المصدر: المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية "ISPI"
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
تمهيد:
إن "اتفاقية أبراهام"، ونعني بها هنا التعاون المتنامي بين كل من الإمارات والبحرين و"إسرائيل" والولايات المتحدة، تعزز التحالفات البحرية الإقليمية في الشرق الأوسط، خصوصًا في البحر الأحمر. ورغم أن الهدف الرئيسي هو مواجهة إيران وحلفائها، مثل جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن، والوكلاء الآخرين، إلا أن كلًا من الإمارات، والسعودية بدرجة أقل (التي لم تطبع العلاقات مع تل أبيب)، و"إسرائيل" تظهر بشكل متزايد تصورات وسياسات مختلفة تجاه بطهران.
لكن على أرض الواقع، ومع بقاء الموقف "الإسرائيلي" دون تغيير، عاد الإماراتيون إلى سياسة خارجية تعتمد على مبدأ "الدبلوماسية أولًا"، بينما يتحدث السعوديون مباشرةً مع الإيرانيين في العراق. وعلى هذا النحو، يواجه هذا التعاون المعضلة التالية: هل ستحاول أبو ظبي، والرياض بدرجة أقل، التخفيف من موقف "إسرائيل" تجاه إيران؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد في جزء منها على تطور الصراع في اليمن، خاصةً على طول الساحل الغربي.
مناورات عسكرية بحرية غير مسبوقة
بتنسيق من القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية "NAVCENT"، أجرت كل من الإمارات والبحرين و"إسرائيل" مناورات عسكرية بحرية غير مسبوقة (من الـ11 إلى الـ16 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021) في البحر الأحمر، بهدف المساعدة على "ضمان حرية الملاحة" والتجارة الدولية، وذلك كنتيجة مباشرة لـ"اتفاقيات أبراهام" التي قامت أبو ظبي والمنامة من خلالها بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب عام 2020.
بالمقابل، ونظرًا لافتقارها إلى العلاقات الرسمية مع "إسرائيل"، تظل السعودية خارج "معادلة أبراهام"، وكذلك على المستوى البحري. ومن المتوقع أن يقلل هذا من الخيارات العملية أمام السعودية على المدى المتوسط إلى الطويل، رغم أن الرياض عادةً ما تختار العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين.
من جهتها، وأثناء إجراء التدريبات البحرية التي استمرت خمسة أيام، انسحبت القوات المشتركة اليمنية المدعومة من الإمارات من الحديدة (ميناء اليمن الرئيسي على البحر الأحمر) وجنوب المحافظة، لإعادة انتشارها في خطوط المواجهة الأخرى (خاصة مأرب وشبوة). جدير بالذكر أن القوات المشتركة هي مظلة عسكرية مركّبة مناهضة للحوثيين بقيادة "طارق صالح"، ابن شقيق الرئيس اليمني الراحل، علي صالح. وقد سمح الانسحاب بشكل غير مباشر للحوثيين، بالسيطرة على المواقع الشاغرة على الأرض، ولهذا يبدو أن "اتفاقية ستوكهولم" عام 2018 على حافة الهاوية.
يُذكر أيضًا أنه لم يتم من قَبْل إبلاغ بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة "UNMHA"، وهي البعثة المدنية التي تراقب تنفيذ "اتفاقية ستوكهولم"، بشأن انسحاب القوات المشتركة، والتي تنقسم بشكل متزايد بين عناصر الحرس الجمهوري التابع لـ"صالح"، و"كتائب العمالقة"، ومقاتلي "مقاومة تهامة" المحليين، كما لم تكن الحكومة المعترف بها دوليًا على علم أيضًا بالخطط.
الساحل الغربي لليمن
بناءً على هذه الخلفية، ستتحكم ديناميكيتان مترابطتان في تشكيل النتيجة الجيوسياسية لـ"اتفاقيات أبراهام" في البحر الأحمر؛ إما خفض التصعيد أو المواجهة مع إيران وحلفائها الإقليميين. وهاتان الديناميكيتان هما:
- أولًا: الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار وحرب الظل البحرية منخفضة الحدة بين "إسرائيل" وإيران.
- ثانيًا: الوجود الدائم لـ"أنصار الله" في الساحل الغربي لليمن، وقدراتهم المتزايدة على ضرب وتعطيل أهداف في البحر الأحمر.
فمن اليمن، اعتمد الحوثيون "الطائرات بدون طيار" كأدوات للحرب منذ عام 2017، وفي ظل غياب اتفاق دبلوماسي سريع لحل النزاع، سيضاعف تواجد "أنصار الله" القوي في الحديدة التهديد البحري، ما يضع مزيدًا من الضغوط على السعودية. وحتى الآن، استهدفت الزوارق المتفجرة غير المأهولة السفن المدنية، مثل ناقلات النفط ومنشآت الموانئ السعودية، بما في ذلك جدة. وفي أيلول/ سبتمبر 2021، أدى هجوم للحوثيين مكوّن من طائرات بدون طيار وصواريخ لتدمير ميناء المخا اليمني بشكل كبير، وتم إغلاق البنية التحتية أمام الشحن التجاري منذ عام 2015، حيث كان من المقرر استئناف الأنشطة المدنية بعد إعادة التأهيل التي يحتمل أن تدعمها الإمارات. والآن، فإن إعادة انتشار القوات المشتركة المدعومة من الإمارات بعيدًا عن الحديدة يمكن أن يكون لصالح الحوثيين في المدينة، ما يزيد من العنف على الأرض وكذلك التوترات البحرية.
أولويات القوات البحرية الإقليمية في البحر الأحمر
تأتي مواجهة التهديدات غير المتكافئة وحماية الأهداف الساحلية حاليًا على رأس أولويات القوات البحرية الإقليمية في البحر الأحمر وما وراءه، فيما تعتبر مصر أيضًا جزءًا من "اتفاقيات أبراهام"؛ فللمرة الأولى منذ إعادة هيكلتها، زارت سفينة حربية أمريكية قاعدة "برنيس" المشتركة في آب/ أغسطس 2021. كما أكد مسؤولون "إسرائيليون" أن النشاط البحري "الإسرائيلي" في المنطقة قد نما "بشكل كبير"، خلال السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك نشر فرقاطات الصواريخ والغواصات.
من جهته، أطلق الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية (مقره في البحرين، لكن منطقة مسؤوليته البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن أيضًا)، فرقة عمل جديدة هي "فرقة المهام 59"، وتشتمل على السفن الشراعية والمحمولة جوًا، وطائرات بدون طيار تحت الماء، وذلك بهدف زيادة الردع والوعي البحري، خاصةً في المياه الضحلة، ومراقبة أنشطة ما فوق وما تحت الماء.
وكانت البحرين أول شريك إقليمي يتعاون مع "فرقة العمل الأمريكية 59" في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وفي تلك المناسبة أكملت "NAVCENT" تمرين "الأفق الجديد"؛ حيث دمجت ليس فقط سفنها غير المأهولة مع زوارق دورية مأهولة، لكن قامت بذلك في البحر جنبًا إلى جنب مع القوى الشريكة.
تأثير "اتفاقيات أبراهام" على النهج الأمريكي في البحر الأحمر
في ظل هذه الخلفية، يمكن أن تكون "اتفاقيات أبراهام" في الدفاع البحري أكثر تأثيرًا على حوكمة أمن البحر الأحمر على المدى المتوسط إلى الطويل، من منتدى متعدد الأبعاد مثل "مجلس البحر الأحمر" بقيادة السعودية.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الجانب البحري الذي أبرزته التدريبات البحرية الإماراتية-البحرينية-"الإسرائيلية" المشتركة، يعتبر بالتأكيد أخبارًا جيدة، حيث يمكن فهم فك الارتباط الجزئي للولايات المتحدة بأمن الشرق الأوسط، من خلال تعزيز قدرات الدفاع البحري في المنطقة، والتعاون البحري، وقابلية التشغيل البيني بين الشركاء.
إن الخيارات الأمريكية الأخيرة تؤكد على هذا الاتجاه؛ فبعد "اتفاقيات أبراهام"، نقل البنتاغون "إسرائيل" من (القيادة الأمريكية الأوروبية) "EUCOM" إلى القيادة المركزية الأمريكية"CENTCOM"، لتعزيز التعاون الوثيق بين دول الخليج و"إسرائيل". وفي كانون الثاني/ يناير 2021، وقّعت واشنطن اتفاقية مبدئية مع السعودية لاستخدام القواعد الجوية والموانئ غرب المملكة (ينبع، تبوك، الطائف). وتسلط هذه الخطوات الضوء على نهج "الشبكة اللوجيستية المرنة" للولايات المتحدة لأمن الشرق الأوسط، والذي يرتكز على مرافق الحلفاء الإقليميين ويدعم البنى الأمنية المتجذرة في المنطقة، وبالتالي يقلل من وجود الولايات المتحدة وظهورها المباشر.
هل يوجد تفاوت في وجهات النظر بين الحلفاء؟
في اليمن، أدى استيلاء "أنصار الله" على الحديدة بشكل غير مباشر إلى تعزيز نفوذ إيران في المنطقة، ما وفّر لطهران منفذًا "وديًا" محتملًا إلى البحر الأحمر. ويثير هذا التطور العسكري السياسي مخاوف في تل أبيب والرياض وأبو ظبي أيضًا، لأن الاتحاد الإماراتي لديه مصالح جيوستراتيجية مهمة في البحر الأحمر ومنطقة باب المندب الفرعية.
ورغم ذلك، فقد تغيرت خلال الأشهر الأخيرة الرؤى السياسية والاستراتيجيات واللغة وتصورات التهديد بين الحلفاء في الشرق الأوسط. بالمقابل، ظل موقف "إسرائيل" تجاه إيران وحلفائها الإقليميين على حاله دون تغيير؛ وعلى هذا النحو، فإن التطورات على الساحل الغربي اليمني ستلعب دورًا حاسمًا في كيفية تأثير "اتفاقيات أبراهام"، على تشكيل الخيارات الأمنية والحوكمة الأمنية على المدى المتوسط إلى الطويل في البحر الأحمر.