بعد تصاعد العنف والعمليات العسكرية في الشمال الغربي من سوريا، ومحاولة قوات النظام السوري فرض أمر واقع جديد في المنطقة، لاستعادة السيطرة على ما تبقى من مناطق خارجه عن سيطرتها، خاصةً في مناطق "خفض التصعيد" بريف إدلب الواقع تحت سيطرة قوات المعارضة المدعومة من الجانب التركي. وأثناء العمليات العسكريّة في تلك المنطقة، كشف تقرير صادر عن المحللين في مجلة "جينز ديفنس"، (كرستيان هايمت وتوماس بولوك) -ترجمه مركز صدارة للمعلومات والاستشارات - معلومات عن استهداف الجمعية الطبية السورية الأمريكية المسجل لدى الأمم المتحدة في مدينة الأتارب التي تُسيطر عليها المعارضة السورية، بقصف مدفعي أصابه إصابة دقيقة من مواقع يسيطر عليها النظام السوري في الـ21 من آذار/مارس الماضي. وأظهرت الصور التي نُشرت في وقت لاحق على وسائل التواصل الاجتماعي شظايا متفجرة من الذخائر تشير إلى احتمال كبير أن تكون روسية الصنع، من نوع "قذائف كراسنوبول" عيار 152 ملم موجهة بالليزر. يتم إطلاق مثل هذه القذائف من مدافع "هاوتزر" تقليدية عيار 152ملم، وقد استخدمت القوات الروسية هذه القذائف أثناء توغلها في الأراضي السورية.
لم تستطع مصادر "مجلة جينز" الجزم بأن الضربات خرجت من القوات الروسية أم السورية ووجهت تجاه المدنيين في المشفى. رغم ذلك، أفادت المصادر بأن عددًا آخر من الضربات المماثلة استهدف وبشكل منتظم منطقة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال الغربي للبلاد. كما أظهرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي أن معظم الأهداف التي استهدفت كانت قد طوقت بطائرات استطلاعية روسية الصنع أو إيرانية قبل أن يتم ضربها بدقة عالية جدًا، معظم هذه الأهداف تمثلت في المستشفيات وخدمات الطوارئ والمساجد ومخيمات اللاجئين والمحاصيل والمعدات الزراعية، إضافةً لمنشآت إمدادات المياه والمساكن المدنية وعدد من قادة قوات المعارضة.
بالرغم من أن التقارير لم تجزم أن استهداف النظام السوري أو القوات الروسية للمناطق المدنية فعلًا متعمدًا، إلا أنّ "جينز" تعتقد أن استهداف المدنيين هو طريقة لكسر إرادة المعارضة بشكل كبير. ورغم ذلك، فإن الاستهدافات الدقيقة تتضمن أهدافاً ضد المدنيين وتضر بالبنية التحتية، كالمنازل أو استهداف مركبات الركاب. وبالسياق، كشفت المصادر أنّ الضربات تتركز في مرتفعات "جبل الزاوية" بريف إدلب الجنوبي إلى جانب منطقة "قباني" إلى الغرب في جبال الأكراد، حيث يمكن القول أنّ منطقة "جبل الزاوية" هي حجر الأساس في الدفاع عما تبقى من مناطق سيطرة للمعارضة بإدلب. كما أن الجبال ذات الارتفاع المتوسط (750 مترًا)، لا تشكل عقبة كبيرة لأي هجوم، لكنها توفر مجالًا يسهل الدفاع عنها على السهول الخصبة التي تطل على جنوبها وغربها وشمالها وشمالها الشرقي.
ويحاول النظام السوري الاستيلاء على مدينة إدلب ذات الأهمية الاستراتيجية والتي تربط مدينتي اللاذقية وحلب، ومن المرجح أن قواته هي من تقوم بالتدريبات على استخدام قذائف "كراسنوبول"، حيث أن أعداد القوات الروسية والجماعات المدعومة من روسيا ضئيلة إلى حدٍ ما في تلك المناطق. ومن غير المرجح أن تمتلك القوات الروسية في تلك المنطقة، القدرة المدفعية لشن ضربات عبر جبهة إدلب، وبالتالي، فإن انتظام واتساع نطاق الضربات الدقيقة يشير إلى أن قوات النظام كانت تتلقى ذخائر مدفعية دقيقة التوجيه منذ بداية 2021.
وفي الشأن ذاته، تسعى روسيا، من خلال تزويد القوات المسلحة السورية، بالقذائف والذخائر إلى إبعاد نفسها عن الدور الذي كانت ضالعة فيه منذ دخولها الأراضي السورية عام 2015. وبالتالي فإنها تزود النظام السوري بالقذائف اللازمة للعمليات. يعتبر استخدام قذائف "كراسنوبول" بسيطًا نسبيًا مقارنة بالأسلحة الدقيقة الأخرى كالصواريخ التي يتم إطلاقها من الجو، كما أنها لا تتطلب منصات متخصصة ومعدات إلكترونية، أو تدريبًا مكثفًا للتشغيل، إذ يتم إطلاقها من مدافع "الهاوتزر" التقليدية، والتي تستخدمها القوات السورية بشكل كبير، ويتم توجيهها إلى هدفها بواسطة محدد ليزر مثبت على طائرة بدون طيار، أو بواسطة راصد هدف أمامي. إضافةً إلى ذلك، فإن اندماج ضربات قذائف "كراسنوبول"، مع الضربات اليومية، بالتوازي مع انخفاض الضربات الجوية الروسية، يقلل من انتشار الأخبار على وسائل الإعلام والتي تحمل عناوين "الاستهدافات الجوية الروسية للمدنيين".
التدخل الإيراني
يحتمل أيضًا أن تكون قذائف المدفعية الموجهة قد تم تأمينها عن طريق "الحرس الثوري الإيراني"، الذي يُعتبر من أهم شركاء النظام السوري. وكانت إيران قد كشفت النقاب في عام 2012، عن قذائف مدفعية محلية موجهة تسمى (بصير)، بدا أنها تستند جزئيًا في تركيبتها إلى قذائف "كراسنوبول" الروسي، إلا أنها كانت بعيار واحد فقط وهو عيار 155ملم، مما يجعلها غير متوافقة مع المدفعية السورية. ومن المحتمل أنه تم تطوير عيارات أخرى بعد تلك الفترة ودخلت خط الإنتاج.
من جهة أخرى، تشير التقارير الواردة من منتصف شباط/ فبراير ومطلع آذار/مارس الماضي، إلى وجود احتمال ببدء "الحرس الثوري الإيراني" وحلفائه نقل شحنات من قذائف "كراسنوبول" من العراق إلى شرق سوريا عبر معبر البوكمال الحدودي وتدريب القوات المحلية الموالية للنظام السوري على استخدامها. ولذلك، لا يزال هناك احتمال يقول بأن الضربات التي وجهت إلى شمال غرب سوريا في آذار/مارس الماضي قد نفذتها الميليشيات المدعومة من إيران بدلًا من القوات المسلحة السورية، حيث كان معروفًا أن بطاريات المدفعية الكبيرة تشغلها هذه الجماعات في منطقة جنوب حلب، وهو بالتالي ما يفسر وجود ما يبدو أنه طائرة إيرانية بدون طيار حلقت فوق منطقة استُهدفت بضربات "كراسنوبول" في الـ 14 من تموز/يوليو الماضي.
قذائف "كراسنوبول" تختبر صبر المتنافسين
من المهم الإشارة أيضًا إلى النفوذ التركي ومحاولات التوغل "الإسرائيلي" في الأراضي السورية، حيث قامت الحكومة السورية علنًا عام 2015، باستفزاز جارتها التركية، مما أدى إلى اشتباكات دامية اقتربت من اندلاع حرب مفتوحة بين البلدين. يجب أن تكون روسيا حذرة بشأن أنواع وكميات المعدات التي توفرها للشركاء السوريين الذين يقتنصون الفرص من أجل مهاجمة نقاط المراقبة العسكرية التركية.
على صعيد آخر، عززت "إسرائيل" من غاراتها الجوية في سوريا خلال عام 2021، حيث استهدفت منشآت لتخزين الأسلحة وإنتاجها مرتبطة بـ"الحرس الثوري الإيراني". وزعمت "إسرائيل" أنها تقوم بحملة لإيقاف محاولات "الحرس الثوري الإيراني" لنقل صواريخ بعيدة المدى إلى "حزب الله" في لبنان. وبالرغم من أن قذائف "كراسنوبول" لا تشكل تهديدات استراتيجيّة لأمن "إسرائيل"، إلّا أنّ "حزب الله" يستطيع الاستفادة منها للتغلب على الدفاعات الجوية "الإسرائيلية". يُشار إلى أنّ "إسرائيل" تسعى لمراقبة جميع عمليات نقل مثل هذه الأسلحة من الداعمين للنظام السوري.
لقراءة وتحميل الترجمة/ اضغط هنا