المصدر: كونترول ريسكس
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
إيران لديها خيارات قبل إغلاق مضيق هرمز
بمحاولتها إغلاق مضيق هرمز ستُلحق إيران ضررًا اقتصاديًا جسيمًا بنفسها، وستُشوّه العلاقات الدبلوماسية الجيدة نسبيًا مع دول الخليج، وستُثير ردًا عسكريًا أمريكيًا واسع النطاق. فخلال حرب حزيران/ يونيو بينها وبين "إسرائيل"، كان التقييم أن إيران لن تُقدم على إغلاق المضيق إلا إذا شعرت بتهديد وجودي، وأن تقويض جيرانها من دول الخليج سيكون وسيلةً لتجنب الهزيمة الكاملة واحتمال تغيير النظام. في هذه الحالة، لم تُبادر طهران لمحاولة إغلاق المضيق عقب استهداف الولايات المتحدة لثلاث منشآت نووية، بل شنّت هجومًا محدودًا على قاعدة "العديد" العسكرية الأمريكية في قطر، وأبلغت قطر والولايات المتحدة مسبقًا، وفقًا للتقارير.
وقبل محاولة إغلاق مضيق هرمز في أي سيناريو صراع مُماثل في المستقبل، فلدى إيران عدة خيارات من المُرجّح أن تُطبّقها؛ مثل شنّ هجمات على قواعد وأصول بحرية أمريكية، إضافةً إلى منشآت إنتاج النفط الخليجية. ومن نافلة القول أن إيران ليست الدولة الوحيدة التي ستتأثر بالإغلاق؛ حيث تعتمد دول الخليج المُنتجة للنفط الخام اعتمادًا كبيرًا على هذا الممر المائي؛ فإجمالي تدفقات النفط الخام والمكثفات والمنتجات البترولية المُكررة من الخليج يمثل واحدًا من كل خمسة براميل تُستهلك يوميًا على مستوى العالم. وقد بدأت بعض دول منطقة الخليج، بما فيها إيران، بالفعل اتخاذ إجراءات لتقليل اعتمادها على المضيق، إلى جانب أن الهجوم غير المسبوق على قاعدة العديد، يعني أن قرار إيران بإغلاق المضيق مستقبلًا سيكون أسهل.
تأثير إغلاق المضيق سيتجاوز إيران
السعودية والإمارات:
سيتمكن الاقتصادان النفطيان السعودي والإماراتي من تجنب عواقب أي محاولة لإغلاق مضيق هرمز، من خلال إعادة توجيه تدفقات النفط الخام، لكنهما لن ينجوا من ذلك تمامًا؛ حيث سيتأثر رصيد منتجاتهما المكررة والغاز الطبيعي المسال. جدير بالذكر أن من بين جميع الدول التي تستخدم المضيق، تمتلك السعودية والإمارات فقط طرق تصدير بديلة؛ حيث تمتلك المملكة خط أنابيب شرق-غرب، الذي تبلغ طاقته خمسة ملايين برميل يوميًا، بينما تمتلك الإمارات خط أنابيب حبشان-الفجيرة (المعروف باسم "ADCOP")، الذي تبلغ طاقته 1.5 مليون برميل يوميًا، ويخدم النفط الخام المستخرج من البر.
ومع تقديرات تشير إلى أن من 10-35% من خط أنابيب شرق-غرب أصبح قيد الاستخدام في حزيران/ يونيو 2025، ستكون السعودية الدولة الوحيدة القادرة على ضمان بقاء معظم صادراتها متاحة في حال نشوب صراع يؤدي لإغلاق المضيق، حتى لو اضطرت ناقلات النفط لإعادة توجيهها من الخليج إلى البحر الأحمر للوصول إلى المشترين. ومع معدل استخدامه الحالي المقدر بنحو 73%، يتعامل خط أنابيب حبشان-الفجيرة مع معظم صادرات الإمارات. وفي الأشهر الأخيرة أعطت شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" أولوية أيضًا لصادرات مزيج مربان، الذي يتم إنتاجه في حقل حبشان البري الذي يحمل نفس الاسم، لكن أي خلل في المضيق سيمنع نقل كميات النفط الخام المنتجة في الخارج. ولدى الإمارات أيضًا خط أنابيب ثانٍ قيد الإنشاء بسعة 1.5 مليون برميل يوميًا، من الرويس إلى الفجيرة، ومن المقرر أن يبدأ تشغيله عام 2027. وسيضمن هذا الخط، إلى جانب خط أنابيب حبشان-الفجيرة، القدرة على استيعاب جميع صادرات الإمارات التي تبلغ حوالي مليوني برميل يوميًا، من خلال إنشاء خيار لإخراج الكميات المنتجة في البر.
الكويت والبحرين وقطر والعراق:
ستجد العديد من الدول الأصغر حجمًا صادراتها عالقة داخل الخليج؛ حيث تعتمد كل من الكويت والبحرين وقطر والعراق اعتمادًا كليًا على المضيق في جميع صادراتها. فالعراق يعتبر ثاني أكبر منتج للنفط في المنطقة، وينقل خط أنابيب 450 ألف برميل يوميًا عبر كردستان إلى تركيا، لكن الخلافات السياسية تسببت في إغلاق هذا الطريق في آذار/ مارس 2023. وفي غياب الإرادة السياسية، من غير المرجح أن يتم التوصل إلى حل وشيك لهذا الإغلاق، وسيظل خط الأنابيب عرضة للخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في المستقبل، ولا يُرجح أن تُثمر طرق التصدير البديلة المحتملة للعراق خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة على الأقل. بدورها، لم تُعلن دول مجلس التعاون الخليجي الثلاث الأخرى عن نواياها لتطوير بدائل خاصة بها، ما يجعلها عرضة للانقطاعات في المستقبل.
إن امتلاك قطر، إلى جانب إيران، أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم (المعروف في قطر بحقل الشمال وفي إيران بحقل فارس الجنوبي)، وقرارها بأن تُصبح مُصدرًا للغاز الطبيعي المُسال، قد ولّدا ثروةً هائلة؛ حيث تمتلك قطر ثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، وهي ثاني أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المُسال عالميًا، حيث تُوفّر 20% من حاجة السوق. وتُنقل جميع صادرات قطر من الغاز الطبيعي المُسال بحرًا، وإن كان لديها خيار تصدير واحد لمسافات قصيرة؛ خط أنابيب دولفين بسعة 2.6 مليار قدم مكعب والذي يربط قطر بالإمارات، لكنه لا يمتد إلى أبعد من ذلك.
وسيتم قطع منشأة تصدير الغاز الطبيعي المُسال الحالية التابعة للإمارات في جزيرة داس في حالة إغلاق مضيق هرمز، وقد اختارت "أدنوك" الرويس بدلًا من الفجيرة لمشروع توسعة محطة التصدير عام 2023، ما يعني أن جميع طاقتها التصديرية للغاز الطبيعي المُسال ستكون محاصرة داخل الخليج. ومع زيادة صادرات الإمارات من الغاز الطبيعي المُسال وتشغيل قطر لتوسعة حقل الشمال، سيزيد ذلك من احتمال احتجاز حصة أكبر من الطلب العالمي على سوق التصدير في حالة إغلاق المضيق.
أين سيكون التأثير الأكبر للطاقة؟
تستقبل الأسواق الآسيوية الغالبية العظمى من صادرات الطاقة من دول الخليج الساحلية، سواءً النفط الخام أو المنتجات المكررة أو الغاز الطبيعي، وستواجه هذه الأسواق صدمةً كبيرةً في الإمدادات في حال إغلاق المضيق. وسيكون هناك بعض التأثير على أسعار النفط القياسية، لكن كون هذا التأثير صدمةً كبيرةً ودائمةً في الأسعار يعتمد كليًا على عوامل خارجية أخرى؛ النشاط الاقتصادي العالمي وكمية النفط في المخزونات العائمة والاحتياطيات الوطنية التي يمكن تفعيلها.
ووفقًا لأحدث البيانات لعام 2023، تستورد الولايات المتحدة 10% فقط من وارداتها النفطية اليومية البالغة 51.8 مليون برميل يوميًا من دول الخليج، 90% منها من السعودية والعراق. ويمكن للحكومة الفيدرالية الحصول على واردات من مصادر أخرى في حالات الطوارئ، بما في ذلك احتياطها الاستراتيجي، لذا فإن إغلاق المضيق يعتبر شكلًا أقل فعاليةً من أشكال النفوذ الاقتصادي والسياسي، الذي يستهدف الولايات المتحدة تحديدًا في أي صراع. والوسيلة الوحيدة التي تمتلكها إيران أو أي دولة أخرى للتأثير على رد فعل الرئيس الأمريكي على صراع إقليمي، هي من خلال زيادة حادة في أسعار النفط العالمية القياسية، لكن من الصعب للغاية التنبؤ بدقة بكيفية استجابة السوق.
ومع إمكانية إعادة توجيه ما يقرب من 50% من أحجام الصادرات الإقليمية بالفعل، من خلال وسائل بديلة من قبل أول وثالث أكبر منتجين في الخليج العربي (السعودية والإمارات)، فمن المعقول أن تؤدي هذه الحلول البديلة إلى قمع أي استجابة للسعر في الأسواق. فقد انخفضت تكلفة إغلاق مضيق هرمز، فعليًا أو رمزيًا، بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة بشكل كبير بمرور الوقت، ولا يوجد خطر من نفس الصدمة التي حدثت خلال حظر النفط عام 1973. في النهاية، ومثل عام 1973، فإن قطع إمدادات الطاقة من المنطقة سيضر في الواقع بدول المنطقة أكثر من غيرها، لكن هذا وحده لن يكون كافيًا لمنعه من البقاء على الطاولة كتكتيك في الحرب.
التأثير على الواردات
ما زال انخفاض تكلفة الإغلاق من منظور الطاقة يقابله اعتماد إيران والدول الساحلية الأخرى على المضيق في وارداتها، بما في ذلك المواد الغذائية، وهو ما يظل نقطة ضعف استراتيجية للجميع. ورغم قدرتها المحلية على التكرير، تعتمد طهران على واردات المنتجات المكررة، البنزين والديزل وأنواع الوقود الأخرى، وجميعها أساسية لأي دولة في زمن الحرب. وإن الاكتفاء الذاتي الزراعي النسبي لإيران يُخفف من التأثير المباشر لأي حصار مفروض عليها، لكن منشأة مناولة البضائع الأكبر حجمًا في بندر عباس (الواقعة على المضيق) ستظل معزولة. وعلى عكس ما سيُعوّض به ميناء جاسك عن صادرات النفط الخام، فإن ميناء تشابهار غير المُطوّر على خليج عُمان لا يُمكنه تعويض حجم بندر عباس.
بالمثل، تستورد دول الخليج المنتجات المكررة، وغالبًا الغاز الطبيعي المُسال، لتعويض ميزان الطاقة لديها، وإلى جانب الطاقة ستُؤدي محاولة إغلاق المضيق إلى تعطيل طرق شحن الحاويات والبضائع بشدة، ما يُوقف حركة كل شيء من السلع الاستهلاكية والحبوب إلى الصلب ومشاريع البناء. وتعتبر السعودية والإمارات أقل عرضة لانعدام الأمن الغذائي الناجم عن الإغلاق طويل الأمد، وذلك بفضل احتياطيات الحبوب الكبيرة القائمة أو المخطط لها على سواحلهما المطلة على البحر الأحمر وخليج عُمان، وموانئ مناولة البضائع السائبة المرافقة التي ستستمر في العمل.
مع ذلك، فإن النقل البري بالسكك الحديدية أو الطرق من تلك السواحل إلى سكان الخليج، لا يمكن أن يعوض تمامًا الطاقة الإنتاجية التي يوفرها النقل البحري. وفي هذا الإطار، يؤكد مسؤولون من قطر والكويت والعراق أن بلدانهم تمتلك أو تعمل على تطوير احتياطيات غذائية تكفي حوالي ستة أشهر، لكن نظرًا لنقص الموانئ غير الخليجية، فإنها ستواجه وضعًا أكثر صعوبة في إعادة إمداد أي احتياطيات متضائلة في حال الإغلاق المطول.
التوقف التام مستبعد
من غير المرجح أن تؤدي أي محاولة لحصار إيران إلى توقف حركة الملاحة البحرية تمامًا، ومن شبه المؤكد أن بعض مالكي السفن ومشغليها سيحاولون خوض غمار التحدي. وبينما ستحوّل خطوط الشحن الرئيسية مسارها بعيدًا عن المضيق، سيغتنم مالكو السفن الأصغر الفرصة لتعزيز مكاسبهم، كما حدث في غرب شبه الجزيرة العربية منذ بدء هجمات الحوثيين البحرية في البحر الأحمر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023. ومن المرجح أن تُستبدل أكبر السفن المملوكة لأكبر الخطوط بسفن "مغذية" أصغر تسعى إلى سدّ الفجوة، ما يعني أن الحمولة الإجمالية المارة عبر المضيق لن تتلاشى.