العلاقات العراقية الأمريكية على أبواب مرحلة جديدة بنهاية مهمة التحالف الدولي

الساعة : 15:52
17 سبتمبر 2025
العلاقات العراقية الأمريكية على أبواب مرحلة جديدة بنهاية مهمة التحالف الدولي

المصدر: أتلانتك كاونسل

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

تدخل الشراكة الأمريكية العراقية حقبة جديدة؛ ففي أيلول/ سبتمبر الجاري يُنهي "التحالف العالمي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)" مهمته في العراق. وكان الجدول الزمني المتفق عليه لإنهاء مهمة "عملية العزم الصلب"، والذي أُعلن عنه العام الماضي من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، والحكومة العراقية، ينص على استمرار عمليات التحالف في سوريا المجاورة انطلاقًا من العراق؛ حيث يتفق الشركاء على أن التنظيم ما زال يُشكل تهديدًا خطيرًا. وإن كانت هذه المرحلة الجديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق تُقدم العديد من الفرص لكنها بالمقابل يكتنفها  كثير من التحديات والشكوك.

واقعيًا، يُمثل انتهاء عملية "العزم الصلب" انتقالًا إلى شراكة أمنية ثنائية بين الولايات المتحدة والعراق، تُركز على تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب والتعاون الدفاعي. ويعتبر هذا التحول حاسمًا لمنع تكرار الإهمال السابق الذي ساهم في صعود "داعش"، ويتطلب من كلا الطرفين الحفاظ على علاقة قوية ودائمة. كما يهدف الإطار الجديد إلى تعميق التعاون في مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني وأمن الحدود والاستجابة للتهديدات الإقليمية، مع دمج القوات العراقية والكردية وإصلاح القطاعات الأمنية المتأثرة بالجماعات المدعومة من إيران.

على الجانب العراقي، يسمح انتهاء "عملية العزم الصلب"، الذي طال انتظاره بعد هزيمة "داعش"، للعراق بإعادة تأكيد سيادته، ويشير إلى تحول من الوجود العسكري في زمن الحرب إلى شراكة أمنية ثنائية متوازنة. ويمكن لهذا التحول أن يُخفف التوترات السياسية ويُعزز نوعًا من التعاون الأوسع يتجاوز الأمن، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية وتطوير الطاقة، ودعم استقرار العراق والمصالح الوطنية الأمريكية في المنطقة. لقد كان للمهمة العسكرية الأمريكية في العراق إرث مُعقد؛ فقد أنهت حكم "صدام حسين" وهزمت "داعش"، لكنها تسببت أيضًا في عدم استقرار طويل الأمد، وانقسامات طائفية، وتحولات في موازين القوى الإقليمية لصالح إيران. كما خلّفت المهمة خسائر بشرية هائلة وخسائر في البنى التحتية كذلك، ما خلق تحديات اجتماعية وسياسية دائمة. ورغم أن التحالف كان أساسيًا لتحقيق المكاسب الأمنية للعراق، لكنه فاقم الصراعات والتوترات كذلك.

عمليًا، يعتمد تحديد إذا كانت نهاية "عملية العزم الصلب" انسحابًا أم انتقالًا على تفاصيل وجود القوات الأمريكية وأعدادها ومواقعها، وهذا الأمر ما زال غير محسوم؛ فالتواجد المُخفّض مع الحفاظ عليه يمكن أن يدعم استمرار التعاون في مكافحة الإرهاب وشراكة عسكرية ثنائية، لكن الانسحاب الكامل مع تعاون محدود يمكن أن يُقلل من نفوذ الولايات المتحدة وقد يُفيد إيران.

ولا شك أن انتهاء العملية سيؤثر على المصالح الأمنية الأمريكية، من خلال الخلل في التوازن بين مواجهة "داعش" وإدارة نفوذ إيران في العراق. وبينما لا يزال "داعش" يُشكل تهديدًا، فإن احتواءه يعتمد على صياغة سياسات عراقية شاملة واستمرار التعاون مع الولايات المتحدة. من جهتها، تُعارض إيران الوجود الأمريكي، وستقاوم أي توسع في العلاقات الأمريكية العراقية، ما يُمثل مهمةً دقيقةً للعراق للحفاظ على علاقاته مع كليهما. وبالتالي، فإن مستقبل الحكم العراقي سيؤثر بشكل حاسم على قدرات الاستخبارات الأمريكية والاستقرار الإقليمي، مع احتمال زيادة النفوذ الإيراني إذا فقد المسؤولون المؤيدون للولايات المتحدة السلطة.

على المستوى الإقليمي، سيؤدي انتهاء "عملية العزم الصلب" في العراق إلى إضعاف المصالح الأمنية الأمريكية في سوريا، وذلك من خلال تعطيل تبادل المعلومات الاستخباراتية والضربات المنسقة التي تستهدف "داعش"، ما يُهدد بعودة ظهوره. من ناحية أخرى، فإن فقدان أربيل كقاعدة بعد عام 2026 سيُقلل من فعالية العمليات الأمريكية وسلطتها القانونية، ما لم تظهر أطر عمل جديدة في سوريا. كما إن انتهاء العملية سيُقلل أيضًا من نفوذ الولايات المتحدة في مواجهة روسيا وإيران في سوريا. وبناءً على ذلك، يظل استمرار التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والعراق أمرًا حيويًا لمواجهة التنظيم والتوتر الإقليمي، لا سيما فيما يتعلق بالتهديدات العابرة للحدود والدبلوماسية الإقليمية الأوسع.

من جانبها، تستطيع الولايات المتحدة الحفاظ على نفوذها بعد انتهاء العملية من خلال بناء شراكة أمنية متينة مع العراق بشكل فعال، تُؤثر على القرارات العراقية وتُعالج تحديات مثل الميليشيات المدعومة من إيران والفساد والإرهاب. ويُعد استمرار التعاون العسكري أمرًا بالغ الأهمية لتمكين الاستثمار الاقتصادي والاستقرار الإقليمي، عبر التزام الولايات المتحدة وانخراطها القوي مع الاعتماد على التعاون العراقي لاستدامة الشراكة. وينبغي أن تُركز الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق أيضًا على استدامة التعاون الأمني، وتجنب أخطاء الماضي، وتعميق التعاون الدفاعي لهزيمة "داعش" وإصلاح القطاعات الأمنية.

والجدير بالملاحظة أن مواقف العرب السنة تجاه الوجود العسكري الأمريكي أصبحت أكثر إيجابية خلال الجهود المبذولة لهزيمة "القاعدة" و"داعش"؛ حيث اعتبروا الولايات المتحدة شريكًا أساسيًا في مواجهة تهديدات المتطرفين والمتشددين الشيعة. لكن مع هزيمة "داعش" وتحول السياسة إلى صفقات تجارية، يشعر القادة السنة الآن بأنهم أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة، رغم أن المجتمعات السنية ما زالت عرضة للصراعات المستقبلية التي قد تؤثر عليهم بشكل غير متناسب. أما النخبة السياسية الشيعية فلديها مشاعر متباينة حيال نهاية "عملية العزم الصلب"؛ فهي ترحب بتوثيق العلاقات مع إيران التي تدعم هيمنتها السياسية، لكنها قلقة من فقدان النفوذ الأمريكي، ما يُصعّب موازنة العلاقات بين واشنطن وطهران في ظل استمرار التوترات الأمريكية الإيرانية.

على مستوى  الحكومة، ستُشكّل نهاية العملية بعد عام 2026 اختبارًا للهيكل الفيدرالي العراقي والحكم الذاتي الكردي؛ حيث شكّل الوجود العسكري الأمريكي ضمانة أمنية رئيسية لإقليم كردستان في مواجهة بغداد. وقد يُحوّل الانسحاب الأمريكي الكامل ميزان القوى نحو بغداد، ما يُضعف النفوذ الكردي ويُخاطر بالتهميش السياسي الذي قد يُزعزع استقرار المنطقة، على غرار الأنماط السابقة التي أعقبت انسحاب القوات الأمريكية.

وبالتالي، فإن انتهاء العملية سيُعيد تشكيل العلاقات بين أربيل وبغداد بشكل جذري، من خلال إزالة القوات الأمريكية كعامل استقرار أساسي وركيزة أمنية للأكراد. ويتوقف استقرار العراق في المستقبل على مدى تجنب بغداد للمركزية الاستبدادية واحترام الحكم الذاتي الدستوري، لأن ذلك لن يؤثر فقط على حقوق الأكراد، بل سيؤثر أيضًا على التماسك الوطني العراقي وتوازن القوى في الشرق الأوسط بشكل أوسع.