بعد الانقلاب الذي قام به الرئيس التونسي، قيس سعيد، في الـ 25 من تموز/يوليو، للخروج من حالة الركود المؤسسي ووضع مسار حازم ضد "حزب النهضة" الإسلامي، وفي ظل غياب خارطة طريق سياسية، يعتمد "سعيد" على الجيش التونسي، وتحديدًا على جهود المخابرات العسكرية، لإطلاق "عملية الأيدي النظيفة" الجديدة لاستعادة الأموال العامة المختلسة، وتحييد خصومه السياسيين.
دور الجيش في تحييد "حزب النهضة"
في الـ 25 من تموز/يوليو، انتشر الجيش التونسي في محيط مجلس نواب الشعب لفرض تعليق الإجراءات البرلمانية، كما طوّق مقر الحكومة في منطقة القصبة، صباح اليوم التالي. ووفقاً لمصادر "انتليجنس أفريقيا"، كان الإجراء الأخير، إلى جانب منح إجازة يومين لموظفي الخدمة المدنية، يهدف إلى السماح لضباط المخابرات ووكالة الأمن التابعة للجيش بمصادرة الوثائق المطلوبة لاستئناف جهود استعادة المبالغ الضخمة المختلسة قبل ثورة 2011. ومن المتوقع أيضًا إجراء عدة تحقيقات في قضايا جديدة ستركّز على "حزب النهضة" الإسلامي، الذي سيطر على المشهد السياسي لعقد من الزمان.
ثقة الرئيس في قادة المخابرات والأمن
منذ توليه الحكم، كان واضحاً أن الرئيس التونسي "قيس سعيد"، يضع ثقة كبيرة في الجيش، لا سيما في المدير العام لوكالة الاستخبارات والأمن التونسية ARS، حبيب الضيف. وتفيد التحليلات أن استخدام الرئيس لجهاز المخابرات العسكرية هو أمر منطقي، فقد أنشأ الرئيس السابق، الباجي قايد السبسي، الجيش عام 2014 لإنهاء احتكار وزارة الداخلية لمسؤولية مكافحة الإرهاب التي اخترقها "حزب النهضة". وبهذا، ينوي سعيد "تطهير" الوزارة، بدءاً برئيس دائرة المخابرات العامة في المديرية العامة للأمن العام "لزهر لونغو"، الذي تم وضعه قيد الإقامة الجبرية. يشار إلى أن رئيس الحكومة "هشام المشيشي" هو من عيّن "لونغو"، الذي كان يعمل ملحقاً أمنياً في السفارة التونسية في باريس، وهو عدو لدود للرئيس سعيد، ومحسوب على "حزب النهضة".
من جهة أخرى، كلّف الرئيس التونسي "قيس سعيد"، المدير العام لوحدة الأمن الرئاسي، خالد اليحياوي، بمهمة الإشراف على وزارة الداخلية. كان "اليحياوي" يقوم بمهمات تتعدى حفظ الأمن الرئاسي، فقد كان يحضر جميع اجتماعات رؤساء الدولة، الرسمية وغير الرسمية، في الداخل والخارج، بالإضافة إلى أنه يعرف كل ما يمكن معرفته عن القصر الرئاسي، حيث انضم إلى جهاز الأمن في عام 1998، ثم تخلى عن المنصب عام 2007، بتحريض من "عماد الطرابلسي"، ابن شقيق السيدة الأولى ليلى بن علي، إلا أنه عاد بعد ثورة 2011 إلى جهاز الأمن الرئاسي.
اصطدام سياسات "سعيد" بسياسات "المشيشي"
منذ توليه المنصب، يسعى "سعيد" لكسب ثقة التونسيين من خلال مكافحته للفساد، حيث حاول عدة مرات استعادة الأصول المختلسة في الخارج، لكنه اصطدم بسياسات "المشيشي" والنهضة وحملة "المصالحة" التي اختلف عليها الرجلان في كانون الثاني/ يناير الماضي. حينها أقال "المشيشي" وزير العدل "محمد بوسيطة" ووزيرة شؤون الدولة "ليلى جافيل"، التي أوعز لها "سعيد" مهمة إعادة إطلاق عملية البحث عن الأصول. من جانب آخر، قد يلعب "سعيد" على أوتار الاستياء الشعبي لمهاجمة "حزب النهضة" بشكل مباشر. ففي الأول من تموز/ يوليو، أثار "عبد الكريم الهاروني"، الذي يرأس هيئة صنع القرار في الحزب، غضباً شعبياً عندما حثّ الحكومة على دفع حوالي 3 مليارات دينار (ما يقارب مليار يورو) لـ"ضحايا" نظام بن علي، أي أنصار الحزب. من الواضح أن تصريحات "الهاروني"، التي حددت يوم 25 تموز/ يوليو إنذاراً نهائياً للحكومة، تم أخذها على محمل الجد من قبل الرئيس، الذي أقال في 27 تموز/ يوليو، رئيس اللجنة العامة لشهداء وجرحى الثورة "عبد الرزاق الكيلاني".
رضا المجتمع الدولي بانقلاب "سعيد"
أشارت مصادر مطلعة لـ "انتليجنس أفريقيا" أن الاستيلاء على السلطة الرئاسية يمكن أن يطمئن شركاء تونس الأجانب والمانحين، خصوصاً صندوق النقد الدولي، بالرغم من وجود احتمالية مخاطرة تونس بعدم سداد ديونها، وذلك بسبب أن المفاوضات بين مؤسسات "بريتون وودز"المرتبطة بمؤتمر النقد الدولي، وحكومة المشيشي كانت عالقة لعدة أشهر دون أدنى تقدم. وفي الوقت الحالي، يطالب صندوق النقد الدولي التفاوض بشكل مباشر مع الرئيس "سعيد" منذ عدة أسابيع. بموازاة ذلك، سيسمح استرداد الأصول المختلسة للرئيس بإظهار التقدم لصندوق النقد الدولي والمانحين الآخرين، الذين سئموا من سد العجز في الميزانية دون رؤية أي استجابة لمطالبهم بمعالجة الفساد واحتكارات الاستيراد واختلاس الدعم. على صعيد آخر، حرصت كل من واشنطن وباريس وبروكسل على عدم إدانة أحداث 25 تموز/ يوليو، ودعت بدلاً من ذلك إلى العودة السريعة إلى العمل الطبيعي لمؤسسات الدولة. أخيراً ترى انتليجنس أونلاين، أن هناك شعورًا إيجابيًا في العواصم الأجنبية والتي كانت تخشى أن تنهار تونس تحت وطأة الجمود المؤسسي والأزمة الاقتصادية وآثار جائحة كوفيد -19.
لقراءة وتحميل الترجمة/ اضغط هنا