قراءة في تداعيات التوسع السريع لـ"المجلس الانتقالي" في محافظة حضرموت

الساعة : 15:27
24 ديسيمبر 2025
قراءة في تداعيات التوسع السريع لـ

المصدر: رويال يونايتد سيرڤيس إنستيتيوت

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

رغم أن سيطرة "المجلس الانتقالي الجنوبي" على معظم الساحل الجنوبي لليمن قد تُقيِّد قدرة الحوثيين على توسيع هجماتهم عملياتيًا نحو خليج عدن، فإن المكاسب المحتملة قد تفوق الكلفة، حتى إن كانت مؤقتة. فقد أطلق "الانتقالي" المدعوم من الإمارات هجومًا عسكريًا سريعًا في عموم جنوب اليمن في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، استولى خلاله على مديريات رئيسية في حضرموت، أغنى محافظات البلاد بالموارد، وعزّز سيطرته على عدن، مقر الحكومة المعترف بها دوليًا، وعلى مساحات واسعة من الشريط الساحلي الجنوبي.

ويمثل هذا التحرك التحولَ الإقليمي الأكثر أهمية منذ الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة عام 2022؛ إذ إنه لا يعيد تشكيل موازين القوى الداخلية في اليمن فحسب، بل يطال أيضًا بنية الأمن الأوسع في البحر الأحمر وخليج عدن. وتنظر الإمارات إلى جنوب اليمن بوصفه مجال نفوذ محوري، نظرًا لثرواته وقربه من مضيق باب المندب ومسارات الشحن العالمية الحيوية، ما يضعها في موقع قوي لتوسيع طموحاتها كفاعل في أمن الملاحة البحرية.

بالمقابل، فإن التوسع السريع لـ"الانتقالي" ينطوي على مخاطر، أبرزها تكريس سيطرة الحوثيين في شمال غرب اليمن، ومزيد من تهميش الحكومة المعترف بها دوليًا. كما إن الاستيلاء على مساحات واسعة من الجنوب زاد من حجم الاحتكاك مع قوات حكومية مدعومة من السعودية، وعقّد الهدنة الهشّة المدعومة أمميًا مع الحوثيين ومساعي السلام الأوسع. وإذا ترسّخ هذا الأمر، فقد يُكرّس انقسامًا فعليًا بين الشمال والجنوب، بما يقوّض وحدة اليمن التي تحققت عام 1990. فقد أدخل الهجوم قوات "الانتقالي" في مواجهة مباشرة مع الحكومة المعترف بها دوليًا والمدعومة سعوديًا، ممثَّلة بـمجلس القيادة الرئاسي، وحلفائها، ومنهم حلف قبائل حضرموت بقيادة الشيخ "عمرو بن حبريش"، الذي نشر مقاتلين حول منشأة "بترو مسيلة" النفطية، أكبر شركة نفط في اليمن، في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، ما أدى لتوقف الإنتاج.

يُذكر أن "المجلس الانتقالي الجنوبي" تأسس عام 2017، ويتكوّن من تحالف فصائل مسلحة جنوبية ومجموعات قبلية حليفة، ويعتبر جزءًا رسميًا من الحكومة اليمنية المعترف بها أمميًا، لكنه يقدّم نفسه أيضًا ممثلًا لحركة وطنية جنوبية. وقد تلقّى قدرًا كبيرًا من التدريب والتسليح والتمويل من الإمارات، مستندًا إلى وحدات شبه عسكرية مدعومة إماراتيًا مثل "قوات الحزام الأمني" و"ألوية العمالقة" و"قوات النخبة الحضرمية". ويؤكد المجلس أن عملية "المستقبل الواعد" تهدف لتعطيل وتفكيك شبكات التهريب المتجذرة في حضرموت.

لكن انهيار سلطة الحكومة اليمنية في الشرق والجنوب، أي في مناطق خارج سيطرة الحوثيين، يخلق فراغًا استراتيجيًا يقوّض أهداف الاستقرار. ومع العجز المتزايد لمجلس القيادة الرئاسي عن ترسيخ الحكم وضمان الأمن وتقديم الخدمات العامة، تتآكل شرعيته، ما يعني أن الحوثيين يواجهون قيودًا أقل في تعزيز معاقلهم الساحلية الغربية وقدراتهم التخريبية في ممرات الشحن بالبحر الأحمر. كما إن التشرذم داخل التحالف الذي تقوده السعودية، والذي تفاقم بعد سيطرة الانتقالي، يرسّخ هيمنة الحوثيين في الشمال الغربي ويزيد المخاطر على أمن الملاحة البحرية.

التنافس السعودي–الإماراتي وتباين الأهداف في اليمن

رغم دخول السعودية والإمارات حرب اليمن كشريكين في تحالف واحد، إلا أن أهدافهما الاستراتيجية تباعدت بدرجة كبيرة؛ فمنذ انضمامها للتحالف، نظرت الإمارات إلى الحكومة اليمنية، لا سيما مكوناتها المرتبطة بحزب الإصلاح، بوصفها تهديدًا أيديولوجيًا وأمنيًا. وبناءً على ذلك، أعاقت أبوظبي بشكل منهجي الجهود الرامية لترسيخ سلطة الحكومة، وفضّلت تمكين فاعلين مسلحين محليين للحد من نفوذ الإصلاح، وقد تُوِّج هذا النهج عام 2017 بتأسيس "المجلس الانتقالي الجنوبي".

بالمقابل، سعت السعودية للحفاظ على الحكومة اليمنية والتوصل لتسوية تفاوضية مع الحوثيين، تحمي حدودها وتضع حدًا لهجمات الصواريخ والطائرات المسيّرة على أراضيها. ويتمحور تركيز الرياض حول إبقاء ائتلاف يمني مناهض للحوثيين متماسكًا، بوصفه ثقلًا موازنًا للتهديد الحوثي، في ظل استمرار تهديد الهجمات العابرة للحدود، وسيطرة الحوثيين على نسبة كبيرة من الشريط الحدودي مع السعودية.

واليوم، يواجه مجلس القيادة الرئاسي، وهو ائتلاف هش من قوى قبلية وسياسية وعسكرية مناهضة للحوثيين، خطر التفكك بعد سيطرة "الانتقالي" على حضرموت. وتعتمد أوراق ضغط الرياض على وجود كتلة متماسكة مضادة للحوثيين؛ لكن مع تآكل سلطة الحكومة المعترف بها دوليًا، يتصدّع هذا التماسك. ومن منظور الإمارات، فإن تعزيز "الانتقالي" يمنحها نفوذًا عبر وكيل فعّال قبل أي تسوية سياسية وطنية مستقبلية قد يتم التفاوض عليها بين السعودية والحوثيين.

المصالح الإماراتية–"الإسرائيلية" في سياق جنوب اليمن

تشكل حماية النفوذ البحري عبر حوض البحر الأحمر، بما فيه جنوب اليمن، والقرن الأفريقي ركيزةً أساسية في السياسة الإقليمية للإمارات، وذلك عبر الموانئ التجارية والقواعد العسكرية والمراكز اللوجستية والجزر التي تعزز سيطرتها على أهم الممرات البحرية العالمية. وقد استثمرت الإمارات في أنظمة رادار وتمديدات مدارج وبنى مراقبة في جزيرتي عبد الكوري وسمحة (من أرخبيل سقطرى الخاضعة إداريًا لسلطات موالية للمجلس الانتقالي)، وفي جزيرة ميون عند باب المندب، بما يتيح مراقبة بحرية واسعة النطاق.

ومن وجهة نظر أبوظبي، فإن ترسيخ نفوذ حليف سياسي عسكري لها جنوب اليمن قد يعزز المراقبة البحرية في مناطق محورية، تشمل عدن والمكلا والمهرة ومقاربات سقطرى، وهو ما يعكس نمط تأمين الاقتصاد في المقاربة الإقليمية الإماراتية؛ حيث تُدمج الاستراتيجيات الأمنية والتجارية. وقد أصبحت أرخبيل سقطرى أحد أهم الأصول البحرية الاستراتيجية في المنطقة؛ فبعد أن استخدمها الاتحاد السوفيتي تاريخيًا لنصب رادارات تراقب المحيط الهندي، فإنها تحتل اليوم موقعًا مركزيًا بين البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب. وتوثّق تقارير أممية متعددة كيف وسّعت الإمارات بصمتها الأمنية هناك منذ 2018، بالتعاون مع سلطات محلية موالية لـ"الانتقالي"، عبر إنشاء هياكل حوكمة محلية وتطوير الموانئ وتركيب أنظمة إنذار مبكر متقدمة مرتبطة بقدرات الحوثيين الصاروخية. وتتيح هذه المنشآت تتبع حركة السفن عبر مسافات شاسعة، وتوفير بيانات ذات صلة بمكافحة التهريب والإرهاب والإنذار المبكر للصواريخ.

ومن الأبعاد التي لم يتم استكشافها بما يكفي: تداخلُ الديناميكيات الأمنية والسياسية جنوب اليمن، والتي تشكّل الإمارات عاملها الأبرز، مع أولويات الأمن البحري لـ"إسرائيل"؛ فقد أرسَت "اتفاقات أبراهام" عام 2020 إطارًا لتنسيق إماراتي–"إسرائيلي" رسمي، مع تقارير عن شراكات متنامية في الصناعات الدفاعية، وتعاون في مبادرات أمن سيبراني متعددة الأطراف، أبرزها منصة تبادل استخباراتي تُعرف باسم  "Crystal Ball".

وبحسب تحليل لمركز الأبحاث "الإسرائيلي" في تل أبيب "Mind Israel"، فإن النتيجة الأكثر فورية لتقدم "الانتقالي"، من المنظور "الإسرائيلي"، هي تقليصٌ جزئي لقدرة الحوثيين على الحصول على أسلحة متقدمة. فتعطيل مسارات التهريب عبر حضرموت والمهرة يضغط على الشبكات اللوجستية الإيرانية، ويحد من تدفق المواد اللازمة للقدرات بعيدة المدى. لكن هذا مكسبٌ تكتيكي محدود؛ إذ أظهر الحوثيون مرارًا مرونةً وقدرة على التكيف وإعادة بناء سلاسل الإمداد، فيما تظل البيئة الاستراتيجية الأوسع في صالحهم ما دام خصومهم الإقليميون منقسمين.

ورغم أن سيطرة "الانتقالي" على معظم الساحل الجنوبي قد تُقيِّد قدرة الحوثيين على توسيع الهجمات عملياتيًا في خليج عدن، فمن المرجح أن يكون أثر ذلك مؤقتًا، وقد تفوق كلفته مكاسبه. فالنتيجة الاستراتيجية الأرجح هي مركز سياسي حوثي أقوى في الشمال الغربي، وائتلاف أضعف ومنقسم في مواجهته، بما يقود لمزيد من التفكك السياسي في اليمن.

التحديات التي تواجه "الانتقالي الجنوبي"

رغم مكاسبه الإقليمية، يواجه "الانتقالي" تحديات داخلية وخارجية جسيمة؛ فما زال "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" نشطًا في مناطق نائية من حضرموت وشبوة. ومع أن الإمارات نفّذت عمليات فعّالة لمكافحة الإرهاب ضد التنظيم، يرى منتقدون أن سرديات مكافحة الإرهاب استُخدمت أحيانًا لتبرير توسّع إقليمي أكبر.

محليًا، تُدار حضرموت بقدر كبير من التوافقات القبلية بقدر ما تُدار بالمؤسسات الرسمية، ومن غير المرجح أن يقبل حلف قبائل حضرموت ووسطاء القوة المحليون هيمنةً طويلة الأمد من قبل "الانتقالي" دون تفاوض. كما تمثل البنية النفطية في حضرموت فرصةً ومخاطر في الوقت نفسه؛ فالتحكم في تدفقات الموارد قد يعزز القدرة الإدارية للمجلس، لكنه قد يفتح أيضًا خطوط صراع جديدة مع قوى جنوبية أخرى أو مع الرياض. وإذا نجحت الإمارات في تثبيت كيان جنوبي شبه مستقل، فقد يعمد الحوثيون لتكثيف عملياتهم البحرية تعويضًا عن القيود على التهريب البري. وعليه، سيعتمد أمن الملاحة في البحر الأحمر بدرجة كبيرة على قدرة "الانتقالي" والإمارات على استقرار الساحة الجنوبية، أو على ما إذا كان التفكك سيتعمق ويولّد مخاطر بحرية جديدة.

ومع أن "الانتقالي" يمتلك سيطرةً فعلية على الجنوب، فإنه يفتقر إلى الاعتراف الدولي، وهنا تبرز ديناميكية متحركة تتعلق بالتكهنات حول انفتاح المجلس على "إسرائيل"؛ فقد صرّح رئيسه، عيدروس الزبيدي، في مقابلة بتاريخ 24 سبتمبر/ أيلول 2025 بأن جنوب اليمن المستقل مستقبلًا قد ينظر في الانضمام إلى "اتفاقات أبراهام" بشرط "استعادة غزة وفلسطين حقوقهما"، ورغم وضوح سعي المجلس إلى الاعتراف الخارجي، فإن هذا الانفتاح قد يتحول إلى عبء كبير.

كما إن تعزيز كيان جنوبي متحالف مع الإمارات قد يغذي السردية الأيديولوجية للحوثيين، التي تصوّر الإمارات متماهية مع المصالح الغربية و"الإسرائيلية". فإذا اقترب "الانتقالي" من وضعٍ يشبه الدولة، فقد تجد "إسرائيل" نفسها في موقف دقيق؛ فمن جهة قد يعزز التعاون غير المباشر مع كيان جنوبي المراقبة البحرية والإشراف على مسارات التهريب وأمن البحر الأحمر، ومن جهة أخرى قد يفاقم ذلك التنافسات الإقليمية، بين السعودية والإمارات وبين الحوثيين والكتلة الجنوبية، بما قد يمنح الحوثيين ذرائع متجددة لاستهداف "إسرائيل" أو الأصول البحرية المرتبطة بها. فضلًا عن ذلك، فقد تُعقّد قابلية "الانتقالي" للانخراط في إطار "اتفاقات أبراهام" موقف "إسرائيل" إذا تعارضت مع تفضيلات استراتيجية أمريكية أو سعودية.

الدلالات والسياسات المقترحة

من المرجح أن يكون الهدوء النسبي الحالي في تصعيد الحوثيين مؤقتًا، وأن تتبدل ذرائعهم تبعًا للظروف؛ سواء تطورات غزة أو السياسات "الإسرائيلية" في الضفة الغربية. وينبغي للمملكة المتحدة تكثيف التنسيق البحري وتبادل المعلومات عبر "قوة المهام 153" التابعة للقوات البحرية المشتركة بقيادة الولايات المتحدة، والتي تركز على مواجهة أنشطة الحرب غير النظامية المرتبطة بإيران وتعزيز التعاون الأمني البحري الأمريكي–الخليجي في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

في الوقت نفسه، يجب أن تراعي خطط المملكة المتحدة البحرية ودبلوماسيتها المخاطر طويلة الأمد، الناجمة عن زعزعة الاستقرار إذا أصبح التفكك الإقليمي والسياسي في اليمن دائمًا، كما يتعين عليها تكثيف الجهود لخفض حدّة التنافس السعودي–الإماراتي في اليمن، لما لذلك من تداعيات معقدة على العمليات البحرية.

وأخيرًا، ينبغي أن تُعطى الأولوية الدولية للحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة اليمنية، ودعم صمود الحكومة المعترف بها دوليًا؛ فالحيلولة دون الانهيار المالي عنصرٌ محوري للحفاظ على أي بنية حوكمة قابلة للحياة وقادرة على الانخراط في آليات الأمن الإقليمي.