتياط. كما يجب القيام بدراسة عملية ترقية الضباط للمناصب المختلفة وتدريبهم وفترة خدمتهم، كما يستحق نموذج التجنيد تعريفًا جديدًا، إلى جانب إعادة تعريف طبيعة نموذج "جيش الشعب".

·      عنصر آخر يجب فحصه وتحديثه، يتعلق بالتخطيط التشغيلي للجيش وتكييفه مع نطاق التهديدات التي تواجهها "إسرائيل"، وفوق كل ذلك تجب مراجعة العلاقة بين الجيش والمجتمع "الإسرائيلي" والنظام المدني، مع تعزيز الرقابة المدنية وتحسين أداء الجيش.

·      إن إعادة النظر في رؤية "إسرائيل" للمستقبل تتطلب دراسة متعمقة لكل ما يتعلق بالأمن الداخلي العام؛ حيث يجب تطوير خطة شاملة لحماية المجتمعات "الإسرائيلية"، بما في ذلك دمج وتنسيق وحدات الرد السريع مع الشرطة، ووكالات الطوارئ والإنقاذ، وقوة الحرس الوطني (بعد تشكيلها)، ومع الجيش "الإسرائيلي"، خصوصًا فيما يتعلق بالبلدات الحدودية، كما يتطلب حجم وهيكلة ومفهوم تشغيل الحرس الوطني الجديد اهتمامًا جادًا.

·      إن التعبئة المدنية للدفاع عن المجتمعات المحلية تتطلب تغييرات في الأخلاق الوطنية، مع تعزيز مفهوم "الأمة المعبّأة"؛ ويشمل الأمن الداخلي التعامل مع الجرائم العنيفة والممتلكات، والجريمة المنظمة، والجرائم الزراعية، والهجرة غير القانونية وغير المنضبطة، والعديد من الجوانب الأخرى.

·      تتطلب الرؤية المحدثة لـ"إسرائيل" فهمًا بأن استيطان الأرض وزراعتها له دور رئيسي، ليس فقط في سياق الأمن الوطني أو المحلي، لكن أيضًا كقيمة أساسية في الحفاظ على السيادة الوطنية.

·      إحدى القضايا الرئيسة التي تتطلب الدراسة هي طبيعة العلاقات "الإسرائيلية"-الأمريكية؛ فقد تجلى الانخراط العميق للولايات المتحدة بمشاركتها الفعالة في اجتماعات مجلس الحرب "الإسرائيلي"، عبر وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين. كما إن التغيرات الديموغرافية والسياسية في الولايات المتحدة تتطلب اهتمامًا بمستقبل العلاقات مع واشنطن، مع الحفاظ عليها كركيزة أساسية للأمن القومي "الإسرائيلي". وينطبق ذلك أيضًا على المساهمة الأمريكية في ردع "حزب الله" وإيران، من خلال نشر القوة العسكرية سريعًا في المنطقة وتشكيل تحالف لحماية الملاحة في البحر الأحمر.

·      قد تكون التدخلات الأمريكية قد ساعدت "إسرائيل" على استعراض قوتها، خصوصًا أثناء تركيز الحرب على غزة، لكنها تفرض إعادة التفكير في قدرة "إسرائيل" على التعامل بمفردها مع حرب إقليمية مكثفة وواسعة النطاق؛ فلهذا الأمر تداعيات بعيدة المدى على مفهوم الأمن القومي "الإسرائيلي"، والذي ستُستخلص منه دروس لمجالات عديدة أخرى.

تأثير الهجوم على الداخل "الإسرائيلي"

وقع هجوم السابع من أكتوبر بينما كانت "إسرائيل" في أزمة إثر تسعة أشهر من الاحتجاجات المرتبطة بالإصلاحات القضائية؛ الأزمة التي خلقت انقسامًا في المجتمع "الإسرائيلي"، ما دفع البعض إلى رؤية "إسرائيل" كمجتمع منقسم ومتنازع فقد تماسكه الاجتماعي المميز. قد تكون بعض أطراف محور المقاومة فسرت تلك التطورات على أنها تآكل في صلابة "إسرائيل" الوطنية والاجتماعية، ما أثر على قوة الجيش "الإسرائيلي" وقدرة صناع القرار على الرد على التهديدات الأمنية. لكن الفظائع الصادمة التي ارتُكبت خلال الغزو في 7 أكتوبر طغت على هذه الانقسامات، وأعادت التضامن الاجتماعي "الإسرائيلي" إلى مجده الكامل على الفور، حيث انتشرت روح التطوع والالتزام الوطني عبر جميع قطاعات المجتمع "الإسرائيلي"، بما في ذلك المجتمع العربي.

كما ظهرت روح القتال والوحدة في صفوف جميع الوحدات العسكرية، إلى جانب تجاوز الخلافات السياسية لصالح أهداف الحرب، وكانت قوة التماسك الوطني التي ظهرت حاسمة، دليل واضح على أن الجمهور "الإسرائيلي" يدرك التهديدات الوجودية التي تنبع من عدم قبول الأعداء لحق "إسرائيل" في الوجود بأي حدود. وقد تم إسقاط مبادرة الإصلاح القضائي التي أدت إلى الأزمة الدستورية والاجتماعية عام 2023 من الأجندة الوطنية، على الأقل في الوقت الراهن.

ومع ذلك، نشرت المحكمة العليا "الإسرائيلية" خلال الحرب حكمين يتعلقان بجهود الإصلاح القضائي، وهذا أمر إشكالي؛ حيث إن الأحكام التي صدرت بأغلبية بسيطة أعادت إشعال النقاش حول الإصلاح القضائي في وقت لا يخدم المجهود الحربي الوطني. لذلك، وفي سياق مشروع "إسرائيل 2.0"، تجب معالجة هذه المسألة، خصوصًا القضية الجوهرية المتعلقة بتوازن القوى بين السلطات الثلاث للدولة. كما تجب مناقشة كيفية إدارة الخطاب الاجتماعي والخطاب العام بصورة عامة، وتأثير الخطاب المتطرف والاحتجاج بصورة خاصة.

قضية أخرى تستدعي اهتمامًا واسعًا، هي العلاقات بين الأغلبية والأقلية في "إسرائيل" ومدى تأثر القطاعات المختلفة بتداعيات الحرب، بما في ذلك القطاع الحريدي والقطاع العربي والأقليات الأخرى في "إسرائيل"؛ حيث تسعى أجزاء من هذه المجتمعات إلى مزيد من الاندماج في المجتمع "الإسرائيلي". لذلك يجب تعميق هذه التوجهات وترسيخها لتحسين مكانة ورفاهية الأقليات "الإسرائيلية"، وكذلك لضمان أسس التضامن الوطني "الإسرائيلي" بشكل عام. وحتى لو بدا أن المجتمع "الإسرائيلي" بعد غزو "شباط توراة" قد توحد كما لم يحدث من قبل، فإنه لا يزال من الضروري العمل على تعزيز هذا الاتجاه الإيجابي واستدامته.

إعادة النظر في العلاقات الخارجية

إن اعتماد "إسرائيل" الكبير على الولايات المتحدة يدعو إلى إعادة تقييم العلاقات الخارجية "الإسرائيلية" بشكل عام، استنادًا إلى فهم أن "إسرائيل" قد تجد صعوبة في الدفاع عن مصالحها الأمنية في وجه الضغوط الأمريكية في حالات الطوارئ والحروب. كما يتطلب هذا إعادة التفكير في علاقات "إسرائيل" مع المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.

كذلك، فإن تصاعد معاداة السامية حول العالم عقب الحرب الحالية قد يدفع العديد من اليهود إلى التفكير في الانتقال إلى "إسرائيل" خلال العقد المقبل، وبالتالي ينبغي أن تكون "إسرائيل مستعدة لذلك من خلال إنشاء أسس مجتمعية واقتصادية واجتماعية، تضمن استيعابًا ناجحًا لمئات الآلاف من اليهود. وفي الوقت نفسه، ستحتاج "إسرائيل" إلى تعميق علاقاتها مع اليهود في الشتات لتعزيز انتمائهم ودعمهم لـ"إسرائيل"، كمظهر لتماسك الشعب اليهودي، ولضمان شعورهم بالأمان وتقليل فقدان مجتمعات بأكملها بسبب الاندماج المستمر.

فحتى السابع من أكتوبر ولمدة حوالي ثمانية عقود، وجدت "إسرائيل" نفسها ضمن روح تقاليد السيادة اليهودية؛ تقاليد تحتاج الآن إلى تجديد شامل. ويعتبر "غزو حماس" في السابع من أكتوبر نداء استيقاظ لدولة "إسرائيل" والمجتمع "الإسرائيلي"؛ حيث غيّر الهجوم الأولويات الوطنية، ما يتطلب من "إسرائيل" التعافي بسرعة والتكيف والتغيير. والآن يجب أن تمر "إسرائيل" بعملية تجديد لأنظمتها الحكومية، مصحوبةً بتغيير في الأخلاق الوطنية. وبمعنى أعمق، يجب اعتبار الحرب لحظة نهضة وطنية؛ حيث ينبثق نور قوي من ظلام عميق، هذا هو "إسرائيل 2.0"، الذي سيخرج من أزمة عظيمة.