استشراف الحالة الأمنية والسياسية والسيناريوهات المحتملة للمنطقة في الربع الأخير من عام 2025

الساعة : 16:10
30 سبتمبر 2025
استشراف الحالة الأمنية والسياسية والسيناريوهات المحتملة للمنطقة في الربع الأخير من عام 2025

المصدر: نيو لاينز إنستيتيوت

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

مقدمة:

سيشهد الربع الأخير من عام 2025 تصعيدًا عسكريًا محتملًا في الشرق الأوسط، بما في ذلك تزايد عمليات "إسرائيل" في غزة وتوسيع استهدافها للجماعات الموالية لإيران في جميع أنحاء المنطقة. وفيما يتعلق بالصراع بين روسيا وأوكرانيا، سيشهد الربع الأخير تصعيدًا مختلطًا في شكل رسوم جمركية غربية إضافية وعقوبات ضد روسيا؛ حيث سيظل المسار الدبلوماسي لإنهاء الصراع بعيد المنال. وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، سيشهد الربع الأخير تهدئة دبلوماسية مع إحراز الولايات المتحدة والصين مزيدًا من التقدم نحو اتفاقية تجارية تخفض الرسوم الجمركية.

وستشهد العديد من الدول درجات متفاوتة من عدم الاستقرار خلال هذا الربع، بما في ذلك الولايات المتحدة والسودان وكولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والهند والعراق وإيران والمكسيك ونيجيريا وباكستان وسوريا، مع تداعيات إقليمية وعالمية كبيرة.

أما فيما يتعلق بموضوعات الاتصال العالمي، ستشهد التجارة تحسنًا طفيفًا في الربع الأخير مع عودة التوازن إلى تعريفات البيت الأبيض، وقيود التكنولوجيا واستقرارها على نطاق واسع في الوضع الطبيعي الجديد، لكن الاستهلاك المتزايد للطاقة الناتج عن الذكاء الاصطناعي والتهديدات المتعلقة بالمناخ ستزيد من خطر انقطاع الطاقة.

أولاً: الشرق الأوسط

اتجه الشرق الأوسط نحو سيناريو التصعيد العسكري في الربع الثالث؛ حيث شنت "إسرائيل" حملةً لاحتلال مدينة غزة، وقصفت قيادة "حماس" في الدوحة، وزادت من التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، ووسعت نطاق احتلالها الإقليمي ونشاطها العسكري في سوريا، واستمرت في غاراتها الجوية في لبنان، وأطلقت حملة اغتيالات ضد قيادة الحوثيين في اليمن.

من جهتهما، واصلت كل من مصر وقطر التوسط في جهود وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن بين حماس و"إسرائيل" والولايات المتحدة. وشمل هذا النشاط إطلاق المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا آلية "العودة السريعة" إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وفرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران، واستمرار الحوثيين في هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر، بينما واصل حلفاء "إسرائيل" التقليديون في أوروبا اتخاذ إجراءات عقابية ضد "إسرائيل".

السيناريوهات المتوقعة:

·      سيناريو التصعيد العسكري: يُعزى هذا الاحتمال إلى استمرار دعم الولايات المتحدة لـ"إسرائيل" في تحقيق أهدافها المتمثلة في احتلال غزة وتهجير سكانها، إلى جانب التوسع الاستيطاني واحتمال ضم الضفة الغربية. فمن المرجح أن تُمارس الولايات المتحدة ضغطًا ضئيلًا أو معدومًا على "إسرائيل" لكبح نشاطها العسكري في أماكن أخرى بالمنطقة، وقد تشعر "إسرائيل" بجرأة لشن هجمات في تركيا ومصر أو دول أخرى تستضيف قيادة حماس.

·      سيناريو التصعيد المتوسط: واحتمال هذا السيناريو متوسط أو مرتفع؛ إذ من المرجح أن تُصعّد الولايات المتحدة وأوروبا العقوبات على إيران، كما يُرجح أن يُصعّد الحوثيون هجماتهم ضد الشحن الدولي. وقد تُكثّف دول الخليج والدول الإسلامية الضغط الدبلوماسي على "إسرائيل"، بما يشمل مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وتقييد نقل الأسلحة وتفعيل الالتزامات الدفاعية الإقليمية. وبالتالي، فإن التصعيد من "إسرائيل" في غزة والضفة الغربية، إلى جانب حملة موسعة جغرافيًا ضد قيادة حماس، ستُعرّض الحفاظ على "اتفاقيات أبراهام" وتوسيعها للخطر، وقد تُهدّد اتفاقيات السلام الرسمية والعلاقات مع مصر والأردن.

·      سيناريو التهدئة الدبلوماسية: واحتمال هذا السيناريو ضعيف، خصوصًا في غزة والضفة الغربية وسوريا؛ حيث لا تُواجه "إسرائيل" ضغطًا يُذكر من الولايات المتحدة لإنهاء هجماتها، كما إن القصف "الإسرائيلي" لقيادة حماس في الدوحة قد أثار شكوكًا حول مستقبل الجهود الدبلوماسية في غزة. كما إن هناك احتمالًا ضئيلًا لتهدئة التوتر الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران؛ حيث ما زال "ترامب" منفتحًا على التفاوض على اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني.

حرب روسيا وأوكرانيا:

اتجه الصراع الروسي/الأوكراني نحو سيناريو التصعيد العسكري في الربع الثالث، مع تزايد وتيرة الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الروسية ضد أوكرانيا، وتحقيق روسيا مكاسب إقليمية متزايدة شرق أوكرانيا. وفي حين تكثف النشاط الدبلوماسي في الربع الثالث، لا سيما مع الاجتماع المباشر بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في ألاسكا في آب/ أغسطس الماضي، لكن هذا لم يكن كافيًا لإحراز تقدم ملموس نحو اتفاق سلام أو وقف إطلاق نار. وقد أدى ذلك إلى تهديدات من جانب الولايات المتحدة بتصعيد في شكل زيادة العقوبات على روسيا، إضافةً إلى فرض تعريفات جمركية ثانوية أمريكية على صادرات الطاقة الروسية، رغم أن هذه التهديدات لم تتحقق خلال الربع الثالث.

السيناريوهات المتوقعة:

·      سيناريو التصعيد العسكري: واحتماله متوسط؛ حيث حددت روسيا تأمين منطقة دونباس بحلول نهاية عام 2025 كهدف رئيسي، بينما سيحرز الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تقدمًا في وضع ضمانات أمنية لأوكرانيا، وسيدفع ذلك إلى استمرار وزيادة النشاط العسكري خلال هذا الربع.

·      سيناريو التصعيد الهجين: واحتماله متوسط إلى مرتفع؛ إذ من المرجح أن تزيد الولايات المتحدة الضغط الاقتصادي على شكل رسوم جمركية ثانوية وعقوبات، إذا استمرت روسيا في عدم اتخاذ تدابير ملموسة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وبالتالي من المرجح أن تزيد موسكو من هجماتها ضد دول أوروبية أخرى.

·      سيناريو التهدئة الدبلوماسية: واحتماله منخفض إلى متوسط؛ ويرجع ذلك إلى عدم تحقيق نتائج من القمم الدبلوماسية رفيعة المستوى.

·      ومن المرجح جدّا أن يستمر الوضع الحالي بسبب التصعيد العسكري والقيود المفروضة على التحولات الكبيرة في التهدئة الدبلوماسية.

بؤر التوتر على مستوى الدول:

الولايات المتحدة:

شهدت الولايات المتحدة حالة من عدم الاستقرار المعتدل في الربع الثالث من هذا العام، مع نشر الحرس الوطني وقوات فيدرالية أخرى في واشنطن العاصمة، إلى جانب الخلاف حول جهود إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في ولايتي تكساس وكاليفورنيا وولايات أخرى. وفي الربع الرابع، ستتجه الولايات المتحدة نحو اضطراب اقتصادي محدود، في ظل التأثير المدمر للرسوم الجمركية العالمية والتحديات القانونية المحلية لهذه الرسوم. وسيؤدي نشر مزيد من الحرس الوطني في مدن مثل ممفيس ونيو أورلينز، إضافةً إلى معارضة المسؤولين المحليين، إلى استمرار اتجاه الاضطراب الأمني ​​المعتدل، في حين أن انتخابات التجديد النصفي لحكام الولايات والمجالس التشريعية للولايات المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر قد تؤدي إلى زعزعة سياسية محدودة، في ظل بيئة الاستقطاب المتزايد عقب مقتل الناشط السياسي المحافظ، تشارلي كيرك.

إيران:

شهدت إيران حالة من عدم الاستقرار المتوسط في الربع الثالث من هذا العام، عقب الهجمات الأمريكية "الإسرائيلية" التي ألحقت ضررًا كبيرًا بالبرنامج النووي وأدت إلى مقتل مسؤولين كبار، ما دفع إلى إعادة هيكلة داخلية ومزيد من العزلة عن الغرب، بما في ذلك تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي الربع الرابع، إذا دخلت العقوبات العاجلة التي هددت بها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة حيز التنفيذ في نهاية أيلول/ سبتمبر، واستمرت أزمة المياه الحادة في البلاد، فستتجه إيران نحو اضطراب اقتصادي وأمني حاد. بالمقابل، فإن التهديدات بالعقوبات وما ينتج عنها من احتجاجات مدنية ستعزز الاستقرار السياسي، من خلال الضغط لتخفيف حدة الانقسامات الأيديولوجية. ومن الجدير بالذكر، أن الأمن الداخلي والإقليمي لإيران سيستمر في حالة عدم الاستقرار نتيجة الاضطرابات الداخلية، وضعف وكلاء إيران، واحتمال شن مزيد من الهجمات "الإسرائيلية"، والإشراف الأمريكي المحتمل على حدودها مع أذربيجان وأرمينيا من خلال إدارة ممر زانجيزور، ما يعزز من احتمال التصعيد العسكري.

العراق:

شهد العراق اضطراباً أمنياً معتدلاً في الربع الثالث، مع استمرار هجمات تنظيم "داعش" في المحافظات الريفية، وتوسيع قوات الحشد الشعبي لأدوارها السياسية والأمنية، وإثارة النشاط العسكري الأمريكي والتركي توترات سيادية. وفي الربع الأخير من العام، من المرجح أن يستمر العراق في مواجهة انعدام الأمن المحلي، مع استمرار نشاط "داعش" ونفوذ الميليشيات الذي يُجهد السلطة الاتحادية. وقد تُؤدي الاستعدادات للانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، والنزاعات حول إدارة الانتخابات، إلى توترات سياسية محدودة، في حين سيُحافظ اعتماد بغداد على عائدات النفط على استقرارها المالي. من جهة أخرى، ستُعقّد التوترات الأمريكية الإيرانية في العراق، إلى جانب النزاعات العالقة بين بغداد وإقليم كردستان العراق، عملية صنع القرار الفيدرالي وتُعزز الهشاشة السياسية والأمنية للبلاد.

السودان:

لقد ساهم تصاعد الاشتباكات بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في تقويض الاستقرار الأمني خلال الربع الثالث من عام 2025، فيما اتسمت هذه الاشتباكات بزيادة استخدام الطائرات المسيرة والاستهداف الممنهج للمدنيين، كما أدى القتال إلى تدمير الإنتاج الاقتصادي والزراعي السوداني. وواصلت قوات الدعم السريع سعيها للحصول على اعتراف دولي بحكومتها المنفصلة في دارفور، بينما أثرت المجاعة على أجزاء عديدة من البلاد، لا سيما في الفاشر، في حين انتشر وباء الكوليرا في مناطق دارفور والخرطوم، لذلك فإن وكالات الإغاثة الدولية تواجه عوائق كبيرة.

وخلال الربع الأخير من العام، سيستمر السودان في اتجاهه نحو عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، وذلك بسبب التدخل الخارجي المتزايد من الإمارات، لا سيما من خلال دعمها اللوجستي المكثف واستخدامها للمرتزقة الكولومبيين، إضافةً إلى تداعيات الوضع في جنوب السودان. ورغم عودة الحياة الطبيعية نسبيًا في الخرطوم، ستظل العاصمة تواجه مشاكل إنسانية حادة، بما في ذلك نقص الخدمات الأساسية للمواطنين العائدين.

سوريا:

في الربع الثالث، شهدت سوريا ضعفًا نسبيًا في البيئة الأمنية؛ حيث خلّفت الاشتباكات الطائفية بين الحكومة المؤقتة والأقليات الدرزية في السويداء وقوات "قسد" الكردية مئات القتلى. وكشفت التوغلات العسكرية "الإسرائيلية" عن نقاط ضعف في دفاعات سوريا، بينما أشار الدعم العسكري التركي المتزايد للحكومة المؤقتة إلى تحالف أقوى بين البلدين. من ناحية أخرى، تعثرت محادثات السلام مع "قسد"، ما قلل من فرص التكامل، بينما شهدت البلاد بوادر استقرار اقتصادي، مدعومةً بالاستثمارات التركية والسعودية في البنية التحتية للطاقة والتجارة، إلى جانب أول تصدير نفطي لها منذ أكثر من عقد. وفي الربع الرابع، من المرجح أن يستمر الاستقرار الاقتصادي بفضل الاستثمارات السعودية والتركية، لكن من المتوقع أن تتدهور الأوضاع السياسية والأمنية مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل، ما قد يؤدي إلى ردود فعل طائفية واشتباكات مع "إسرائيل" و"قسد".

تركيا:

شهدت تركيا حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني ​​خلال الربع الثالث، في ظل الاعتقالات المثيرة للجدل لأكثر من 100 سياسي منتمين إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض، والذين يخضعون للتحقيق بتهم الفساد والتلاعب في المناقصات. وفي الربع الرابع، من المتوقع أن تشهد البلاد استقرارًا سياسيًا وأمنيًا طفيفًا، بفضل التضييق التدريجي على حزب الشعب الجمهوري ومبادرة الرئيس "أردوغان" لمكافحة الإرهاب، التي تستهدف حزب العمال الكردستاني. وسيؤدي الاستقرار الاقتصادي المعتدل، الذي يتميز بتخلي تركيا عن السياسات الاقتصادية غير التقليدية المتعلقة بجائحة "كوفيد"، وتبسيط التجارة عبر الممرات الناشئة مثل مبادرة الحزام والطريق، والزيادة الكبيرة في صادرات قطاع الدفاع، إلى رفع قيمة الليرة تدريجيًا من أدنى مستوياتها القياسية.