خطة "ترامب" تجاه غزة ستُدخل العلاقات الأردنية الأمريكية مرحلة من الاضطراب

الساعة : 15:47
9 أبريل 2025
خطة

المصدر: فورين أفّيرز

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

أصبحت الحرب في غزة خطرًا وجوديًا على المملكة

لقد أدت عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض لتفاقم أزمة الشرق الأوسط، الذي يشهد اضطرابات منذ هجوم "حماس" على "إسرائيل" في السابع من أكتوبر 2023. ففي غضون أسابيع من توليه منصبه، حاول "ترامب" إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "USAID" وتجميد المساعدات الخارجية لجميع المستفيدين باستثناء "إسرائيل" ومصر. وفي اجتماع عُقد في شباط/ فبراير مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، وولي عهده، الأمير حسين، طرح "ترامب" خطته "لتطهير" غزة وتسليم القطاع للولايات المتحدة و"إعادة توطين" جميع سكان غزة في الدول العربية المجاورة. بدوره، رفض "عبد الله"، بدعم من مصر وقطر والسعودية والإمارات، اقتراح "ترامب" على الفور وبشكل قاطع، متحديًا تأكيدات "ترامب" في كانون الثاني/ يناير بأن الأردن "سيفعل ذلك" لأن الولايات المتحدة "تقدم الكثير لهم".

هل يخاطر "ترامب" بالتحالف التاريخي بين واشنطن وعمّان؟

لطالما تمتّع كل من رؤساء الولايات المتحدة وملوك الأردن بعلاقات دافئة، بدءًا من أول لقاء للملك حسين عام 1959مع الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، واستمرت حتى عهد الملك الحالي عبد الله الثاني. وقد استمرت هذه العلاقة المستقرة دون انقطاع تقريبًا، باستثناء جزئي واحد خلال فترة رئاسة "ترامب" الأولى؛ ففي عام 2018 وعلى عكس رغبة الأردن، خفض "ترامب" تمويل وكالة "الأونروا" التي تُقدّم المساعدات للاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والأردن نفسه. ورغم استمرار المساعدات الرسمية الأمريكية للأردن وتعاونها معه دون انقطاع، فقد شعر العديد من المسؤولين الأردنيين أن إدارة "ترامب" لم تعد تُعطي الأولوية للمملكة، بل تحوّلت بدلًا من ذلك نحو تحالف فعلي مع "إسرائيل" والسعودية والإمارات، في ظل سعي الإدارة لتحقيق هدفها الرئيسي في المنطقة، وهو "اتفاقيات أبراهام". وبالتالي، فقد شكلت عودة "ترامب" إلى الرئاسة تحديًا جديدًا للعلاقات الأمريكية الأردنية، ما حيّر العديد من المسؤولين الأردنيين الذين توقعوا من واشنطن أن تُظهر مزيدًا من الحساسية تجاه المصالح الإقليمية لعمّان ونقاط ضعفها المحلية.

الأردن الرسمي والشعبي يرفض خطة "ترامب" تجاه غزة

أثبتت قرارات "ترامب" في السياسة الخارجية في مطلع ولايته الثانية صحة هذه الانتقادات إلى حد كبير؛ فقد كان الأردن من بين الدول التي علّقت الإدارة الأمريكية مساعداتها لها، فيما أثار سعي "ترامب" لنقل أكثر من مليوني غزّي إلى مصر والأردن غضب الشعب الأردني وحكومته. وقبل أيام قليلة من تنصيبه في كانون الثاني/ يناير الماضي، رسّخ "ترامب" وقف إطلاق نار هشّ بين "إسرائيل" و"حماس"، وهو ما أوقف القصف مؤقتًا وسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. لكن بدلًا من استغلال هذا الوقف لإحلال الهدوء في المنطقة، أوقفت الإدارة الجديدة فورًا جميع المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا، وقطعت تمويل "الأونروا"، وحاولت القضاء على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "USAID" تمامًا.

وقد كان تأثير التجميد كارثيًا على عمّان؛ فلم تعتمد أي دولة في الشرق الأوسط على "USAID" أو "الأونروا" أكثر من الأردن. ومن المرجح أن يؤدي تدمير الوكالة الأمريكية إلى إنهاء مئات مشاريع المساعدات والتنمية المختلفة في الأردن، والتي تدعم خدمات أساسية مثل الصحة العامة والتعليم وتوفير المياه والحكم المحلي والشركات الصغيرة والمدارس. كما إن تدمير تلك الوكالة سيشلّ شبكة المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الحكومية المرتبطة بالمساعدات الأمريكية، والتي تُوظّف عشرات الآلاف من الأردنيين.

هل تنصت واشنطن لاستغاثة حليفتها عمّان؟

إن أي حوافز يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة للأردن لا يُرجح أن تجعل قبول مئات الآلاف من سكان غزة ممكنًا اقتصاديًا أو سياسيًا للحكومة الأردنية. من جهته، قد يحاول "ترامب" دفع الجهات الفاعلة الأخرى في الشرق الأوسط إلى قبول تنازلات، من خلال التهديد بخطة إعادة توطين جذرية، لكن التهديد نفسه يزعزع استقرار حليف رئيسي وينفّره ويزيد الضغط على الدولة لتغيير سياساتها، وربما النأي بنفسها عن الولايات المتحدة، وهو أمر لا يريد المسؤولون الأردنيون القيام به. وبالتالي، فإن توحد المسؤولين الحكوميين الأردنيين ونشطاء المعارضة والشعب الأردني في معارضتهم لخطة "ترامب"، يجب أن يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في نهجها تجاه كل من خطة غزة وتجميد المساعدات. فهذا النوع من الإجماع يكاد يكون غير موجود في السياسة الأردنية وبالتالي فإنه يعكس الطبيعة الوجودية للأزمة.

لقد اعتاد الأردنيون على التحذيرات المُبالغ فيها عادةً، والتي غالبًا ما تكون صادرة من خارج المملكة، بأن البلاد على شفا الهاوية. لكن الذعر السائد والمعارضة المُتضافرة داخل الأردن يُشيران إلى أن الأزمة المُحدقة فريدة من نوعها في شدتها. وقد تُعيق مقترحات إدارة "ترامب" الأردن اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، وستشعر بتداعياتها جميع دول المنطقة بما فيها "إسرائيل". مع ذلك، لم يفت الأوان بعد لاستعادة الولايات المتحدة التزاماتها السابقة بالمساعدات، والأهم من ذلك التوقف عن دعواتها لطرد الفلسطينيين من غزة بالجملة؛ إذ ينبغي على الولايات المتحدة أن تُنصت إلى حليفتها؛ فنظرًا للعلاقات الوثيقة التي تربط واشنطن وعمّان منذ عقود، فإن الأردن يستحق أن يُسمع صوته.