البرهان وحميدتي يحكمان السيطرة على السلطة في الخرط

يُحكمان السيطرة على السلطة في الخرطوم ... "البرهان" و"حميدتي" تواطؤ تكتيكي حقيقي رغم التناقضات بينهما

الساعة : 14:00
22 فبراير 2022

المصدر: أفريكا إنتيليجنس

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

تمهيد:

بإحكام القبضة والسيطرة الكاملة على السلطة في السودان، شكّل اللواء "عبد الفتاح البرهان" ونائبه "حميدتي" ثنائيًا يمسك بزمام النظام الحاكم حاليًا في السودان. نظريًا، لا يوجد شيء مشترك بينهما؛ فـ"البرهان" عسكري نظامي بينما "حميدتي" رجل ميليشيا تحوّل إلى سياسي. ومع ذلك، فقد مكثا في السلطة معًا لأكثر من عامين حتى الآن. وفي هذا التقرير، نتقصى طريقة عمل هذه العلاقة التي يمكن أن يؤدي أي اختلال فيها إلى دخول السودان في المجهول.

انقلاب وتواطؤ وتبديل أدوار

حتى انقلاب الـ25 من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، لعب نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، اللواء محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، دور "البعبع"، في حين اعتنى رئيس المجلس، عبد الفتاح البرهان، بالتواصل مع المدنيين وعمل مع رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، تاركًا "حميدتي" للتصدي ومواجهة معظم النيران الموجهة ضد النظام. وفي الـ25 من تشرين الأول/ أكتوبر، قام الرجلان بتبديل الأدوار؛ فبين عشية وضحاها تولى "البرهان" دور الزعيم المستبد في حين اختفى "حميدتي "، قائد ميليشيا قوات الدعم السريع، عن الأنظار. ولأكثر من أسبوع، تُرك "البرهان" بمفرده للتعامل مع التداعيات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية الناجمة عن الانقلاب، حتى أعاد "حميدتي" رسميًا وعيّنه الرجل الثاني في مجلس السيادة الجديد.

لقد تمكّن الرجلان من تطبيق تبديل الأدوار بمهارة جيدة، من خلال تواطؤ تكتيكي حقيقي؛ فلم يكن بإمكان "البرهان" الإطاحة بحكومة "حمدوك" دون دعم "حميدتي" وقوات الدعم السريع، وتورطهما في إخماد المظاهرات التي أعقبت الانقلاب موثق جيدًا ولا شك فيه. كما إن هناك مؤشرًا آخر هو وجود شقيق "حميدتي"، عبد الرحيم دقلو، في جميع المفاوضات السياسية التي أجريت بعد الإطاحة بالحكومة، بينما كان انسحاب "حميدتي" من المشهد العام محاولة لإعادة التوازن إلى تبادل الأدوار الذي يلعبه مع "البرهان". كما كان الهدف ترسيخ صورته كرجل دولة استعدادًا لفرصة محتملة في الرئاسة، رغم أنه ينفي ذلك، إلا أن "البرهان" لديه طموحات مماثلة، ما يعني أن الرجلين متنافسان بحكم الواقع.

وإن كان أيٌّ منهما لا يفعل شيئًا دون الآخر، إلا أن كل شيء يميزهما عن بعضهما؛ فـ"البرهان" (62 عامًا) ينحدر من عائلة متدينة شمال السودان، وتلقى تعليمه المدني والعسكري في السودان ثم في مصر والأردن، ولكونه ضابطًا محترفًا، فقد صعد في صفوف القوات المسلحة السودانية. أما "حميدتي" (48 أو 49 عامًا) فينتمي إلى قبيلة الرزيقات، وهو من مواليد دارفور غرب السودان، والتعليم الوحيد الذي حصل عليه كان ضمن مليشيات الجنجويد، التي استخدمتها الحكومة السودانية في الحرب الأهلية التي اندلعت في دارفور عام 2003 والتي سرعان ما أصبح زعيمها.

المعارف القديمة تقود الرجلين للسلطة

لا شيء يوحي بأن الرجلين سيعملان معًا، ومع ذلك ورغم تناقضاتهما، فقد أصبحا حجر الزاوية في التوازن الهش السائد حاليًا في السودان. وقد جمعتهما الظروف في الـ11 من نيسان/ أبريل 2019 بعد سقوط حكومة "عمر البشير" (1989-2019)، وتعليق دستور البلاد من قبل الفريق "أحمد عوض بن عوف"، الذي كان شخصية رئيسية في التكوين العسكري والسياسي في عهد "البشير". فعلى مدى عقدين من الزمن، شغل "بن عوف" على التوالي منصب رئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني، والذي أصبح اليوم جهاز المخابرات العامة، ثم رئيس أركان القوات المسلحة السودانية، ووزيراً للدفاع من 2015 إلى 2019. ومنذ شباط/ فبراير إلى نيسان/ أبريل عام 2019، جمع "بن عوف" هذا المنصب الأخير مع منصب النائب الأول للرئيس، وكان أيضًا مسؤولًا كبيرًا في "حزب المؤتمر الوطني"، الحزب الإسلامي الذي اعتمد عليه "البشير" في حكمه من 1998 إلى 2019.

كما شغل "بن عوف" منصب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الذي تم تشكيله بعد سقوط "البشير" ليوم واحد فقط، ولكونه مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالإسلاميين في "حزب المؤتمر الوطني"، لم يكن ممكنًا قبوله من الشعب السوداني ولا المجتمع الدولي، كما كان أحد رموز النظام المستهدفة بالعقوبات الأمريكية. من جهة أخرى، تبنّى "حميدتي" والجنرالات الانقلابيون وجهة نظر، مفادها أنهم بحاجة إلى التخلص من "البشير" و"حزب المؤتمر الوطني" واتصالاته الإسلامية لرفع العقوبات.

وقبل استقالته، اختار "بن عوف" "البرهان" خلفًا له في رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، والذي كان في ذلك الوقت مفتشًا عامًا للجيش ولم يكن معروفًا لعامة الناس، كما عيّن "بن عوف" "حميدتي" نائبًا لـ"البرهان" في المجلس. وقد جمعت كلًا من "بن عوف" و"حميدتي" معرفة لفترة طويلة؛ حيث أشارت البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي يرجع تاريخها إلى عام 2008، والتي نشرتها "ويكيليكس"، إلى أن "بن عوف" كان بمثابة وسيط بين الحكومة وميليشيات الجنجويد، التي أصبحت الآن قوات الدعم السريع، والتي قادها "حميدتي" أثناء الحرب الأهلية في دارفور.

شبكة مصالح اقتصادية نفوذية

خلال الحرب الأهلية، قاد "البرهان" وحدات من الجيش السوداني وسط دارفور، لكن من غير المرجّح أن يكون الرجلان قد تعرفا على بعضهما في ذلك الوقت، وعلى الأرجح أنهما تعرفا بعد عام 2015؛ حيث كانا مسؤولين عن تنسيق انتشار القوات السودانية والقوات شبه العسكرية في اليمن، إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين.

وخلال هذه الفترة كذلك، أقام الرجلان علاقات وثيقة مع الرياض وأبو ظبي، وبعد سقوط "البشير" عام 2019 شجعت دول الخليج "البرهان" على تنفيذ حملة تطهير واسعة النطاق للشخصيات الإسلامية داخل الجيش. كما دفع "حميدتي" في الاتجاه نفسه، حيث ظل باستمرار، منذ عام 2019، يهاجم النخبة الدينية لـ"البشير". ومع ذلك، فقد ظلت شبكة المصالح الاقتصادية التي نسجها كبار المسؤولين والضباط في النظام القديم قائمة، ما أدى إلى ممارسة الضغط على الجنرالات العاملين في مجلس السيادة حتى فترة طويلة بعد سقوط "البشير".

تتكون هذه الشبكة بشكل أساسي من مجموعة من عائلات الخرطوم المعروفة، والتي تسيطر اليوم على الجزء الأكبر من القطاع الخاص في البلاد. وهذه القوة الاقتصادية التي تمتلكها هذه العائلات، والتي كان معظمها راسخًا قبل وصول "البشير"، تعمل كوسيلة لممارسة الضغط على القادة السودانيين، حيث يمثلهم، بشكل خاص، رئيس مجلس إدارة مجموعة "DAL"، أسامة داوود عبد اللطيف، وعائلة "النفيدي" التي لها مصالح زراعية كبرى، و"أحمد أمين عبد اللطيف"، رئيس مجموعة "CTC"، التي تعمل في قطاع الاستيراد والتصدير والزراعة.

أما على الجانب العسكري، فيتولى رئيس سرية المجمع الصناعي العسكري السوداني، اللواء ميغانى إدريس، المصالح الاقتصادية للقوات المسلحة السودانية، وهو مدني رُقّي إلى رتبة لواء عندما تولى المنصب بعد سقوط "البشير"، وهو اليوم من أقوى الشخصيات في النظام.

تعارض المصالح يدفع المتنافسين العسكريين للتعاون

في آب/ أغسطس 2019، وبسبب الضغط المشترك من قبل الشعب السوداني والمجتمع الدولي، وبالتوصل لاتفاق لتقاسم السلطة مع المجتمع المدني، شعرت النخبة التجارية والعسكرية بأن مصالحها تتعرض لتهديد مباشر. فقد تضمن الاتفاق بندًا يهدد بعرقلة أنشطتهم؛ حيث تنص المادة 7 من هذه الوثيقة على أن أجهزة الدولة يجب أن "تفكك هيكل نظام يونيو 1989 (هيئة التحرير: نظام عمر البشير)". وأدى ذلك إلى تشكيل لجنة مهمتها تفكيك "حزب المؤتمر الوطني" وتصفية الثروة المتراكمة من قبل النظام القديم، وضمان عودة الإشراف المدني لجميع قطاعات الأعمال التي كانت حتى ذلك الحين تحت سيطرة الجيش والميليشيات. ورغم ذلك، فإن طبيعة وتفاصيل كل هذه المصالح لا يزال يكتنفها غموض كبير؛ حيث أشار رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، علنًا عام 2020 إلى أنها تمثل حوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي للسودان.

وسط هذا الحصار بين مجموعات المصالح المتعارضة، لم يُترك أي خيار لكل من "حميدتي" و"البرهان" سوى تعلم العيش مع بعضهما، رغم طموحاتهما الرئاسية المتضاربة والتنافس الذي يكاد يخفيه كل منهما، لذلك فقد اتخذ الرجلان مقاربة براغماتية وتقاسما الأدوار بينهما. فبالنسبة لـ"حميدتي"، الذي يمكنه الاعتماد على الدعم المالي من دول الخليج وأنشطة التعدين الخاضعة لسيطرته، فقد أُعطي له دور الانتصار لقضية النظام مع المتمردين في المناطق النائية في دارفور وكردفان والجزء الشرقي من البلاد. وفي عامي 2019 و2020، كان "حميدتي" يتنقل بانتظام بين الخرطوم والإمارات والسعودية وتشاد، حتى تم توقيع اتفاقية جوبا للسلام أخيرًا في آب/ أغسطس 2020. وقد أعطت الاتفاقية مصداقية للعسكر في نظر المجتمع الدولي، وعامًا إضافيًا في قيادة الدولة عن طريق إعادة بدء عملية الانتقال من الصفر.

أما "البرهان" فقد كانت مهمته إبقاء مسؤولي النظام القديم تحت السيطرة وإنهاء الخلافات داخل الجيش، لا سيما فيما يتعلق بـ"حميدتي"، الذي احتقرته دائمًا النخبة العسكرية بسبب أصوله وماضيه المليشياوي. ومن خلال إبقاء "حميدتي" إلى جانبه، يستطيع "البرهان" أن يمنح السودان بعض الاستقرار، بينما تتولى قوات الدعم السريع مهمة صعبة تتمثل في إحلال السلام في المناطق النائية المضطربة. بالمقابل، وفي غضون ذلك، يستطيع "حميدتي" تقديم نفسه كرجل دولة، وأن يحافظ على بعض الاستقلالية على رأس قواته المليشياوية، ويتابع أنشطته التعدينية دون تدخل كبير.

الرفض الشعبي والمجتمعي والسياسي حجر عثرة أمام الرجلين

رغم كل ما سبق، إلا أن العمل السلس لهذا الترتيب تعطل بسبب بعض الإرهاصات؛ فلم يتمكن "البرهان" من إبقاء النخبة العسكرية والاقتصادية تحت السيطرة الكاملة لسبب واحد بسيط للغاية، وهو أنه لم يتمكن من وقف أنشطة اللجنة المشكلة لتفكيك نظام "البشير". والأسوأ من ذلك أنه مع مرور الوقت، أفلتت اللجنة المؤلفة من مدنيين مستقلين من سيطرة السلطات الانتقالية المدنية والعسكرية؛ ففي صيف 2021 انصبّ التوتر السياسي على نشاط اللجنة لدرجة أنه جرت محاولة لاغتيال أحد أعضائها.

ومن خلال عزل حكومة "حمدوك"، اعتقد "البرهان" و"حميدتي" أنه يمكنهما "قتل ثلاثة عصافير بحجر واحد"؛ إنهاء عدم الاستقرار السياسي، وتنفيذ عملية تطهير جديدة لرؤساء الخدمة المدنية، وإرضاء رجال الأعمال والنخبة العسكرية، من خلال التخلص من اللجنة التي تشرف على إنهاء نظام "البشير". وقد مكّن انقلاب الـ25 من تشرين الأول/ أكتوبر كلًا من "البرهان" وحميدتي" من تهدئة المتظاهرين في الجيش، على الأقل لفترة من الوقت، ودرء خطر محاولة الانقلاب من قبل القوات المسلحة.

ورغم ذلك، لم يتوقع القطبان العسكريان مآلات فترة عدم الاستقرار السياسي التي أعقبت الإطاحة بحكومة "حمدوك"؛ فبعد أقل من شهر من خلعه، ومع اندلاع ضجة كبيرة في البلاد، ناشدا "حمدوك" من خلال شقيق "حميدتي"، عبد الرحيم دقلو، للعودة إلى الحكومة، وقد وافق في الـ21 من تشرين الثاني/ نوفمبر لكن عودته لم تدم طويلًا. وفي غضون ذلك، تفككت "قوى الحرية والتغيير" (التحالف المدني الذي كان يدعم حمدوك). ولعدم قدرته على تشكيل حكومة، استقال "حمدوك" في النهاية في الثاني من كانون الثاني/ يناير. ولا يريد أحد الآن تولي هذا الدور الصعب كرئيس وزراء، ونتيجة لذلك، يعمل "البرهان" و"حميدتي" الآن على تحسين إدارتهما لشؤون البلاد، في محاولة للحفاظ على استقرارها الهش.