التصعيد بين لبنان والاحتلال من المرجح أن يتواصل رغم غموض الجهة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة

الساعة : 17:46
28 مارس 2025
التصعيد بين لبنان والاحتلال من المرجح أن يتواصل رغم غموض الجهة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة

الحدث

أعلن الجيش "الإسرائيلي" عن رصد إطلاق قذيفتين صاروخيتين من جنوب لبنان باتجاه الجليل شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، موضحًأ بأن الدفاعات الجوية اعترضت إحدى القذيفتين، بينما سقطت الثانية داخل الأراضي اللبنانية دون تسجيل إصابات. وعلى الفور، باشر الجيش "الإسرائيلي" بالقصف المدفعي لبلدات لبنانية، كما شن الطيران غارتين على مبنى في منطقة "الحدث" بالضاحية الجنوبية لبيروت في استهداف هو الأول من نوعه للضاحية بعد اتفاق وقف إطلاق النار.

جاء هذا بعد أقل من أسبوع على حدث مماثل، إذ أُطلقت ستة صواريخ من جنوب لبنان فجر السبت الماضي باتجاه مستوطنة "المطلة"، اعترضت "إسرائيل" ثلاثة منها، وردّت بالمقابل بشن أكبر سلسلة غارات منذ وقف إطلاق النار استهدفت مناطق الجنوب والبقاع سقط على إثرها سبعة شهداء وأكثر من أربعين جريحًا.

الرأي

يعد الحدثان تطورًا خطيرًا في مسار الأحداث منذ إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين "حزب الله" و"إسرائيل" في 27-11-2024. ففيما واصل جيش الاحتلال عمليات استهداف كوادر ومجموعات "حزب الله" ومواقع تابعة له في منطقتي الجنوب والبقاع، بالتوازي مع بقائه في خمس نقاط "استراتيجية" على طول الشريط الحدودي لم ينسحب منها وفق الاتفاق، كان "حزب الله" في المقابل ملتزمًا بالاتفاق واضعًا كل ما يجري في عهدة الدولة اللبنانية، وضمن مسؤولياتها في التحرك الدبلوماسي للجم العدوان وتنفيذ الاتفاق، بل كان مسهلًا لدخول الجيش وقام بتسليمه عدة مواقع ومستودعات أسلحة جنوب الليطاني.

وبالتالي، تخرج هذه الأحداث عن هذا السياق "الرتيب" الذي استمر طوال الأشهر الماضية، وتندرج عمليًا في إطار الفرضيات التالية:

أولا: أن يكون "حزب الله" عبر إحدى مجموعاته أو مجموعات تدور في فلكه، يقف وراء الهجومين للتأكيد على أنه ما دام هناك احتلال لأراض لبنانية فسيبقى هناك سلاح ومقاومة بأشكال مختلفة، حيث كان قد ألمح أمينه العام في إحدى خطبه إلى فكرة "المقاومة الشعبية". كما أنها رسالة بالنار للداخل والخارج بالتمسك بالسلاح خارج جنوب الليطاني بعد تصريحات لرئيس الحكومة، ومن قبله وزير الخارجية، بأن "سلاح الحزب بات من الماضي ولم يعد هناك وجود لثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة". علاوة على ذلك، يمثل الحدثان في هذه الحالة رسالة إيرانية مفادها بأننا لا زلنا نستطيع إقلاق أمن "إسرائيل" من جبهة الجنوب اللبناني، وأن استهداف إيران مازال يعني تحرك حزب الله لاستهداف الداخل "الإسرائيلي".

ثانيا: قد يعني أن تكون هناك عناصر عميلة لصالح "إسرائيل". وذلك بالنظر إلى موقع إطلاق الصواريخ، وهو من شمال الليطاني، وعدم اتهام"حزب الله" من قبل الاحتلال ونفي "حزب الله" الشديد والمطلق لذلك. وفي هذا الاحتمال تحقق العملية جملة من الأهداف، أولها إظهار ضعف الجيش اللبناني في ضبط الأوضاع جنوبًا، وبالتالي الحاجة الأمنية "الإسرائيلية" لمواصلة سياسة "إطلاق اليد" لتشمل مناطق أوسع داخل لبنان. بالإضافة إلى تسليط الضوء بشكل أكبر ومركز على سلاح "حزب الله" شمال منطقة الليطاني، واستثمار الضربات العسكرية بالتوازي مع ربط إعادة الإعمار بنزع سلاح الحزب لتكثيف الضغط الخارجي "الإسرائيلي" ومن خلفه الأمريكي، على الدولة اللبنانية وتحسين شروط التفاوض الذي من المفترض أن يبدأ قريبًا عبر ثلاث لجان لمعالجة ملفات (الانسحاب والترسيم البري والأسرى). لكن في المقابل، يحد من هذا الاحتمال أن الاحتلال لا يحتاج لمبرر إضافي لشن أي هجمات في أي منطقة في لبنان، حيث تتمتع عملياته بدعم أمريكي كامل وتسمح له اتفاقية الهدنة باستهداف أي مصادر تهديد قائمة.

ثالثا: من المحتمل أن هذه العمليات إيرانية أكثر من كونها لبنانية. أي أنها تعبّر عن تيار داخل حزب الله لا يخضع لتوجهات قيادته الجديدة وإنما تعمل بقرب مع الحرس الثوري ضمن أهداف إيران الإقليمية، والتي تواجه حالياً تهديداً بشن هجوم عسكري أمريكي "إسرائيلي"، يحفز من احتمالاته التقدير الأمريكي بأن حزب الله بات ضعيفاً ولا يمثل تهديداً، ومن ثم فإن الضربة لإيران لن يتبعها تصعيداً إقليميا. ولكن يحد من هذا الاحتمال أن إيران ستظل حريصة على تجنب تقويض حزب الله بصورة كاملة، وستعطي الأولوية لإعادة ترميمه وليس تعريضه لمزيد من الانتقام الإسرائيلي.

واللافت في الاحتمالات الثلاثة، أن مبرراتها جميعاً تظل حاضرة، ما يعني أن احتمالات تكرر مثل هذا التصعيد وبالتالي الرد "الإسرائيلي" سيظل مرجحاً في المستقبل القريب.