استشراف موجز لمستقبل الوضع الأمني في سوريا

الساعة : 10:45
18 ديسيمبر 2025
استشراف موجز لمستقبل الوضع الأمني في سوريا

المصدر: آرمِد كونفليكت لوكيشن آند إيفينت داتا (ACLED)

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

هل سيصمد التوازن الهش في سوريا خلال عام 2026؟

ستُحدِّد أنماط العنف غير المتكافئة التي شهدتها سوريا خلال عام 2025 طبيعة الضغوط التي ستواجهها البلاد في العام القادم؛

أولًا: تواصل الإدارة الجديدة سعيها لإصلاح أجهزتها الأمنية؛ فمن خلال تشديد هياكل القيادة، ودمج فصائل ووحدات من المعارضة المسلحة، وإعادة هيكلة الشرطة ولجان الأمن المحلية، تسعى الإدارة إلى تأمين مناطق مثل إدلب وغرب حلب. وتندرج هذه الخطوات ضمن جهود الحفاظ على النظام والأمن، وهو شرطٌ أساسي لإعادة انخراط سوريا مع الشركاء الخارجيين. وحتى الآن، أسهمت هذه التغييرات في تراجع مستويات العنف في أجزاء من الشمال، غير أنّ تعثّر هذه الإصلاحات قد يخلّف مشهدًا مجزّأً من الجماعات ذات الولاءات المتشظية، بما يرفع مخاطر التنافس والصدام في المستقبل.

ثانيًا: ستساعد عودة انخراط سوريا الدبلوماسي خارج الحدود في إعادة تشكيل المشهد الأمني؛ فشطب اسم الرئيس "الشرع" من قوائم الإرهاب، وتنامي تعاون الحكومة مع القوات الأمريكية ضد تنظيم "داعش"، والنقاشات بشأن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمكافحة التنظيم، كلها مؤشرات على تحولات جيوسياسية كبرى. كما أسهم التنسيق مع تركيا خلال عام 2025 في تحسين الوضع الأمني في المحافظات الكردية شمال شرقي البلاد. وبدعم أمريكي، أتاح اتفاق جرى التوصل إليه في تشرين الأول/ أكتوبر 2025 دمج وحدات قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في الجيش السوري الجديد بوصفها تشكيلات متكاملة، مع الحفاظ على قدر من الاستقلالية وهياكل القيادة الداخلية، وستكون سلاسة هذا الاندماج عاملًا حاسمًا في تحديد استقرار الشمال الشرقي خلال عام 2026.

توازيًا مع ذلك، تجري محادثات مع لبنان والعراق لتشديد ضبط الحدود والحد من مسارات التهريب، لكن المسار الأكثر تأثيرًا يبقى القناة التي ترعاها الولايات المتحدة بين سوريا و"إسرائيل". فإذا أحرزت هذه المحادثات تقدمًا، فقد تتراجع الضربات "الإسرائيلية" ويبدأ الوضع الأمني على طول الجولان بالاستقرار، أما إذا تعثرت المفاوضات أو فشلت، فقد تفضي إلى تصعيد جديد، لا سيما في محافظتي السويداء ودرعا.

ثالثًا: يتيح الاستقرار الاقتصادي الكلي لسوريا الانفتاح تدريجيًا على الأسواق المالية الدولية؛ فتخفيف عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتجدد اهتمام دول الخليج، وبدء محادثات أولية مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كلها تعتبر مؤشرات على احتمال حصول سوريا على دعم مالي خلال عام 2026. ومن شأن هذا الدعم أن يعزز قدرة الحكومة الانتقالية على الحكم، وتثبيت الرواتب، وإصلاح الخدمات الأساسية، وتقليص الاعتماد على الجباية غير الرسمية أو الوسطاء المسلحين. لكن غياب الإدارة الشفافة قد يجعل هذه الموارد الجديدة وقودًا لتعزيز شبكات المحسوبية القائمة، أو لإذكاء التنافس بين النخب المحلية بما ينذر بعودة العنف.

رابعًا: تظل التوترات الطائفية في مناطق الأقليات شديدة الهشاشة؛ فقد خلّفت مشاركة فصائل مرتبطة بالسلطة الانتقالية في أعمال عنف ضد مدنيين في السويداء وطرطوس صدمات عميقة وقوّضت الثقة، بينما لم تُبذل جهود كافية للمساءلة أو المصالحة لمعالجة هذه الأحداث. ولم تقلّل التحقيقات التي قادتها الإدارة الجديدة من النزعات الطائفية، وفشلت في فرض الانضباط على المرتكبين، ما أثار مخاوف بشأن قدرة الإدارة على ضبط الفصائل المتشددة. وكما حدث مرارًا خلال العام الماضي، قد يخفي الهدوء النسبي الحالي مظالم كامنة، ربما تنفجر لاحقًا في موجات عنف أشدّ. وإذا ظلت هذه القضايا دون معالجة، فقد تتجه المجتمعات الدرزية والعلوية لتشكيل جماعات للدفاع الذاتي، أو طلب دعم خارجي، أو تصعيد المطالب بالحكم الذاتي.

من جهة أخرى، يخيّم خطر عودة تنظيم "داعش" على مجمل هذه الديناميات؛ حيث رسّخ التنظيم وجوده في الشمال الشرقي ويسعى لاستغلال مواطن الضعف في النظام الأمني الآخذ في التشكل. وإذا انسحبت القوات الأمريكية، أو تدهور التعاون بين القوات السورية و"قسد"، فمن المرجح أن يتحول التنظيم لتنفيذ عمليات عالية التأثير، تشمل اغتيالات موجّهة، وتخريب البنية التحتية، ومحاولات لتحرير المحتجزين. وتشير المداهمات الأمنية أواخر عام 2025 إلى تحسّن فاعلية الاستخبارات السورية، لكن التنظيم ما زال يمتلك القدرة على تنفيذ هجمات رمزية ومحاولات اغتيال تستهدف مسؤولين كبارًا، بما يبقي التهديد قائمًا بقوة.