المصدر: واشنطن إنستيتيوت
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
تتخذ موسكو خطوات فعلية لضمان قدرتها على الاستمرار في إرباك المصالح الأمريكية في كل من أوكرانيا وسوريا، حتى لو كانت النتائج على هذه الجبهات مختلفة عما هو متوقع. فمع سقوط الديكتاتور السوري، بشار الأسد، مُنيت روسيا بهزيمة استراتيجية بعد أن كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الداعم الرئيسي لـ"الأسد".
لكن السؤال: هل ما شهدته سوريا يعتبر بالفعل هزيمة جيو استراتيجية لـ"بوتين"؟ للأسف لا، أو على الأقل ليس بعد؛ فقد خرج "الأسد" من الصراع لكن روسيا لم تخرج بعد، ولا يزال مصير القواعد العسكرية الروسية غير واضح، ولا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن الخروج العسكري الروسي الكامل مؤكد.
فوفقًا لنائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، تشارك روسيا في محادثات "بنّاءة" مع "هيئة تحرير الشام" (HTS)، التي قادت التحالف الذي أطاح بـ"الأسد" وتتصدر السلطة الآن، وبحسب "بوغدانوف"، فإن المحادثات تهدف لتأكيد الوجود العسكري الروسي. بالمقابل، فإن لدى "هيئة تحرير الشام" مصلحة ما في بناء علاقة مع موسكو ووضع الخصومات السابقة معها جانبًا، فقد يقدِم الكرملين على منح "الهيئة" الاعتراف بينما تتردد الحكومات الغربية في فعل ذلك، وإن كان لأسباب وجيهة. والواقع أن موسكو كانت تفعل الشيء نفسه مع "طالبان" في أفغانستان؛ فحتى لو خسرت روسيا قواعدها العسكرية، فإنها تظل عضوًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي موقّعة على الوثيقة الوحيدة التي تحدد عملية الانتقال السياسي في سوريا، قرار الأمم المتحدة رقم 2254. وحتى مع الإطاحة بالديكتاتور الوحشي المدعوم من موسكو، تحتفظ روسيا بمقعد على الطاولة الدبلوماسية وستظل قوة فاعلة في تشكيل مستقبل سوريا.
إن موسكو منخرطة في معركة عالمية، ومن وجهة نظر "بوتين" فإن هذا ليس أقل من معركة وجودية لإعادة تشكيل نفوذ الغرب. ويسلط غزو روسيا لأوكرانيا الضوء على هذا الواقع ويؤكد الثمن الذي يرغب "بوتين" في دفعه مقابل ذلك. وقد كانت سوريا دائمًا جزءًا من هذه الصورة الأكبر لإعادة رسم هيمنة روسيا في الشرق الأوسط وأوروبا؛ حيث كانت موسكو بحاجة إلى وجود عسكري وسياسي في سوريا الواقعة على ساحل شرق البحر المتوسط، وهو منطقة استراتيجية حيوية، كما كانت بحاجة أيضاً إلى نظام صديق يضمن هذه المصالح، وحتى مع رحيل "الأسد" ما زالت روسيا تحتفظ بكلا الأمرين.
استعراض قوة.. لكن هل هو النصر؟
إن دعم نظام "الأسد" الوحشي لم يكن في الحقيقة متعلقًا بدعم سوريا، بل بممارسة القوة والنفوذ من خلال استمرار الصراع مع الغرب أينما وجد. وكما أوضح الدبلوماسي الروسي، بوريس بونداريف، والذي استقال احتجاجًا على غزو أوكرانيا، من وجهة نظر "بوتين" فإن الحرب في أوكرانيا هي "تتويج لمواجهة ملحمية وأبدية بين روسيا المستقلة وعدوها الأبدي، الغرب بقيادة الولايات المتحدة". ووسط التكهنات حول شكل خطة "ترامب" تجاه أوكرانيا، إضافةً لوقف إطلاق النار المحتمل، قد يكون عام 2025 حاسمًا. فإذا دفعت روسيا الغرب نحو تسوية سلمية بشروطها، فإن "بوتين" سيفوز في أوكرانيا، وهذا لا يعني بالنسبة له إضفاء الشرعية على القوة الروسية فحسب، بل إعطاء الضوء الأخضر للدفع أكثر ضد المصالح الغربية. كذلك إن أبقت روسيا على وجودها في سوريا أثناء رفع العقوبات، كما يدفع بعض المشرعين الأمريكيين بالفعل، فإنه قد يخلق ذلك مجالًا للنفوذ الروسي في سوريا ما بعد "الأسد".
ترويج النفوذ الغربي
السؤال المطروح على الولايات المتحدة هو إذا كانت ستستغل الفرصة التي يمثلها رحيل "الأسد"؛ فإذا تعهد الغرب لأوكرانيا بضمانات أمنية تحميها من مزيد من الهجمات الروسية لزعزعة استقرارها، فسيكون ذلك انتصارًا واضحًا للغرب وخسارة لخطط "بوتين" في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ما سيقلل من سمعة الزعيم الروسي. ويمكن للولايات المتحدة أن تعمل على تعزيز الرواية المضادة لروسيا كقوة عظمى تعيد تشكيل الشرق الأوسط، كما يمكنها أن تبدأ مواجهة التضليل المتزايد في الشرق الأوسط بأن الولايات المتحدة أصبحت قوة متضائلة في العالم، وتسليط الضوء على أن التحالف بين روسيا وإيران لا يجلب سوى الحرب وعدم الاستقرار. ويمكن للولايات المتحدة كذلك أن تعمل بجدّ على تقليص نفوذ روسيا من خلال التحالف مع العواصم الأوروبية والعربية، للدفع نحو عملية دبلوماسية بقيادة الغرب بشأن سوريا.
إن الولايات المتحدة قادرة على البقاء على اتصال مع القيادة السورية الجديدة، أيًّا كان شكلها، كتذكير بالفرق بين القوة التي تدعم مجرم حرب في سوريا والقوة التي لا تفعل ذلك، وهي النقطة التي ينبغي للولايات المتحدة أن تسلط الضوء عليها بنشاط كجزء من مكافحة التضليل الروسي. كما يتعين عليها أن تظل ملتزمة بأوكرانيا وتضمن أن أي وقف لإطلاق النار يمنح الأخيرة ضمانات أمنية ثابتة للحفاظ على استقرارها.
والخلاصة أنه "لا ظلام يدوم إلى الأبد"؛ ويثبت ذلك سقوط "الأسد"، وما تزال روسيا مهددة بأن تخسر، لكن لا تخطئوا؛ لا تستطيع الولايات المتحدة أن تؤثر على مستقبل الشرق الأوسط إلا من خلال البقاء منخرطة في قضاياه.