عقيدة الإعصار... استراتيجية عسكرية جديدة لتأمين حدود الكيان الإسرائيلي

الساعة : 15:47
29 مايو 2025
عقيدة الإعصار... استراتيجية عسكرية جديدة لتأمين حدود الكيان الإسرائيلي

المصدر: معهد جينسا

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

مقدمة:

نشر "معهد السياسة اليهودية للأمن القومي الأمريكي" (JINSA) دراسة بعنوان "عقيدة الإعصار: استراتيجية جديدة لتأمين حدود إسرائيل"، تستعرض أوجه القصور التي كشفتها هجمات السابع من أكتوبر 2023 في العقيدة الأمنية "الإسرائيلية" على الحدود، وتدعو إلى تبني عقيدة دفاعية جديدة أكثر ديناميكية ومرونة، تكون قادرة على مواجهة التهديدات المتغيرة والمعقدة. وتستند الدراسة إلى خبرات العميد يورام كنافو، وهو زميل زائر في (JINSA) وشغل سابقًا منصب رئيس أركان القيادة الشمالية في الجيش "الإسرائيلي". وتقدم الدراسة مجموعة من التوصيات العملية لتعزيز قدرات الاستخبارات، وسرعة نشر القوات، وتكامل الدفاعات الجوية والبرية، بما يضمن حماية فعّالة لحدود "إسرائيل" في مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.

فقد كشفت هجمات السابع من أكتوبر وما تلاها من معارك أوجه قصور كبيرة في عقيدة "إسرائيل" الأمنية الحدودية وفي تنفيذها، وثبت أن افتراضات "إسرائيل" بشأن حجم وطبيعة التهديدات على حدودها كانت خاطئة، ونتيجةً لذلك فشلت المفاهيم والخطط العملياتية في التصدي لتلك التهديدات. وتُبرز هذه التحديات بوضوح حاجة "إسرائيل" إلى عقيدة جديدة للدفاع الحدودي، تُمكّنها من الاكتشاف والتصدي لطيف واسع من التهديدات التي تواجه أراضيها. وتقترح هذه الورقة عقيدة جديدة تُسمى "عقيدة الإعصار" لمساعدة "إسرائيل" على حشد القوات بسرعة ودقة تتناسب مع بيئة الأمن المعقدة الحالية، كما توصي بدمج أفضل للاستخبارات والمراقبة المتقدمة، وتعزيز قدرات اكتشاف واعتراض التهديدات الجوية وتحت الأرض، وتمكين نشر السريع للقوات بشكل أكثر فعالية.

ومن خلال تبني هذه التوصيات، قد تستطيع "إسرائيل" الانتقال من وضعية دفاعية تفاعلية إلى نظام متكيف باستمرار، قادر على مواجهة التهديدات المتوقعة وغير المتوقعة على حدودها.

"عقيدة الإعصار" للدفاع الحدودي

لا يمكن أن تتحمل "إسرائيل" التعرض لمفاجأة استراتيجية أخرى على حدودها، ما يتطلب من قادتها تطوير وتنفيذ عقيدة دفاع حدودي جديدة تعكس طبيعة التهديدات المستجدة، وتحمي من كافة وسائل التسلل عبر المجالات المختلفة، وتضمن قدرة "إسرائيل" على الاستجابة بمرونة وكفاءة لمجموعة متنوعة من السيناريوهات العملياتية، والاستفادة من قوة العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة لتأمين الحدود بكفاءة وفعالية. وقد سُميت الاستراتيجية الجديدة "عقيدة الإعصار" لطبيعتها الديناميكية والقوية، إذ تعكس الحاجة لاستجابات متعددة الاتجاهات لمواجهة التهديدات الحدودية الحديثة غير المتكافئة.

وكما يكتسب الإعصار زخمه بسرعة ويضرب السواحل بقوة، تهدف هذه العقيدة إلى تمكين القوات "الإسرائيلية"، ضمن هيكلية وحدات مرنة وعلى درجة عالية من الجاهزية، من التدخل السريع في مناطق النزاع من جميع الاتجاهات. إن استعارة مفهوم الإعصار يجسد الفرضية الأساسية للعقيدة؛ تمكين القوات من القضاء على التهديدات الحدودية بسرعة وبقوة حاسمة. فوفقًا لعقيدة الإعصار، ستكون الوحدات الحدودية قادرة على التحرك والتوسع بسرعة، ما يسمح للجيش "الإسرائيلي" بتعزيز وضعه العملياتي وإطلاق هجمات مضادة ساحقة. ويجب على "إسرائيل" تبني هذه العقيدة الأمنية الأكثر مرونة وترابطًا، خاصة في ظل محدودية العقيدة السابقة قبل السابع من  أكتوبر التي كانت ذات طبيعة خطية ومجزأة. ومن خلال تحويل الدفاع الحدودي إلى نظام نشط، عالي التكرار ومرن، ستعيد العقيدة المقترحة تشكيل تكتيكات الجيش وتعزز جاهزية "إسرائيل" أمام التهديدات الحالية والمستقبلية على حدودها.

أولًا: التخطيط لسيناريوهات التهديد الجديدة

يجب أن يأخذ التخطيط "الإسرائيلي" للتهديدات الجديدة بعين الاعتبار دروس السابع من أكتوبر، والحروب اللاحقة مع "حماس "و"حزب الله"، والهجمات الصاروخية المتكررة من وكلاء إيران الإقليميين وحتى من إيران نفسها. وعلى عكس العقيدة السابقة، ستضع "عقيدة الإعصار" في الحسبان احتمال وقوع هجمات متزامنة على عدة حدود عبر البر والجو والبحر وتحت الأرض، وستُعد الجنود للتصدي لهجمات واسعة النطاق تهدف لإحداث خسائر بشرية ومادية كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة تمتد من ساعات إلى أيام. وبينما يجب أن تهيئ العقيدة الجديدة "إسرائيل" لهجوم مماثل لهجوم السابع من أكتوبر 2023، يجب أن تكون مرنة أيضًا بحيث تستطيع التعامل بسرعة مع أي تهديد مستقبلي آخر.

ثانيًا: اكتشاف التهديدات

يقع الاكتشاف الفوري والاستباقي للتهديدات في صميم "عقيدة الإعصار"؛ حيث يشكل العمود الفقري لنظام الدفاع الحدودي الذي يُبقي "إسرائيل" متقدمة بخطوة على خطط العدو، وذلك من خلال توظيف مزيج متنوع من قنوات جمع المعلومات الاستخباراتية، ومراكز دمج المعلومات، وطرق متقدمة لاكتشاف الأنفاق، بما يمكّن الجيش "الإسرائيلي" من رصد وإبطال التهديدات قبل أن تتفاقم؛ وبهذه الأساليب المبتكرة تستطيع "إسرائيل" استعادة وتعزيز أمنها الحدودي.

1-     توزيع الموارد الاستخباراتية بشكل أكثر عدلًا:

لرصد مجموعة التهديدات الحدودية وخطط العدو، يجب على "إسرائيل" توزيع مواردها بشكل أكثر عدلًا عبر مجالات جمع المعلومات، مع التركيز بشكل خاص على" HUMINT" (الاستخبارات البشرية) لتقليل الاعتماد المفرط على الاستخبارات السيبرانية وإشارات الاتصالات "SIGINT". فتنويع الموارد لتقوية جمع المعلومات البشرية سيمنح "إسرائيل" رؤى مكتملة، ويقلل من مخاطر سوء تقدير نوايا العدو التي قد تنتج عن نظام يهيمن عليه الجانب التقني. وقد كشفت أحداث السابع من أكتوبر عن محدودية "SIGINT" وغيرها من أساليب جمع المعلومات غير البشرية؛ حيث جمع المسؤولون "الإسرائيليون" معلومات وفيرة عن خطة الهجوم لكنهم فشلوا في الربط بينها وبين فهم نية وقدرة "حماس" على تنفيذ هجوم بهذا الحجم. كما يمكن لمصادر "HUMINT" أن تكسر الجمود في التفكير الأمني السائد، مثل الاعتقاد الخاطئ قبل السابع من أكتوبر بأن "حماس" أصبحت منشغلة بالحكم الداخلي أكثر من الحرب ضد "إسرائيل". وبالتالي، فإن توسيع مصادر المعلومات قد يمنع القادة "الإسرائيليين" من الوقوع في فخ الافتراضات الخاطئة، أو رفض المعلومات التي تتعارض مع التصورات السائدة، كما حدث قبل السابع من أكتوبر 2023.

2-     تطوير مراكز دمج المعلومات الاستخباراتية:

إلى جانب توسيع أنواع المعلومات المجمعة، يجب على "إسرائيل" تطوير منصة مركزية لمشاركة المعلومات، تتيح التحليل الفوري وتوزيع المعلومات الاستخباراتية على جميع مستويات الجيش ووكالات الاستخبارات الثلاث: "أمان" و"الموساد" و"الشاباك". وتعد مراكز الدمج التي أنشأتها الولايات المتحدة بعد هجمات الـ11 من سبتمبر نموذجًا يُحتذى به في تحسين جمع المعلومات ومشاركتها بين الوكالات المختلفة. ويتلخص عمل هذه المراكز في تجميع بيانات من مصادر اتحادية ومحلية وخاصة لرسم صورة محدثة باستمرار للتهديدات المحتملة، وهذا سيساعد في كسر الحواجز البيروقراطية بين الوكالات. وبالتالي، ستعتمد هذه المراكز على تحليلات متقدمة ونهج تعاوني، لفرز المعلومات بسرعة واكتشاف المخاطر الناشئة وتمرير المعلومات الحيوية.

3-     تطوير تقنيات مبتكرة لاكتشاف الأنفاق:

ستحتاج "إسرائيل" أيضًا إلى تطوير وسائل تكنولوجية جديدة لمواجهة الأنفاق تحت الأرض، ويجب أن تعطي أولوية لتطوير تقنيات لرصد ورسم خرائط وتحييد الأنفاق، سواء بالقرب من حدودها أو داخل أراضي العدو. وبدلًا من الاعتقاد بأن الأنفاق لم تعد تشكل تهديدًا، يجب على "إسرائيل" أن تتوقع استمرار الأعداء في استغلال هذا المجال لمعادلة تفوقها في مجالات أخرى. وينبغي على الجيش "الإسرائيلي" الاستفادة من المنطقة العازلة الجاري إنشاؤها على الجانب الغزي من الحدود، لمسح الأنفاق بالتوازي مع زيادة الدوريات، وتطبيق ممارسات مشابهة على الحدود اللبنانية حسب ما تسمح به الظروف. كما يجب إعطاء أولوية للبحث والتطوير في التقنيات الناشئة؛ مثل الأقمار الصناعية الطيفية القادرة على اكتشاف الأنشطة تحت الأرض من الفضاء، وهي تقنية أبدت نتائج واعدة وجذبت اهتمام وزارة الدفاع الأمريكية.

ثالثًا: الحماية من التسلل

تركز "عقيدة الإعصار" للدفاع الحدودي على ثلاث نقاط رئيسة: تواجد القوات، الدفاع عن الطبقة الجوية المنخفضة، والقدرات المضادة للأنفاق، مع التأكيد على أهمية تأخير تقدم القوات المهاجمة. إلا أن العقيدة الجديدة تختلف بكونها أكثر قوة مع عناصر متداخلة ومتكاملة، تضمن الدفاع المستمر والفعال وتمنع الاعتماد على نقطة ضعف واحدة.

1-     زيادة تواجد القوات على الحدود:

تتطلب تهديدات التسلل الواسعة عبر عدة قطاعات حدودية دفاعًا محيطًا ثابتًا، وزيادة كبيرة ودائمة في تواجد القوات على الحدود كخط دفاع أول، مع قوات مرنة جاهزة لتقديم دعم عميق عند الحاجة. ومن هنا، فيجب على "إسرائيل" افتراض وجود خطر دائم من التسلل المفاجئ، ونشر قوة قادرة على الردع والاستجابة لأي تسلل واسع النطاق، مع توزيع الفرق والوحدات على الحدود بفواصل زمنية ومكانية محدودة، خصوصًا في القطاعات القريبة من التجمعات السكنية.

2-     توسيع الدفاعات الجوية المنخفضة وقدرات مكافحة الطائرات المسيّرة:

تتضمن "عقيدة الإعصار" عنصرًا أساسيًا هو زيادة الاستثمار "الإسرائيلي" في تطوير وسائل الدفاع عن الطبقة الجوية المنخفضة، خاصةً ضد تهديدات الطائرات المسيّرة. وفي ضوء الثغرات التي كشفتها هجمات السابع من أكتوبر باستخدام الطائرات الشراعية والطائرات المسيّرة، يجب على "إسرائيل" تطوير وتشغيل أنظمة رادار قادرة على رسم صورة شاملة للتهديدات الجوية المنخفضة، مع تغطية كاملة من الطبقات الجوية العليا إلى السفلى، وامتلاك القدرة على التمييز بين التهديدات المختلفة حتى في الهجمات المعقدة، التي  تشمل مزيجًا من الطائرات المسيّرة والصواريخ والقذائف والتهديدات الجوية غير التقليدية. كما يجب تطوير رادارات جديدة بوعي أكبر بالمجال وتدريب المشغلين على رصد مجموعة واسعة من التهديدات الجوية، إضافةً إلى تطوير وسائل غير تقليدية وفعالة من حيث التكلفة لإسقاط الطائرات المسيّرة مثل الليزر أو الموجات الكهرومغناطيسية، إلى جانب استخدام الحرب الإلكترونية، بل وحتى بناء جدار كهرومغناطيسي حول الحدود لإسقاط الطائرات المعادية فورًا، مع مراعاة تجنب التأثير على الاستخدام العسكري والمدني للطيف الكهرومغناطيسي.

3-     تحسين قدرات الإنذار المدني:

لمساعدة المدنيين عند بدء الهجوم، يجب أن تولِّد أنظمة الإنذار المدني في "إسرائيل" أصوات صفارات مميزة، عند وقوع هجوم بالطائرات المسيّرة أو الصواريخ أو الهجمات المركبة. كما يجب توضيح أفضل الممارسات للمدنيين حسب نوع التهديد؛ فمثلًا عند مواجهة الصواريخ يُفضل الاحتماء السريع، أما عند مواجهة الطائرات المسيّرة فيجب اللجوء إلى ملاجئ محصنة. ويجب أيضًا تحديث أنظمة الإنذار لتوضيح الهجمات المركبة وتقديم إرشادات دقيقة حول كيفية الاحتماء؛ وقد بدأت "إسرائيل" بالفعل تطوير نموذج إنذار مدني متعدد الطبقات يشمل أجهزة إنترنت الأشياء مثل أجهزة التلفاز المنزلية، مع العمل على تحسين دقة التنبيهات جغرافيًا باستخدام شبكات الاتصالات، وتعزيز هذه الجهود بأنظمة إشعار وإرشاد منهجية خاصة للتمييز بين أنواع الهجمات.

رابعًا: القدرة على التعبئة السريعة

من العناصر الأساسية في "عقيدة الإعصار"، قدرة الجنود على التصدي للهجمات عبر الحدود بسرعة ودقة وتنسيق على جميع المستويات القيادية؛ فزيادة سرعة اتخاذ القرار، وقدرات الانتشار السريع، وإنشاء قواعد أمامية متقدمة، كل هذا سيُمكّن الجيش من التكيف بسرعة مع ساحة المعركة المتغيرة، بما في ذلك التوغلات واسعة النطاق. ويستند هذا المفهوم العملياتي إلى عقيدة "العاصفة" التي اعتمدها الجيش في التسعينيات لمواجهة عقيدة الحرب المدرعة السورية.

1-     زيادة سرعة اتخاذ القرار:

تعتمد قدرة "إسرائيل" على الدفاع عن أراضيها على سرعة الاستجابة للتهديدات؛ فقد كان الجيش "الإسرائيلي" بطيئًا في الوصول إلى المهاجمين وتحييدهم في السابع من أكتوبر والأيام التي تلته، ويرجع ذلك أساسًا إلى انهيار منظومة القيادة والسيطرة. وبالتالي، يجب أن يكون لدى الجيش هيكل قيادة وسيطرة فعال لاتخاذ القرارات بسرعة ونشر القوات خلال دقائق لمواجهة أي توغل. ويجب أن تحدد العقيدة الجديدة بوضوح سلسلة القيادة، مع مراعاة احتمال انهيار السلسلة في حالات الطوارئ، ووجود بدائل متعددة لاتخاذ القرار في المواقف السريعة والمعقدة.

2-      قدرة الانتشار السريع للقوات الهجومية:

يجب أن تتمتع القوات "الإسرائيلية" بدرجة عالية من الجاهزية والقدرة على التعبئة السريعة والانتقال لأي موقع داخل الحدود؛ ولهذا الغرض يجب تشكيل قوة مهام لوضع خطة شاملة لمسارات الحركة ومناطق التجمع ونقاط الانتشار، لضمان حركة سريعة للأفراد والمعدات، خصوصًا في المناطق الحدودية أثناء الأزمات. كما يجب على الجيش والشرطة ترسيخ وتدريب إجراءات الاستجابة للطوارئ بانتظام، وتعزيز سلاسل الإمداد الداخلي بالذخيرة لضمان توفر الأسلحة الكافية لصد الهجمات المطولة، مع مراعاة أن يتيح الهيكل الجديد نشر القوات الفعالة بسرعة في قطاع معين أو استدعاء الاحتياط في المنطقة فورًا أو كليهما.

3-     قواعد عملياتية مجهزة سابقًا:

يجب على "إسرائيل" إنشاء عدد من مراكز القيادة والسيطرة المحصنة والمجهزة سابقًا، وذلك لتعزيز التكرار وبناء شبكة دعم لوجستي وعملياتي في المناطق الحدودية. وستسمح هذه القواعد المجهزة سابقًا للقوات بالانتشار السريع والفعال عند الحاجة، وتوفر نقاط تجمع آمنة وفعالة للقوات والمعدات، وتُمكّن من إعادة التموضع السريع في حالات الطوارئ أو الهجمات المفاجئة. كما تتيح هذه القواعد مرونة أكبر في توزيع القوات، وتقلل من الاعتماد على مراكز قيادة مركزية قد تكون عرضة للاستهداف أو الانقطاع في حالات التصعيد.

خامسًا: المرونة في نشر القوات

تتطلب التهديدات الديناميكية التي تواجه "إسرائيل" ليس فقط دفاعات قوية بل أيضًا مرونة غير مسبوقة في نشر القوات، وذلك لمواجهة التوغلات المفاجئة والمعقدة واسعة النطاق. وتُظهر دروس هجوم السابع من أكتوبر والحرب متعددة الجبهات التي تلتها أن على "إسرائيل" أن تعدّل عقيدتها، لمواجهة أعداء يستخدمون هجمات سريعة وواسعة النطاق.

1-     تصميم هيكل قوة مرن (هيكلية وحدات نمطية):

يكمن مفتاح مرونة القوات "الإسرائيلية" في تبنّي الجيش هيكلية وحدات أكثر نمطية، تتيح توسيع نطاق القوة وتكييفها مع أي تهديد في أي لحظة. وعليه، يجب أن يكون الجيش قادرًا على نشر وحدات رد فعل سريع، مدعومة بالطائرات المسيّرة ومركبات القتال المدرعة والمدفعية المتنقلة، إلى مناطق التهديد خلال دقائق وليس ساعات، وهو ما يتطلب أن تكون مجموعة أوسع من وحدات الجيش مؤهلة للاستجابة لأي توغل حدودي خطير. ولهذا الغرض، يجب أن تتولى وحدات الجيش المتمركزة في نقاط استراتيجية في أنحاء "إسرائيل" دور قوات الرد السريع، وأن تكون مجهزة ومدربة على استخدام أحدث التقنيات والقوة النارية الساحقة التي يمكن للقادة تشغيلها بسرعة في حالات الطوارئ. وهناك عدة منصات يمكن أن تدعم هذا التوجه؛ فمركبة "إيتان" المدرعة الجديدة أثبتت قدرتها على نقل الجنود بسرعة إلى مناطق النزاع تحت النيران، كما حدث في غزة ومعركة زيكيم؛ حيث وصلت سرعتها إلى 120 كلم/ساعة. وبالاقتران مع مركبة "JLTV" التي حصلت عليها "إسرائيل" مؤخرًا من الولايات المتحدة، ستتمكن القوات من الاستجابة السريعة لأي تهديد بري على الحدود، والقضاء عليه بسرعة وقوة نارية هائلة.

2-     دمج المعلومات الاستخباراتية بشكل أكثر فعالية:

لمواجهة التهديدات الحدودية المتنوعة، فإن شبكات القيادة والسيطرة المستقبلية في إطار "عقيدة الإعصار" ستتيح لوحدات الدعم السريع ربط معلومات المعركة مع بيانات التتبع المشتركة بسرعة. في هذا الإطار، ستعمل الأنظمة الاستخباراتية على جمع ومعالجة كميات ضخمة من المعلومات تلقائيًا، واكتشاف الأنماط، وتقديم رؤى قابلة للتنفيذ تعزز الوعي الميداني. ومن خلال هذا النظام لتبادل البيانات، ينبغي للقادة العسكريين وضباط الاستخبارات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لرصد الأنماط غير المتناغمة، ما يساعد على كشف التهديدات مبكرًا، ويعزز جاهزية الجنود في الميدان.

3-     نشر قوة نارية مرنة:

تركز "عقيدة الإعصار" أيضًا على ضرورة امتلاك "إسرائيل" القدرة على نشر قوة نارية قاتلة بشكل موثوق ضد التهديدات الحدودية؛ فرغم وجود محطات أسلحة حاليًا يتم التحكم بها عن بعد على حدود غزة، لكنها لا تعمل بشكل ذاتي بالكامل. إن أتمتة هذه المحطات ودمج المركبات الأرضية غير المأهولة سيؤمّن وجودًا نشطًا ودائمًا على الحدود، لدعم القوات المتمركزة هناك. وينبغي دمج هذه الأنظمة ضمن إطار القيادة والسيطرة الأوسع الذي تتبناه العقيدة؛ بحيث يمكنها التعامل مع التهديدات بشكل ذاتي أو بتوجيه بشري. كما إن اقتناء أو تطوير أنظمة مدفعية جديدة بعيدة المدى، تتميز بمدى وحركية واستقلالية أكبر من الأنظمة التقليدية، سيساعد على تحييد التهديدات الحدودية قبل أن تخترق المناطق الحيوية.

4-     تركيب أنظمة اتصالات متقدمة:

في إطار "عقيدة الإعصار"، سيتمكن كل من قادة الجيش خارج ميدان المعركة والجنود المقاتلون في القتال من تعزيز أنظمة الاتصالات، عبر القيادات والوحدات والمجالات (القوات الجوية، البرية، البحرية)، لمواجهة مجموعة واسعة من التهديدات بأفضل صورة. وستتيح هذه الاتصالات المحسنة للقوات توجيه أسرع وأكثر فعالية ودقة للقوة النارية ضد التهديدات، مع تقليل المخاطر على القوات الصديقة. كما إن هذه الاتصالات ستسهل إرسال العدد الأمثل من القوات إلى مناطق التهديد دون إفراط في توزيع القوات. ويمكن الاستفادة من الأنظمة المعتمدة في جيوش أخرى؛ مثل نظام "ATAK" الأمريكي الذي يمكّن الجنود من تتبع ومشاركة البيانات والتواصل والملاحة مع بعضهم البعض. وتتيح أنظمة الاتصالات المشفرة، مثل "راديوMPU5"، بث بيانات ومواقع حية، ويمكن دمجها مع الأفراد أو الطائرات المسيّرة والمركبات.

سادسًا: بناء الحماية من خلال تعزيز التعاون الأمريكي-"الإسرائيلي"

لدعم جميع هذه الجهود، تظل الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة عاملًا أساسيًا في قدرة "إسرائيل" على التكيف مع التهديدات المتغيرة باستمرار؛ فالتعاون بين البلدين يتجاوز مجرد الشراكة الدبلوماسية، بل يمثل رابطًا حيويًا للدفاع عن المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط. ومن خلال دعم أمن "إسرائيل" ودفاعها الوطني، ساعدت الولايات المتحدة في ردع وإضعاف الخصوم المشتركين، خاصة إيران ووكلائها. كما إن خلق بيئة من "عدم وجود فجوة" (توافق كامل) بين البلدين، من خلال تسريع تسليم الأسلحة، وتوسيع برامج البحث والتطوير المشتركة، وزيادة التدريبات الثنائية، يمكن أن يجعل التعاون الأمريكي-"الإسرائيلي" العمود الفقري لاستراتيجية الدفاع الحدودي "الإسرائيلية".

1-     توسيع البحث والتطوير المشترك لمواجهة المسيّرات والأنفاق والتهديدات الناشئة:

ليست "إسرائيل" مجرد متلقٍ للمساعدات العسكرية الأمريكية فحسب، بل هي أيضًا مركز تكنولوجي يطور ابتكارات عسكرية ومدنية متقدمة. وستستفيد كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل" من زيادة التعاون التكنولوجي بينهما، بما يضمن وصول كل طرف إلى المنتجات المبتكرة التي يطورها الآخر، والاستثمار في البحث والتطوير المشترك لمواجهة تهديد الطائرات المسيّرة والأنفاق التي بدأت تواجه الولايات المتحدة نفسها على حدودها. على سبيل المثال، يمكن لصندوق مشترك لدعم التقنيات التجارية ذات الاستخدام العسكري المزدوج، أن يمكّن الجيشين من الحصول على قدرات جديدة دون الضغط على قاعدة الإنتاج الدفاعية.

2-     توسيع البرامج المشتركة لدمج المعلومات ومكافحة المسيّرات والأنفاق:

يعد التكامل الأكبر بين القدرات الاستخباراتية والعملياتية للولايات المتحدة و"إسرائيل" أمرًا ضروريًا، لمواجهة تهديدات القرن الحادي والعشرين؛ فقد سمحت التدريبات العسكرية المشتركة مثل "جونيبر أوك" و"جونيبر فالكون" للبلدين بتعزيز القدرات المشتركة، وفي حالة "جونيبر فالكون" بمحاكاة الدفاع الصاروخي. وهناك أيضًا برامج تعاون بين "إسرائيل" ووزارة الأمن الداخلي الأمريكية "DHS" لتطوير تقنيات جديدة، مثل مؤسسة "BIRD" التي تدعم التعاون بين القطاع الخاص في البلدين لتلبية احتياجات الأمن الداخلي. وبالمثل، فإن التعاون في إنشاء مراكز دمج استخباراتية في "إسرائيل" سيسمح بجمع وتحليل وتوزيع المعلومات على جميع مستويات الأجهزة الأمنية. وينبغي للولايات المتحدة إرسال مسؤولين من وزارة الأمن الداخلي ووكالات الاستخبارات، وربما ضباط رفيعي المستوى، إلى "إسرائيل" للإشراف على برامج مراكز الدمج التجريبية ومشاركة أفضل الممارسات. كما سيساعد التمويل البرلماني في تطوير قدرات الحرب تحت الأرض، وأمن الحدود، ومكافحة الطائرات المسيّرة، والتقنيات الدفاعية الناشئة، وكلها تعزز وضع "إسرائيل" الحدودي وتدعم "عقيدة الإعصار".

3-     وحدة الموقف بين الحكومتين الأمريكية و"الإسرائيلية":

إن ترسيخ بيئة صلبة وواضحة من تطابق المواقف بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" يُظهر أنها خرجت من هجوم السابع من أكتوبر، والهجمات المتتالية من سبع جبهات، أقوى من أي وقت مضى وبمساندة أمريكية راسخة. لذلك، يجب على الولايات المتحدة إظهار دعم لا يتزعزع لحق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، وعلى الحكومتين أن تظلا متوافقتين علنًا بشأن القضايا المحورية، مثل إيران و"اتفاقيات أبراهام" وأمن الحدود وغيرها؛ فمثل هذا التوافق يعزز ثقة "إسرائيل" في مواجهة الأخطار الوجودية، ويقوي الردع ضد أعدائها. ويمكن للولايات المتحدة أن تمكّن "إسرائيل" من القضاء على التهديدات مع تقليل مدة وحدة النزاع وحدّته، من خلال تسريع شحنات الأسلحة وتعزيز أنظمة الدفاع الجوي وتنسيق الجهود الدبلوماسية.

4-     تسريع تسليم الأسلحة والمعدات إلى "إسرائيل":

لقد أصبح واضحًا للعيان من خلال الحرب أن السرعة والكفاءة في تسليم الأسلحة والمعدات الدفاعية الحيوية أمر بالغ الأهمية في أوقات الأزمات؛ وتُبرز التأخيرات السابقة في شحنات الأسلحة الأمريكية خلال صراعات غزة، مثل تجميد إدارة "بايدن" إرسال ذخائر دقيقة التوجيه بسبب مخاوف من سقوط ضحايا مدنيين، أهمية الدعم العسكري الفوري. وقد عزز قرار "ترامب" بالإفراج عن حزم الأسلحة الحيوية لـ"إسرائيل" من قدرة الردع "الإسرائيلية"، لكن على الولايات المتحدة أن تسرع أكثر في تسليم الأسلحة التي تحتاجها "إسرائيل".

5-     تعزيز وتجديد مخزون الأسلحة الأمريكي في "إسرائيل":

يمكن للآليات الأمريكية، مثل التموضع المسبق لمنصات الأسلحة وتخفيف العقبات البيروقراطية أمام المساعدات العسكرية العاجلة، أن تعزز بشكل كبير من القدرات العملياتية "الإسرائيلية". ويعتبر مخزون الطوارئ الحربي للحلفاء في إسرائيل "WRSA-I"  موردًا حيويًا لـ"إسرائيل" في أوقات الحرب؛ إذ يوفر لها إمكانية الوصول الفوري إلى مخزونات الأسلحة الأمريكية المسبقة. وكما أوصى " JINSA" منذ 2020، يجب أن يشمل تجديد هذا المخزون مجموعات توجيه الذخائر المشتركة  "JDAM"، وتقنيات مكافحة الطائرات المسيّرة، وغيرها من الإمدادات الضرورية لمواجهة تحديات القتال في القرن الحادي والعشرين.