المصدر: أي إتش إس ماركيت
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
تمهيد
قام ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات، محمد بن زايد، بزيارة إلى أنقرة في الـ24 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، التقى خلالها بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حيث عقد الطرفان مذكرات تفاهم متعددة "MOUs" تغطي استثمارات، في مجالات الرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية وغيرها، بقيمة عشرة مليارات دولار.
الإمارات تحول سياساتها وتوسع خياراتها في المنطقة
يبدو أن الإمارات تسعى إلى تطوير خياراتها في المنطقة تحسبًا لاتفاق أمريكي إيراني محتمل، أو تحريك الولايات المتحدة اهتمامها نحو شرق آسيا. ويُرجّح أن تأتي هذه الزيارة والوعود الاستثمارية كخيار إماراتي لتحسين العلاقات مع تركيا إذا لزم الأمر في المستقبل، بدلًا من الالتزام القوي بتحويل العلاقات.
من جهتها، شدّدت الولايات المتحدة على الحاجة إلى الجهات الفاعلة الإقليمية للحد من الصراع في المنطقة؛ ومن المرجح أن تردّ الإمارات على ذلك بانفتاح دبلوماسي يهدف جزئيًا إلى توسيع خياراتها، دون الالتزام بأي طرف إقليمي واحد باستثناء "إسرائيل". وعلى هذا النحو، فإن تحسين العلاقات مع تركيا يسمح للإمارات بموازنة علاقاتها مع كل من تركيا وإيران، لا سيما إذا توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.
بالمقابل، لا يوجد دليل على مصالحة إقليمية موسعة بين تركيا والإمارات، ما يشير إلى أن أي تقارب قد يكون قصير الأمد؛ حيث يتنافس الجانبان عسكريًا في بعض الأحيان على تطوير احتياطيات الهيدروكربونات شرق البحر الأبيض المتوسط. كما يتبع البلدان أيديولوجيات متعارضة تمامًا؛ فلا يوجد دليل على حل دائم لتلك النزاعات، أو مقايضة تبرر ضخ الإمارات للأموال لإنقاذ الاقتصاد التركي المتعثر.
لقد حفّز المستثمرون الإماراتيون على تأجيل الالتزامات في تركيا، بينما تواصل الليرة تدهورها السريع، مع احتمال حدوث تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة ما يؤدي إلى تفاقم انخفاض قيمة الليرة. كما إن المستثمرين المقيمين في الإمارات وغيرهم، مثل الإسباني "BBVA" الذي يملك السيطرة الكاملة على بنك "Garanti"، لديهم حوافز واضحة لتأجيل التزاماتهم. وإلى أن تنهي تركيا سياساتها النقدية غير التقليدية أو تنتهج عكسها، فمن غير المتوقع أن ينفذ المستثمرون الإماراتيون التزاماتهم تجاه تركيا بالكامل، مع احتمال حدوث تدفقات استثمارية رمزية فقط على المدى القريب.
لكننا في "آي إتش إس ماركيت" نقدّر أن الالتزامات في مجال الرعاية الصحية والخدمات اللوجستية قد تسير قدمًا، لأن هذا جزء من الأولويات الاستراتيجية الأوسع لأبو ظبي لكن مع تأجيل غالبية التعهدات حتى تستقر الليرة، ما يمنح مزيدًا من الاطمئنان لأن قيمة الاستثمارات الجديدة لن تنخفض بسرعة بعد وقت قصير من ضخها.
الاستثمارات الإماراتية ستواجه مخاطر قد تصل إلى حد الإلغاء
ستواجه الاستثمارات الإماراتية في تركيا مخاطر كبيرة من تدخل الدولة و/أو الإلغاء و/أو المصادرة؛ فمن المحتمل ألا يسمح القوميون والإسلاميون الأتراك، الذين يهيمنون على صنع السياسة التركية، للإمارات باكتساب نفوذ كبير على الصناعات العسكرية التركية والصناعات عالية التقنية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والطاقة والموانئ. فلا نرجّح أن يقبلوا بوجود دولة الإمارات في موقع مؤثر بالدولة تسعى من خلاله لمنع تركيا من تحقيق مصالحها الاستراتيجية، من حيث توسيع النفوذ الإسلامي في الشرق الأوسط وتوسيع نطاق الوصول العسكري لتركيا والوصول إلى الأسواق.
وعلى هذا النحو، ستواجه الاتفاقيات الإماراتية خطر الإلغاء أو إعادة التفاوض، وهذا بدوره قد يحد من شهية الشركات الإماراتية الخاصة للالتزام باستثمارات كبيرة في تركيا، كما ستواجه الأصول الإعلامية على وجه الخصوص مخاطر عالية من المصادرة.
ومع اقتراب الانتخابات، تستمر أنقرة في التواصل مع القوى الإقليمية لإنقاذ الاقتصاد وسمعة "أردوغان"؛ فقد حدّ الرئيس من نشاط "الإخوان المسلمين" في إسطنبول استجابةً لمطالب القاهرة وأبو ظبي، لكن لا يُتوقع أن يغير مواقفه في ليبيا أو سوريا أو اليمن. أما بالنسبة للإمارات، فإن التعامل مع تركيا يعدّ خطوة عملية تهدف إلى تقليل عدد الجبهات التي يجب أن تشارك فيها، لأنها تحوّل مسارها من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة في ممارسة النفوذ عبر المنطقة. وبالنسبة لكلا البلدين، فإن التعاون الاقتصادي يعتبر مفيدًا للأعمال التجارية على أقل تقدير.
توجس تركي إيراني من الاستثمارات الإماراتية في شبكات الطرق والسكك الحديدية
من غير المحتمل أن تهيمن الإمارات على التوسع المعلن لشبكات الطرق والسكك الحديدية بين ميناء مرسين التركي وبندر عباس الإيراني، كما هو مقترح في الإعلانات المتعلقة بالمشروع. فخلال الزيارة، ورد أنه تم الاتفاق على أن الإمارات ستبني ممر نقل يربط ميناء بندر عباس الإيراني بميناء مرسين التركي.
وإن كانت توجد بالفعل شبكات طرق وسكك حديدية تربط الاثنين، إلا أن الخطة تهدف إلى توسيع السعة على طول هذا الطريق، وسيؤدي ذلك إلى تقصير وقت النقل من الإمارات إلى البحر المتوسط عدة أيام. ومع ذلك، فلا يُتوقع أن يتحقق هذا، ولا يُرجّح أن ترغب تركيا أو إيران في أن يكون للإمارات سيطرة فعلية على مثل هذه البنية التحتية الحيوية. علاوةً على ذلك، سيتعين رفع العقوبات الأمريكية عن إيران، والتي يتطلب الكثير منها موافقة الكونجرس، وهو أمر يُستبعد أن يكون وشيكًا.