ملخص تنفيذي
يقدم هذا التقرير - الذي ترجمه قسم الترجمة بمركز صدارة للمعلومات والاستشارات - ثلاثة سيناريوهات حول رؤية مركز "Intelyse" للمعلومات والخدمات الاستشارية عن مدى تطور البيئة الأمنية والتجارية في الخليج والشرق الأوسط خلال الأشهر الستة إلى الـ12 القادمة؛ إذ يرى المركز أن مسار المنطقة يعتمد على كيفية سير التحديات الدبلوماسية التالية:
- المشاركة الدبلوماسية بين الموقّعين على "خطة العمل الشاملة المشتركة" الأصلية "JCPOA" لإحياء الاتفاق ووضع ضوابط على البرنامج النووي الإيراني.
- محادثات التوصل لوقف إطلاق النار بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والحوثيين المدعومين من إيران.
ويرى المركز أن هذين التحديين الدبلوماسيين يدعم أحدهما الآخر؛ إذ إن فهم التكامل المتبادل بينهما هو المفتاح لفهم إمكانات الاستقرار في المنطقة. وفيما يلي ثلاثة سيناريوهات تركّز على كيفية تطوّر المفاوضات الحالية، فضلًا عن العواقب بالنسبة للمنطقة:
السيناريو الأول (المرجح): إعادة صياغة الاتفاق النووي وتحقيق وقف إطلاق النار في اليمن
ستنتقل منطقة الخليج والشرق الأوسط إلى حالة من الاستقرار المتزايد، مع مخاطر أمنية أقل وبيئة عمل أفضل. وسيؤدي هذا إلى تخفيف القبضة الإيرانية على العراق، وتوفير الراحة الاقتصادية للشعب الإيراني، وربما تفضيل الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة في لبنان.
السيناريو الثاني(احتمال متوسط): التوصل لوقف إطلاق نار في اليمن دون التوصل لاتفاق نووي، أو عدم التوصل لكليهما
سيكون وقف إطلاق النار باليمن قصير الأجل إذا لم يتم دعمه بـ"خطة العمل الشاملة" الجديدة، لأن إيران لن تكسب شيئًا؛ ففي هذا السيناريو، ودون تخفيف العقوبات، ستكون إيران عرضة لضغوط اقتصادية متزايدة، ما يؤدي لتصعيد أنشطتها العدائية في جميع أنحاء المنطقة قدر الإمكان. وستكون البنية التحتية للطاقة السعودية أكثر عرضة لخطر هجمات الطائرات المسيرة، والصواريخ من اليمن أو الأراضي العراقية. كما أن الموقف العدائي لإيران سيقابَل بإجراءات تصعيدية من قبل "إسرائيل" والولايات المتحدة والسعودية، ما يزيد بشكل كبير من مستوى المخاطر الأمنية في المنطقة. وسيكون هناك تحالف متزايد بين إيران وروسيا والصين، مقابل خسارة أخرى للقيادة الأمريكية في الخليج والشرق الأوسط.
السيناريو الثالث (غير مرجح): إعادة صياغة الاتفاق النووي دون وقف دائم لإطلاق النار في اليمن
يتنبأ هذا السيناريو بالمخاطر الأمنية وعدم الاستقرار في المنطقة، مع استمرار الأنشطة العدائية للوكلاء الإيرانيين في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، لكنها تظل دون عتبة حرجة من الشدة للحفاظ على "خطة العمل الشاملة". لكن العلاقات السعودية الأمريكية ستتدهور، حيث ستشعر الرياض بخيانة واشنطن لعقدها صفقة منفصلة مع إيران، وتجاهل المخاوف الأمنية السعودية في اليمن، ويمكن أن تستمر إيران في تقديم الدعم للحوثيين لانتزاع المزيد من التنازلات من السعودية.
السيناريوهات
سنقدم فيما يلي ثلاثة سيناريوهات حول كيفية تطور محادثات "خطة العمل الشاملة"، ومناقشات وقف إطلاق النار اليمنية خلال الأشهر الستة المقبلة، مع تداعيات كل ذلك على المستوى الإقليمي، بيد أن التحذير هو أن الخطة "JCPOA" ووقف إطلاق النار اليمني قد لا يحدثان بالضرورة في الوقت نفسه.
السيناريو الأول (مرجح): التوصل لاتفاق نووي ووقف إطلاق النار في اليمن
يعتبر هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا من بين الثلاثة لأنه، ورغم صعوبة تحقيقه، إلا أنه يناسب جميع الأطراف؛ حيث تريد الإدارة الأمريكية إتمام كلا الصفقتين للحفاظ على وعود "بايدن" الانتخابية، بينما تحتاج إيران في نهاية المطاف إلى وضع اللمسات الأخيرة على "خطة العمل الشاملة" الجديدة، لإزالة العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة، لا سيما تلك المفروضة منذ عام 2020، لكنها قد تضطر لتسهيل وقف إطلاق النار في اليمن لتحقيق هدفها.
ومن شأن توقيع هذه "الخطة" الجديدة واتفاق وقف إطلاق النار اليمني أن يعزّزا الاستقرار الإقليمي على المدى المتوسط؛ حيث سيسود الاستقرار على الأقل حتى يتعافى الاقتصاد الإيراني جزئيًا، ويمكن لإيران بعدها أن تتحمّل تجديد العقوبات. وستستمر أنشطة إيران التخريبية التي تتم عبر وكلاء محليين في العراق وسوريا ولبنان واليمن في هذا السيناريو، لكنها ستظل تحت حدّ معين من الشدة للحفاظ على "خطة العمل".
اليمن
ليس هناك ما يضمن أن وقف إطلاق النار في اليمن سيستمر طالما استمرت "خطة العمل الشاملة"، لأنه يعني ضمنًا قبول بقاء اليمن مقسّمًا، مع بقاء الجزء الشمالي من البلاد، الذي يشترك في الحدود مع السعودية، تحت سيطرة الحوثيين.
ومع ذلك، قد يستمر وقف إطلاق النار لعدة أشهر؛ حيث يُرجّح أن يغتنم الحوثيون الفرصة لإعادة تجميع صفوفهم وتجنيد مقاتلين، والاستفادة من المساعدة المالية المتزايدة التي يمكن أن تقدمها إيران بفضل رفع العقوبات. وفي المستقبل المنظور، يُرجّح استئناف الأعمال العدائية في اليمن أكثر من حل سياسي طويل الأمد بين الحوثيين والحكومة المدعومة من السعودية، حيث يرفض الطرفان الدخول في حوار هادف.
في هذا السيناريو، سيتوقف هجوم الحوثيين على مدينة مأرب التي تسيطر عليها الحكومة مؤقتًا، وستحتفظ الحكومة بالسيطرة على المدينة، ما يمنع الحوثيين من الوصول إلى الموارد النفطية في محافظة مأرب.
حتى في حالة وقف إطلاق النار في اليمن وتحسن العلاقات مع إيران، فمن غير المحتمل أن تنفصل السعودية عسكريًا عن اليمن؛ فدون الدعم العسكري السعودي المستمر، ستنهار الحكومة اليمنية تحت الضغط العسكري من قبل الحوثي. وسيتولى الحوثيون السيطرة على موارد النفط في مأرب، وتصبح الحكومة اليمنية غير ذات صلة تمامًا، تاركةً السعودية تتعامل مع الحوثيين المسيطرين على النفط، والانفصاليين الجنوبيين المدعومين من الإمارات، ولا يوجد حليف يمني لمواجهتهم.
كما يمكن أن يفتح "المجلس الانتقالي الجنوبي" (منظمة انفصالية مدعومة من الإمارات وله وجود جنوب اليمن)، معارك عسكرية محلية ضد الحكومة اليمنية في هذا السيناريو. وسيأتي ذلك لمحاولة منع الحكومة من أن تصبح قوية بفضل وقف إطلاق النار مع الحوثيين، كما إنه من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى توتر العلاقات بين السعودية والإمارات، رغم أن التداعيات الدبلوماسية الكاملة أمر مستبعد للغاية؛ فلن يضحي البلدان بعلاقاتهما الثنائية من أجل مكاسب تكتيكية في اليمن. ودون قاعدة صلبة من الدعم الشعبي، الغائبة حاليًا، لا يُرجّح أن يخوض "الانتقالي" حربًا شاملة مع الحكومة.
وفي حال وقف إطلاق النار، سيشهد اليمن تدفقًا للمساعدات الدولية لمساعدة السكان، ما يعني المزيد من الفرص للحوثيين لاختطاف الموارد، ومجموعة جديدة من التحديات التشغيلية واللوجستية للمنظمات غير الحكومية النشطة في البلاد.
المملكة العربية السعودية
قد يعني وقف إطلاق النار في اليمن وقف الهجمات عبر الحدود التي يشنها الحوثيون على جنوب السعودية، ومن خلال التوسط في وقف إطلاق النار ستبدو المملكة أقل عدوانية أمام الرأي العام؛ إذ إن صورتها شُوّهت بسبب مشاركتها في حرب اليمن. كذلك، سيؤدي وقف إطلاق النار إلى جعل الأمر يبدو أقل إثارة للجدل بالنسبة للشركات الأجنبية، للاستثمار بشكل علني في مشاريع التنويع الاقتصادي السعودية مثل مشروع "نيوم".
ورغم أن وقف إطلاق النار سيتبعه خفض للأعمال العدائية، إلا إن الانسحاب العسكري السعودي أو فك الارتباط من اليمن لا يزال غير مرجح؛ فلدى السعودية مخاوف طويلة الأمد فيما يتعلق بأمن الحدود والقدرات العسكرية المحدودة للحكومة اليمنية، كما أوضحنا في قسم اليمن أعلاه. ولذا، فيمكن القول إن السعودية لا تستطيع تحمل مغادرة اليمن بعد الاستثمار الذي قدمته في الحرب؛ حيث سينتج عن المغادرة الآن خسارة للسعودية أكثر مما لو بقيت لبضع سنوات أخرى. وستكون النتيجة الأفضل هي مواصلة الانخراط، ومحاولة التوسط في اتفاق لتقاسم السلطة بين الحوثيين والحكومة. ومن خلال إبرام صفقة في اليمن، ستعمل المملكة أيضًا على تحسين علاقتها مع الولايات المتحدة، والتي صارت متزعزعة في عهد الرئيس "بايدن"، بسبب المخاوف الأمريكية بشأن الحقوق المدنية في المملكة.
إيران
من المتوقع أن يتم رفع العقوبات فقط عن قطاع الطاقة الإيراني، ما سيسمح بزيادة الصادرات القانونية، بالنظر إلى أنها تصدّر بالفعل إلى الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق الأصلي لـ"خطة العمل الشاملة" "JCPOA" أبقى العقوبات على القادة السياسيين، والكيانات المالية الإيرانية وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، بسبب دعم إيران للجماعات الإرهابية وانتهاكات حقوق الإنسان. كما أبقت الولايات المتحدة أيضًا على العقوبات المفروضة على المعاملات المالية، ما أدى لتقليل حجم التجارة الدولية والأعمال التجارية مع إيران خارج قطاع الطاقة.
وسيكون لتوقيع "خطة العمل الشاملة" تأثير ضئيل على السياسة الخارجية الإيرانية، لأن ذلك يقع على عاتق المرشد الأعلى، علي خامنئي، و"فيلق الحرس الثوري الإسلامي" "IRGC"، لأنهم مسؤولون عن إبراز النفوذ الإيراني في الخارج. وفي هذا الصدد، لن يؤثر انتخاب "رئيسي" مؤخرًا على محادثات فيينا الحالية؛ وبما أن "رئيسي" سيتم تنصيبه كرئيس في آب/ أغسطس، فسيكون توقيت الصفقة هو المفتاح. وإذا تم التوقيع عليه بعد آب/ أغسطس، يمكن الاحتفال به باعتباره انتصارًا للتيار المتشدد في إيران، ما يشير إلى أن سياستهم الخارجية العدوانية فعّالة. ومع ذلك، إذا تم التوقيع قبل آب/ أغسطس، فيمكن أن يُلقِي "رئيسي" باللوم على النظام السابق إذا لم تستمر الصفقة.
كما أن التطبيع في منطقة الخليج الذي تم تحقيقه من خلال توقيع "خطة العمل الشاملة" ووقف إطلاق النار اليمني، سيسمح أيضًا لدول آسيا الوسطى، مثل قيرغيزستان وطاجيكستان، بتطوير علاقاتها مع إيران، بعد النشاط الدبلوماسي المكثّف الذي جرى في النصف الأول من عام 2021. وترى إيران في وسط آسيا جسرًا لروسيا والصين، كما تشارك دول آسيا الوسطى مخاوفها بشأن تدهور البيئة الأمنية والتغيير الحتمي للنظام في أفغانستان.
الولايات المتحدة الأمريكية
في هذا السيناريو، ستحصل إدارة "بايدن" على دعم شعبي كبير للغاية، مع الحفاظ على اثنين من الوعود الانتخابية الرئيسية التي قُطعت خلال الحملة الانتخابية. وسيكون لذلك انعكاسات إيجابية على ريادة ومكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، خصوصًا في الاتحاد الأوروبي والخليج.
إن استقرار الخليج من شأنه أن يسهّل إعادة تركيز الولايات المتحدة على التحديات الاستراتيجية، التي تفرضها روسيا والصين، وستشعر الولايات المتحدة بالراحة في تقليص وجودها العسكري في منطقة الخليج، لكنها ستحافظ على وجود مكثف في البحرين وقطر كرادع لمنع اندلاع اشتباكات جديدة. ومن المرجح أن يتم موازنة ذلك من خلال زيادة الدعم الثنائي لحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، مثل السعودية و"إسرائيل" والإمارات، ما سيزيد الاستثمار والتجارة مع المنطقة وفي المنطقة.
إقليميًا
لن يؤثر توقيع "خطة العمل الشاملة" ووقف إطلاق النار في اليمن على الدول المشاركة في المحادثات فحسب؛ بل سيكون له تداعيات بعيدة المدى على المنطقة. وستكون البلدان الأخرى الأكثر تأثرًا هي العراق ولبنان؛ حيث يستمر نفوذ إيران وكذلك "إسرائيل"، الدولة الأكثر معارضة لتلك "الخطة".
فمن جانبه، يعمل العراق بالفعل على تعديل العلاقات مع جيرانه والابتعاد عن النفوذ الإيراني، فيما سيسمح الاتفاق النووي لإيران بالتصدير بشكل قانوني إلى أسواق أخرى، ما يجعلها أقل اعتمادًا على الصادرات إلى العراق بفضل إعفائها من العقوبات. وقد لوحظ هذا مؤخرًا في مبادرة "الشرق الجديد" مع مصر والأردن، والتي سمحت ببيع النفط العراقي إلى الأسواق الدولية عبر هذه البلدان، إضافة إلى أن العراق سيتمكن من العمل بشكل وثيق مع القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك السعودية. ورغم ذلك، فإن الفصائل الموالية لإيران، والتي لها اليد العليا في السياسة العراقية، ستعارض على الأرجح أي نفوذ أجنبي إضافي في العراق. ومع أن كل هذه المجموعات ليست تحت قيادة إيران، إلا أن أجندتها تتمحور حول إزالة الوجود الأمريكي من العراق، بينما لن يؤثر الاتفاق النووي على قيادة الحرس الثوري الإيراني وسيطرته على الوكلاء.
في هذا السيناريو أيضًا، ستصدر كل من السعودية وإيران تعليمات للجانبين اللذين تدعمهما في لبنان، للتوصل لاتفاق وإفساح المجال للإصلاحات الاقتصادية؛ فقد دعمت إيران "حزب الله" عسكريًا وماليًا، بينما دعمت السعودية رئيس الوزراء، سعد الحريري. فلبنان غارق حاليًا في أسوأ أزمة اقتصادية على الإطلاق، والتي تفاقمت بسبب فشل كل من "الحريري" والرئيس "ميشال عون" المدعوم من "حزب الله"، مرارًا وتكرارًا في الاتفاق على تشكيل حكومة قادرة على توفير المساعدات المالية الذي تشتد الحاجة إليها.
وستزداد مخاوف "إسرائيل" بشأن أمنها القومي لأنها ترى في برنامج إيران النووي تهديدًا وجوديًا؛ فقد نددت "إسرائيل" بالمحادثات الحالية وحذرت من أن إبرام الاتفاق النووي نفسه مرة أخرى، لن يكون كافيًا لمنع تطوير الأسلحة النووية الإيرانية. علاوةً على ذلك، ومع قيام دول أخرى بسد الفجوات مع إيران، ستزداد عزلة "إسرائيل" دبلوماسيًا، وسيتعين عليها أيضًا التعامل مع وكلاء إيرانيين يتمتعون بتمويل أفضل، بما في ذلك "حزب الله" وحركة "حماس"، اللذيْن يمكنهما استهداف الأراضي "الإسرائيلية". كما ستزداد الأنشطة العسكرية "الإسرائيلية" غير المتكافئة ضد إيران في سوريا، وستنخرط كل من إيران و"إسرائيل" في أعمال تخريبية ضد سفن بعضهما البعض، في خليج عمان والبحر المتوسط والبحر الأحمر.
والأهم من ذلك في هذا السيناريو هو أن الولايات المتحدة ستتعرض لضغوط، من خلال مجموعات الضغط لتقديم تنازلات لحليفها الرئيسي "إسرائيل"، من أجل التعويض عن المضي قدمًا في الاتفاق النووي. ولا يمكن أن تشمل هذه التنازلات إدانة المزيد من الضم "الإسرائيلي" للأراضي الفلسطينية؛ فعندما تسعى "إسرائيل" لتحقيق أهدافها المتمثلة في ضم الأراضي في وادي الأردن والضفة الغربية، يمكن أن تجر الأردن إلى الصراع بسبب مخاوف بشأن الوصول إلى موارد المياه.
بشكل عام، فإن الاستقرار الإقليمي سيعزز الأنشطة التجارية والنمو الاقتصادي، مع تقليل المخاطر الأمنية، وهو ما سيعزز أسعار النفط على الأرجح. ومع ذلك، سيتم موازنة هذه الزيادة من خلال زيادة المعروض بسبب صادرات النفط الإيرانية التي سمح بها رفع العقوبات الأمريكية. أما خارج قطاع الطاقة، فمن شأن تخفيف العقوبات المالية على إيران أن يتيح مشاركة تجارية واسعة من الشركات في جميع القطاعات. لكن من غير المحتمل أن يكون هناك اندفاع فوري رغم أن معظم الشركات تدرك تمامًا إمكانية إعادة فرض العقوبات وضياع الاستثمارات. ويُتوقع من معظم الشركات إطلاق أو إعادة تنشيط مبادرات تطوير الأعمال ودخول السوق والابتعاد عن الالتزامات الرئيسية، لكن سيكون أولئك الذين يديرون تجارة كبيرة مع الولايات المتحدة الأكثر حذرًا.
السيناريو الثاني (احتمال متوسط): لا اتفاق نووي ولا وقف إطلاق نار في اليمن
اليمن
إن وقف إطلاق النار المحتمل في اليمن، غير المدعوم باتفاق جديد لـ"خطة العمل الشاملة"، سيكون قصير الأمد للغاية، لأن إيران لن تحصل على رفع العقوبات دون "خطة العمل". وستستمر حرب الاستنزاف بين الحوثيين والحكومة إلى أجل غير معلوم، لكن في هذه الحالة ستكون للحكومة ميزة بسبب استمرار دعم السعودية، وتراجع الموارد المالية لإيران لدعم الحوثيين على المدى الطويل. لكن الحوثيين سيكثفون هجماتهم عبر الحدود ضد المملكة، وكذلك ستزداد العمليات الجوية السعودية على صنعاء ومراكز القوة الرئيسية للحوثيين.
في هذا السيناريو أيضًا، سيتأخر حل مشكلة التخزين العائم وتفريغ السفينة "Safer SFO" الراسية في ميناء الحديدة إلى أجل غير معلوم، ما سيزيد من خطر تسرب حمولة الناقلة البالغة مليون برميل من النفط في البحر الأحمر، ويتسبب في كارثة بيئية وإعاقة العمليات في الميناء، وفي هذه الحالة ستحدث مجاعة في اليمن، والتي تعتبر بالفعل مصدر قلق كبير. وقد يؤدي عدم وجود حل قصير المدى إلى تغيير حسابات المملكة، ويوفر مبررًا لاتباع نهج عسكري أكثر استباقية، ودعم الحكومة في استعادة الأراضي من الحوثيين، بدلًا من مجرد الحفاظ على مواقع لإرهاق الحوثيين إلى أجل غير مسمى.
المملكة العربية السعودية
بسبب عدم رفع العقوبات المفروضة على إيران التي ما زالت تتعرض لضغوط اقتصادية شديدة، فإن البنية التحتية النفطية السعودية ستكون عرضة لخطر الهجمات المتجددة، مثل تلك التي شهدتها بقيق عام 2019. وقد أظهر وكلاء إيران في اليمن والعراق القدرة والموارد اللازمة لضرب هذه الأهداف وإلحاق أضرار اقتصادية كبيرة بالمملكة، كما ستظل الأهداف جنوب المملكة معرضة باستمرار لخطر الطائرات دون طيار وهجمات الصواريخ الباليستية.
وإذا جرى استهداف السعودية بهجمات واسعة على غرار هجوم بقيق، فستواجه الرياض تحديات كبيرة في الحفاظ على القوة العاملة الوافدة، كما سيتعرض سوق العمل في المملكة لمخاطر إضافية غير جاذبة لمعظم المغتربين. كذلك، إذا توقف إنتاج النفط فإن الأسعار العالمية سترتفع حتمًا، وسيكون من الصعب قياس إذا كانت هذه الزيادات في شكل ارتفاعات تُعزى لحوادث محددة، أو ارتفاعات مستمرة تدريجية بسبب اضطراب الإنتاج على المدى الطويل. كما سيتباطأ الاستثمار التجاري الواسع في المملكة من قبل الشركات الأجنبية، ما يؤثر على المشاريع الضخمة في المملكة ودفعها للتنويع من الاقتصاد النفطي.
إيران
إن عدم وجود اتفاقية "JCPOA" لا يعني أي تخفيف للعقوبات، ما سيزيد من المشكلات الاقتصادية الأليمة التي تواجهها إيران حاليًا. وسيؤدي هذا إلى مزيد من الاحتجاجات التي ستقابَل بقمع عنيف، لا سيما إذا أُخذت في الاعتبار سمعة "رئيسي" في انتهاكات حقوق الإنسان.
وردًا على ذلك، ستتبنى إيران بشكل متزايد نهجًا معاديًا لأمريكا، وستزيد من تخصيب اليورانيوم وتواصل منع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى المواقع النووية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى مزيد من الجهل الدولي بالقدرات النووية الإيرانية. فإذا أصبحت إيران دولة نووية، فإننا نتصور وجود مخاطر متزايدة لدفع المنطقة إلى أزمة متجددة؛ فقد يكون الواقع منطقة متوازنة، لكن هذا السيناريو يحتوي على العديد من المتغيرات التي لا يمكن مناقشتها في نطاق هذا التقرير.
وقد قامت "إسرائيل" بالفعل بعمل عسكري ضد المنشآت النووية المشتبه بها في العراق وسوريا، وقد تفعل ذلك في إيران. كما إن "إسرائيل" تشارك بقوة في التجسس والتخريب ضد البرنامج النووي الإيراني بأساليب إلكترونية وحركية، بما في ذلك اغتيال علماء رفيعي المستوى، وهذا سيؤدي بعد ذلك إلى ردود انتقامية من "حزب الله" وشبكات أخرى تعمل بالوكالة لإيران. وبناءً على ما ذُكر، ستزداد الحاجة إلى الإغاثة المالية سوءًا، ما سيزيد من خطر اقتراب إيران من روسيا والصين سعيًا للحصول على دعم اقتصادي.
الولايات المتحدة الأمريكية
ستنتهي إدارة "بايدن" بوضع أسوأ في الخليج من الوضع الموروث عن الإدارة السابقة، ما سيؤثر سلبًا على شعبيتها ويفقد الرأي العام العالمي مزيدًا من الثقة في دور الولايات المتحدة القيادي العالمي بعد رئاسة "ترامب".
في هذا السيناريو، ومع عدم وجود ضمانات بشأن برنامج إيران النووي، يُرجّح أن تظل الولايات المتحدة منخرطة في الخليج، مع إعادة التركيز أيضًا على المنافسة الاستراتيجية مع الصين وروسيا، ما سيتطلب موارد كبيرة وخيارات صعبة. كل هذا، بينما يبدو أن الرأي العام الأمريكي يدافع بشكل متزايد عن الاستثمار والإنفاق الداخليين، للتخفيف من آثار الوباء وارتفاع التضخم.
إقليميًا
في هذا السيناريو، سيتم وضع إيران في زاوية ليس لديها فيها ما تخسره، وتحت ضغط اقتصادي شديد، حيث ستزيد من أنشطتها العدائية بالوكالة دون ضبط النفس، وهو ما يطيل أو ربما يفاقم المأزق الحالي في لبنان، ويعمّق ساحات القتال بالوكالة في العراق وسوريا، ويهدد حرية الملاحة في الخليج والبحر الأحمر. لكن من غير المرجح شن هجمات على البنية التحتية النفطية في الإمارات، التي اعتمدت مؤخرًا نهجًا أكثر مساواة بين إيران السعودية، ولا يمكنها فعل أي شيء حاسم لصالح رفع العقوبات عن إيران. وسيُقابَل النشاط العدائي الإيراني المتزايد برد قاسٍ من القوى الإقليمية الأخرى، وسيرتفع مستوى التوتر العام في المنطقة.
السيناريو الثالث (غير مرجح): اتفاق نووي دون وقف إطلاق النار في اليمن
يمكن أن يحصل هذا السيناريو في حال قررت الولايات المتحدة إبرام صفقة "خطة العمل الشاملة" مع إيران، وتجاهلت عن عمد المخاوف الأمنية "الإسرائيلية" والسعودية فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في اليمن.
اليمن
في هذا السيناريو، ستستمر حرب الاستنزاف بين الحوثيين والحكومة إلى أمد غير معلوم؛ حيث ستكون إيران قادرة على الاستمرار في دعم الحوثيين والوكلاء الإقليميين الآخرين، بفضل الإعانات المالية التي تحققت من خلال رفع العقوبات. وقد يؤدي تورط السعودية في الحرب دون أي احتمال لحل قريب المدى، إلى تفضيل نهج عسكري سعودي أكثر عدوانية ضد الحوثيين.
وإذا لم يتم التوقيع على وقف إطلاق النار، فمن المتوقع أن يتجنب "المجلس الانتقالي الجنوبي" تصعيدًا كاملًا مع الحكومة، للحفاظ على العلاقات الإماراتية السعودية. ومع ذلك، يمكن أن تتغير حسابات "الانتقالي" اعتمادًا على كيفية تطور العلاقات السعودية الإماراتية ومدى قوته مقارنةً بالحكومة، ليس فقط عسكريًا ولكن من حيث الدعم الشعبي أيضًا.
المملكة العربية السعودية
في هذا السيناريو، ستُترك السعودية تتعامل مع تمرد الحوثيين والأنشطة العدائية عبر الحدود، وستفقد فعليًا أكبر ورقة مساومة أمام إيران، وهي عدم معارضتها لـ"خطة العمل الشاملة"، ولن يكون لإيران أي سبب لوقف أنشطتها العدائية ضد المملكة ومحاولة انتزاع المزيد من التنازلات. وسيكون الوضع مشابهًا لما نشهده حتى الآن، حيث تظل الأعمال التجارية للشركات الغربية جنوب السعودية عرضة للمخاطر وأكثر صعوبة ، فيما ستكافح المملكة لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، بسبب المخاطر الأمنية المستمرة والموارد التي يمتصها الصراع اليمني.
في هذا السيناريو أيضًا، من المحتمل أن تشعر السعودية بالخيانة والإضعاف من قبل الولايات المتحدة؛ حيث ستتدهور العلاقات الأمريكية السعودية، مع تداعيات محتملة على أسعار النفط العالمية إذا قررت المملكة التلاعب بالأسواق العالمية للضغط على المنتجين الأمريكيين.
إيران
سيكون هذا هو السيناريو الأفضل بالنسبة لإيران، بالنظر إلى أن أي وقف لإطلاق النار في اليمن لا يؤثر على مخاوفها العاجلة. وسيتم رفع العقوبات على إيران بسبب تنفيذ "خطة العمل الشاملة"، وستكون قادرة على الحفاظ على استراتيجيتها الحالية في اليمن، ودعم الحوثيين ضد السعودية، للحصول على تنازلات أخرى، كما ستستفيد من تدهور العلاقات الأمريكية السعودية.
الولايات المتحدة الأمريكية
من خلال التوصل إلى "خطة عمل مشتركة" جديدة مع إيران وتجاهل المخاوف الأمنية السعودية في اليمن، سيتعيّن على الولايات المتحدة أن تدفع ثمنًا باهظًا كونها تُعتبر شريكًا غير موثوق به من قبل دول وحلفاء آخرين في المنطقة، مع تأثيرات طويلة المدى على نفوذها ومكانتها الإقليمية.
إن زيادة الشعبية الناتجة عن "خطة العمل الشاملة" ستظل إيجابية وتحظى بقبول جيد في الاتحاد الأوروبي، وتفضل علاقات أقوى بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويمكن للحلفاء الأمريكيين استئناف شراء الهيدروكربونات من إيران، وتنويع مصادر الطاقة الخاصة بهم بعيدًا عن روسيا.
إقليميًا
في هذا السيناريو، هناك احتمال أن تقترب السعودية و"إسرائيل" من بعضهما في مواجهة إيران؛ فرغم "خطة العمل الشاملة" إلا أن ذلك قد يتسبب في زيادة التوتر بشكل كبير في المنطقة، وستزداد الأعمال العدائية بين السعودية وإيران. ومع ذلك، لا تزال إمكانية قيام قطر أو عُمان بالتوسّط بينهما قائمة، فيما ستضاعف كل من إيران و"إسرائيل" هجماتهما غير المتكافئة وأنشطة التجسس على بعضهما البعض، وستزداد الهجمات الإلكترونية والتهديدات على الملاحة في البحر الأحمر والخليج.
لكن من جهتها، ستحافظ الإمارات على موقف متساوٍ من جميع الجهات الفاعلة لتجنب الانجرار إلى المستنقع الإقليمي، وستحاول استخدام حيادها لكسب دعم أمريكي متزايد، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة الاستثمار الأمريكي في الإمارات وإتمام شراء طائرات "F-35".
من ناحية أخرى، فإن انهيار المحادثات السعودية الإيرانية سيجعل من الصعب على كل من "عون" و"حزب الله" و"الحريري" التوصل لاتفاق. وسيؤدي لمزيد من التأخير في المساعدة المالية إلى تحوّل لبنان إلى دولة فاشلة، ما سيسهل على "حزب الله" الاستيلاء على السلطة السياسية بالكامل، ويؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.
لقراءة وتحميل الترجمة/ اضغط هنا